رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

محمد القدوسي

محمد القدوسي

مساحة إعلانية

مقالات

1624

محمد القدوسي

منزل الوحي

24 سبتمبر 2014 , 01:05ص

كسوتها السوداء هي غلاف الروح، أو هي الغبش الشفيف المكنوز في قلبه نور العالم، منذ أن كان النور، وخلق العالم.

تلكم الكعبة، وهذه مكة، منزل الوحي الأول، حيث الخطى ـ خطاك نفسها التي تعرفها ـ تنقلك في الزمان بأظهر مما تنقلك في المكان، أو قل إن انتقالات المكان ليست إلا ترديدا لانتقالات أخرى من أزمنة أخرى، وإن انتقالات الزمان تهيمن عليها لتنقلب السُنن؛ أليست السُنَّة أن يقصر المسافر ـ عموما ـ صلاته، وأن يؤم المسافرُ المقيمَ، إلا في مكة والمدينة، فالمسافر ـ في الحرمين ـ يتم، والمقيم يؤم؟

هو موطن الروح إذاً، نصله مغتسلين متجردين، لا نحن فيه على سفر، ولا هو إلا تاريخ أسلافنا الموصول، منذ شق موضعُ الكعبة ماءَ الخلق الأول، وطافت بها الملائكة لتترى الصور: آدم ـ عليه السلام ـ أول البشر وأول طائفيهم، تُبع (ملك اليمن) أول من كسا الكعبة، وأول من جعل لها بابا، عبد المطلب (جد الرسول صلى الله عليه وسلم) أول من ذَهَّب الكعبة وجعل بابها من الحديد، مضاض بن عمرو الجرهمي، أول ملك يخرج من مكة منفيا، ليقول بيته الأشبه بجرح لا يرقأ:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

أنيس ولم يسمر بمكة سامر

تاريخ نقصده ليأتينا، ونطوف به ليسعى فينا، في كل خطوة مشهد، وفي كل مشهد معان تتجدد، ذلك أنك لا تسبح في النهر نفسه مرتين، ولا تولي وجهك شطر القراءة الواحدة مرتين، بل هي رؤى تنشق عن رؤى. والنفس تتوق ـ ولا بد ـ إلى الصلاة في جوف الكعبة. لكنها إن انعطفت إلى "حجر إسماعيل" وصلت ركعتين، لأدركت مع تكبيرة إحرامهما أنها نالت مناها، ذلك أن الحجر قطعة من البيت. قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها: "كنتُ أحب أن أدخل البيت فأصلي فيه، فأخذ رسول الله بيدي فأدخلني الحِجر، وقال لي: صلي هاهنا إن أردت دخول البيت، فإنما هو قطعة منه".

وقالت إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألم تَرَيْ أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم. قالت: فقلت: يا رسول الله أفلا تردها على قواعد إبراهيم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت.

الحجر إذاً من الكعبة، بناه خليل الله إبراهيم لابنه اسماعيل ـ عليهما السلام ـ بعد أن رفعا قواعد البيت، وجعله عريشا من خشب الأراك. وأخرجته قريش من الكعبة لأن المال "مضمون الطهارة" لم يتوفر لديها إلا بقدر ما بنت منها، ثم أدخله عبد الله بن الزبير في بناء الكعبة، عندما استقل بالحجاز والعراقين، وكلف عبد الملك بن مروان عامله الحجاج بن يوسف الثقفي بإعادة إخراجه من بناء الكعبة، وبينما تركع في الحجر وتسجد، أحمد الله على تدبيره ورحمته، إذ أكد لنا على لسان نبيه أن الحجر من الكعبة، ثم قدر أن يظل خارج بنائها، مفتوحا متاحا لك ولي ولسائر "العوام" من أمة الإسلام، هؤلاء الذين لا "قدم" لهم تخطو بهم إلى جوف الكعبة، ومع ذلك تنالهم نعمة الصلاة داخلها، ويظل باب الحجر مفتوحا للمجتهدين. وحسبما رواه ابن إسحاق وابن هشام وابن جرير الطبري وابن كثير فإن السيدة هاجر، وابنها إسماعيل، وخمسة وسبعين نبيا مدفونون في الحجر.

مساحة إعلانية