رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

شريف عبد الرحمن سيف النصر

شريف عبد الرحمن سيف النصر

مساحة إعلانية

مقالات

818

شريف عبد الرحمن سيف النصر

الليبرالية الجديدة تسفر عن قبحها

23 سبتمبر 2015 , 03:10ص

تمثل الحملة الهوجاء المعارضة لانتخاب اليساري البريطاني جيرمي كوربن لزعامة حزب العمال فرصة لرؤية الليبرالية الجديدة وأنصارها من أصحاب دعاوى التدخل المحدود للحكومة، أو التدخل لصالح الأغنياء، على حقيقتهم. مع ملاحظة أن هذه الحالة لا تقتصر على بريطانيا فقط، ولكن تمتد على مستوى العالم.

والتيار الذي يتبنى خطاب الليبرالية الجديدة أساسا هو اليمين الجديد أو اليمين المحافظ. ويؤمن هذا التيار بأن الاقتصادات الحرة والأسواق المفتوحة هي الحل لجميع مشاكل العالم، على اعتبار أن المشروع الرأسمالي — وفقا لهم — هو جوهر كل ما هو صالح وجيد في الحياة. والمنظومة التنافسية لا تحقق فقط أعلى قدر من الفاعلية الاقتصادية وإنما هي أيضا الضامن الأساس للحرية الفردية. وقوانين السوق؛ بغض النظر عن مدى الضرر الاجتماعي الذي قد تسببه، هي أقرب شيء إلى قوانين الطبيعة، ومنح الحرية الكاملة لحركة رؤوس الأموال والبضائع والخدمات هي أفضل وسيلة لزيادة النمو الاقتصادي مما سيعود بالنفع على الجميع في نهاية المطاف!

وتتضمن الليبرالية الجديدة أيضا تخفيض الإنفاق العام على الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والرعاية الصحية والمرافق، ولذلك يقف ممثلوا النسخة الأمريكية من هذا التيار بالمرصاد لقانون الرعايا الصحية الذي أصدرته إدارة أوباما، تحت شعار تقليص نفقات الحكومة، وذلك في الوقت نفسه الذي يشجعون فيه منح الإعانات الحكومية والمزايا الضريبية لقطاع الأعمال والاستثمارات الخاصة، فضلاً عن رفع القيود القانونية والبيروقراطية عن كل ما يمكن أن يعوق المستثمرين.

وقد وصلت موجة الليبرالية الجديدة إلى عالمنا العربي خلال التسعينيات، وذاق مرارتها المواطنون من خلال سياسات الخصخصة التي تضمنت بيع الشركات والخدمات التابعة للدولة للمستثمرين. وذلك تحت دعاوى الاستفادة من كفاءة القطاع الخاص، إلا أن الأثر المباشر لمثل هذه المشاريع تمثل على نحو أوضح في تركيز الثروات في أيدي قلة من الناس، وجعل الجماهير تدفع أكثر للحصول على احتياجاتها الأساسية.

ويتلخص المنطق الذي تقوم عليه الليبرالية الجديدة في الزعم بأن مصدر النظام والاستقرار في المجتمع ليس التخطيط الحكومي أو التنظيم الذي تمارسه الدولة، ولكن ذلك التفاعل العفوي غير المتعمد بين الأفراد، الذين يعملون للوفاء بمتطلباتهم الخاصة ودوافعهم الشخصية، ولهذا فإن السوق هو أفضل مجال للتعبير عن هذه الخصائص، على اعتبار أن الأسواق توازن ذاتها في المدى الطويل، فيما يؤدي تدخل الحكومات إلى أخطار كثيرة ليس أقلها الركود والكساد.

وقد أصبح الخطاب الليبرالي الجديد خطابا سائدا عبر العالم، ونجح في الاستحواذ على السلطة أو الإمساك بخناقها في كثير من الدول، لدرجة إنه بات يصبغ حتى اتجاهات من يعرّفون أنفسهم على أنهم من يسار الوسط. وقد تابع العالم كيف واجه اليمين المسيطر على الحكومة في بريطانيا انتخاب كوربين بموجه من التعليقات الراديكالية، ففي سبيل ترسيخ منظومتهم لا يمانع المحافظون من الثورة (وليس المحافظة كما يوحي بذلك اسمهم) على الكثير من الممارسات الديمقراطية، حتى إن رئيس الوزراء البريطاني المحافظ ديفيد كاميرون قد أطلق تغريدة عقب فوز كوربن برئاسة حزب العمال يؤكد فيها أن انتخاب كوربن يجعل من حزب العمال "تهديداً لأمننا الوطني، وأمننا الاقتصادي، وأمن عائلاتنا" في لغة تشبه تلك التي نسمعها في بلادنا من النخب السلطوية المستبدة. وقد بلغ الأمر أن صرح مصدر عسكري بريطاني لجريدة صنداي تايمز بأن الجيش البريطاني قد يتصدى لكوربن في حال قرر الأخير تفعيل برامجه الخاصة بالمؤسسة العسكرية البريطانية (تخفيض ميزانيات التسلح وعدم المشاركة في الحروب الخارجية).

