رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مبارك الخيارين

* باحث في الشؤون الاقتصادية

مساحة إعلانية

مقالات

1440

مبارك الخيارين

القطاع الحكومي من منظور تسويقي

24 فبراير 2025 , 02:00ص

يشترك القطاعان العام والخاص في مسألة التسويق، فكلاهما يقدم منتجات وخدمات، ويعتمدان الترويج والتحفيز على شراء المنتج أو استخدام الخدمة، سواء عن طريق العلاقات العامة في الجهات الحكومية أو خدمة العملاء في القطاع الخاص. وكذلك كلاهما يبذلان الجهد في تحسين المنتج أو الخدمة ويجمعان الآراء والملاحظات ويتواصلون مع العملاء في القطاع الخاص أو الجمهور في القطاع الحكومي بغرض تحسين مخرجاتهما. وأيضا كلاهما له قنوات تواصل واتصال بالشرائح المستهدفة لديه، فنجد حسابات حكومية تشجع على حضور المعارض أو الاشتراك في المبادرات أو ترويج المشاريع الحكومية في مواقعها وصحفها وحساباتها، وهذا يماثل قنوات التواصل للقطاع الخاص. وأيضا نجد أن اختيار مواقع الجهات الحكومية من مدارس أو وزارات أو مراكز أو خدمات يهتم بنوعية الموقع ومدى مناسبته لأكبر عدد ممكن تستطيع الجهة فيه خدمة جمهورها وسهولة الوصول إليها.

مما تقدم نرى أن هناك عوامل مشتركة كثيرة بين القطاعين، وهذا ينقض الرأي القائل القطاع العام لا يشبه القطاع الخاص!! وذلك بحجة أن الفارق هو أن القطاع الخاص يستهدف الربح والقطاع العام لا يستهدف الربح وهذه مغالطة كبيرة، والحقيقة أن كليهما يربحان ولكن شكل الأرباح (مختلفة) بينهما، فالأرباح في القطاع الخاص عبارة عن (كسب) أموال نقدية، بينما هي في القطاع العام عبارة عن (توفير) أموال نقدية، فالدولة عندما تنفق على محاربة التدخين فهي توفر من تكلفة العلاج، وعندما تقدم التعليم مجانا، فهي توفر من تكلفة الجهل، وكذلك عندما تشيد الطرق تزيد من حركة الاقتصاد بها، ليتضح لنا أن أرباح القطاع العام عبارة عن عملة لها وجهان، ربح اجتماعي مباشر، وربح مادي غير مباشر.

وبعد توضيح الأموز المشتركة بين القطاعين نجد أن عملية التسويق لا تقتصر على القطاع الخاص لوحده، بل يتعداه إلى القطاع العام، بل هو في حق القطاع العام أولى، وذلك بسبب أن تأثير القطاع العام أوسع وآثاره على المجتمع أطول وأوقع. فمن هنا نرى أهمية التسويق والذي يهتم ببحث واستقصاء حاجات الناس ومتطلباتهم وتوفير المنتجات أو الخدمات التي تلبي تلك الاحتياجات، فمنتج الإدارات القانونية أو التشريعية هي القوانين التي تؤثر على حياة الناس وحقوقهم، وخدمات البلديات تؤثر على أسلوب معيشة الناس وراحتهم في أوطانهم، بينما تقدم وزارة التجارة خدمة تيسير استثمارات الناس وتمكينهم من النشاطات التجارية، وكذلك تقدم وزارة الأوقاف خدمة الوعظ وإتاحة الصلاة في أماكن طاهرة، إلخ. فكل ما سبق يدعم فكرة زرع المفهوم التسويقي في الجهات الحكومية وأن يكون مغروساً في عقلية الموظف الحكومي أثناء ممارسته لوظيفته. إن آثار إدخال هذا المفهوم للقطاع الحكومي سيغير الكثير من نظرة الجهات الحكومية لما تقدمه للجمهور، فبدلا من أن تكون مجرد مقدمة خدمة روتينية تظل بلا تطوير لسنوات طويلة، وقوانين متأخرة عن سرعة تطور حاجات الناس، ستتحول الجهات إلى متفاعل مع الجمهور يرصد آراءه وملاحظاته ويستمع إلى مقترحاته ويعدل عليها باستمرار، بل يرصد توقعات الجمهور ورغباته في توسيع دائرة الخدمة أو إضافة قيم أخرى للمنتج. وهنا نجد أن التسويق سيربط جميع الإدارات ببعضها بعد أن كانت إدارات معزولة تهتم فقط بتنفيذ إجراءاتها وأن تكون صحيحة بغض النظر عن القيمة التي تقدمها أو تضيفها تلك الإجراءات !! كذلك سيقلل التسويق الكثير من الهدر الحكومي في مصروفاته بسبب تغير نمط تفكير الإدارات المالية من مجرد إدارات للدفع أو إدارات تبحث عن الرخص في مناقصاتها وبالتالي منتج رديء أو جودة منخفضة تتسبب لاحقا بتكاليف إضافية لتصحيح آثار تلك الممارسات المالية الروتينية التي لا تنظر بعين المسوق بل بعين الموظف التقليدي، ولتتحول إلى إدارات للبحث عن أفضل الموردين في الجودة والسعر، وتوازن بين السعر والجودة وفقا لمعايير وأهمية المشروع الذي سيقدم خدماته للجمهور. ولعل قانون رقم (12) لسنة 2020 بتنظيم الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص أكبر مثال على ممارسة روح القطاع الخاص في القطاع العام بكل وسائله وآلياته، ومنها تفعيل مفهوم التسويق في القطاع الخاص، وهذا اعتراف رسمي من القطاع الحكومي بأنه في حاجة إلى آليات القطاع الخاص التسويقية، والتي يبني فيها القطاع العام آلياته وتفكير موظفيه.

إن التحدي الأكبر هو عقلية موظف القطاع العام المبنية على تنفيذ الإجراءات فقط والانفصال التام عن الأهداف العامة للجهة الحكومية، ودليل ذلك كثرة الإستراتيجيات التي تعملها الوزارات ولا يعلم عنها الموظف إلا عنوانها !! وهذا ما تعالجه مفاهيم التسويق من ربط الموظفين بأهداف جهاتهم والتي يبنون عليها ممارساتهم. وفي الختام إن تعزيز أو إدخال مفهوم التسويق للقطاع الحكومي يبدأ من ورش معرفية وتوعوية عامة ومتخصصة لفترة زمنية، وذلك ليتشرب عقل ووعي الموظف الحكومي هذا المفهوم، ومن ثم تقوم الجهة بإعادة صياغة أهدافها وتحديد أدوار موظفيها في المساهمة فيها فعليا، واستبدال رابط الموظف بالمهام برابط الموظف بالأهداف، وهنا نقترب من مفهوم آخر وهو الإدارة بالأهداف التي تتكامل مع التسويق.

مساحة إعلانية