من جانبها فإن الأنظمة العربية الشمولية تفهم الليبرالية الجديدة بطريقتها الخاصة، خصوصا فيما يتعلق بشرط عدم تدخل الدولة في تفاصيل النشاط الاقتصادي، وفي هذا الإطار فإنها تميز بين نوعين من التدخل؛ التدخل غير المرغوب فيه والتدخل المرغوب فيه، فالأول تعكسه سياسات التخطيط الشامل، وهذا ما لا ترغب ولا تنجح فيه الأنظمة الشمولية، أما التدخل الثاني فهو التدخل الذي يؤكد قوة هذه الأنظمة في مواجهة المستثمرين ورجال الأعمال، فرغم أن هذه الانظمة تعمل على ترسيخ سيطرة رأس المال، إلا أنها تظل حريصة على أن تبقى صاحبة السيطرة على مساحات صناعة القانون والتشريع، والإعلام، فضلا عن سيطرتها التقليدية على ادوات وأجهزة ممارسة العنف، بما يضمن أن تكون كفتها دائما هي الراجحة في أي صراع يضعها في مواجهة الرأسماليين.

ومن المعتاد أن تؤدي كوارث الليبرالية الجديدة إلى بوادر تمرد تظهر بين الحين والآخر، حيث يواجه مثل هذا التيار بانتفاضات من قبل الأفراد الذين يضيقون ذرعاً بالطبقة السياسية التي كثيراً ما تضبط متواطئة مع كبار رجال المال والأعمال. وقد تجلى ذلك الضيق منذ فترة غير بعيدة في ظهور حركة Occupy Wall Street المعارضة في الولايات المتحدة، كما تجلى بصورة أوضح في انتخابات حزب العمال الأخيرة في بريطانيا، "حيث وصل معارض يساري، يلخص برنامجه حالة الضيق من الجنوح اليميني للسياسة البريطانية لزعامة أحد أكبر الأحزاب البريطانية". وبالطريقة التي يعرض بها مرشحو اليمين المحافظ أنفسهم في الولايات المتحدة فإنه من المتوقع أن يفشل الجمهوريون مجددا في الوصول إلى البيت الأبيض لصالح مرشح (أو مرشحة) عن الحزب الديمقراطي الأقرب (نظريا) إلى اليسار.

الغريب أن هذه الظاهرة العالمية من التمرد على النخب اليمينية وليبراليتها الجديدة من غير المتوقع أن تمتد إلى عالمنا العربي، فمازالت السلطوية المتحالفة مع المال قادرة على تغييب وعي الشعوب، ومازالت طرائقها في حيازة الشرعية، على بدائيتها وقسوتها، تؤتي ثمارها مع قطاعات واسعة من الجماهير، وذلك رغم فضائح الفساد التي تتورط فيها هذه النخب، والتي تتكشف للعامة بين الحين والآخر، إلا أن غياب قنوات التغيير السلمي من ناحية، وضعف مستوى الوعي الجماهيري من ناحية أخرى يرشحان الوضع القائم — على ما به من سوء— للاستمرار إلا أن يشاء الله بهذه الأمة شيئا.

اقرأ المزيد

alsharq فن التعامل مع العميل الغاضب

في بيئة العمل، نلتقي يومياً بأشخاص يختلفون عنا في أنماطهم وسلوكياتهم وتوقعاتهم. منهم من يمر مرور النسيم؛ هادئاً،... اقرأ المزيد

150

| 17 أكتوبر 2025

alsharq تحقيق الثروة الاقتصادية عن طريق الموارد البشرية

الرضا الوظيفي له دور كبير فى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة وقد يعتقد الكثير من الهيكل الوظيفي المسئول... اقرأ المزيد

210

| 17 أكتوبر 2025

alsharq الجدالات التي تسرق أعمارنا

منذ عشر سنوات، كنت أدخل النقاشات كما يدخل أحدهم في معركة مصيرية. جلسة عائلية تبدأ بسؤال عابر عن... اقرأ المزيد

123

| 17 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية