رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
◄ ما مشروعية وحدود نظر كل من الرجل والمرأة إلى بعضهما عند الشروع فى الزواج؟
► الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد يقول تعالى
" وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ.. "
ويقول سبحانه: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ}، فيه إشارة إلى نظر الإنسان إلى المرأة التي يريد أن يتزوجها فإن أعجبه حسنها ودلها وسمتها فليتزوجها، وقد تعجب المرأة الإنسان ولا تعجب غيره، فالجمال شيء نسبي، ولكل إنسان اختيار معين، فقد يرضيك ما لا يرضي غيرك، ويرضي غيرك ما لا يرضيك. وهذا من محاسن الشريعة العظيمة، فلا يجوز أن يضيق على الإنسان الذي يريد أن يتزوج امرأة بألا ينظر إليها استصحابا للأصل، وإنما يبعث أحداً ليراها بدلاً عنه، إذا تعذر عليه أن يراها، ولربما بعث امرأة لتنظر إلى من يريد أن يتزوج بها؛ فلما رجعت فربما وصفتها له على حسب ما رأتها، فيكتشف عند الدخول بها أنها على خلاف ما وصفت، وقد ذكرنا أن الجمال أمر نسبي متفاوت، لهذا الأولى أن ينظر هو، لأن الناس يختلفون، قد تكون المرأة جميلة عند شخص وغير جميلة عند شخص آخر، الرغبات تختلف والنظر يختلف، ولولا اختلاف النظر لبارت السلع، — كما يقولون — إذا جاز الوصف هنا — والأمر كذلك بالنسبة للمرأة فلها أن تنظر وترى، فإذا تعذر عليها أن تراه فلها أن ترسل رجلاً يتعرف على خطيبها، ويخبرها بصفاته وأخلاقه. بَل هِيَ أَوْلَى مِنْهُ فِي ذَلِكَ لأِنَّهُ يُمْكِنُهُ مُفَارَقَةَ مَنْ لاَ يَرْضَاهَا بِخِلاَفِهَا. والله أعلم"
المرأة يعجبها من الرجل ما يُعجب الرجل منها.
◄ ما الأدلة التي تشهد على أن المرأة يُعجبها من الرجل ما يُعجب الرجل منها؟
► ما لا شك فيه أن المرأة يعجبها من الرجل ما يُعجب الرجل منها وأنها تنظر من الرجل ما ينظر الرجل منها والآية الكريمة الآتية تُظهر أن هذا الحق مشترك بين كل من الرجل والمرأة قال تعالى "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ"
وفى الحَدِيثِ عن ابْنِ عَبَاسٍ — رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا — قَالَ: {إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي" استنادا لهذه الآية الكريمة الآنفة الذكر.
— لما خرج محمد بن الحنفية — رحمه الله — إلى الناس في حلة حمراء أنكروا عليه، فقال: هذا ألقته علىّ أهلي، وإنهن يحببن منا ما نحب منهن.
ولما دخل عثمان — رضي الله عنه — بامرأته، فرأت به منه الشيب، ففطن لها عثمان رضي الله عنه، فقال لها: إنما وراء الشيب ما تحبين. وللنساء في هذا تمييز ونظر وميل إلى الأشب فالأشب؛ لأن نهمتها في الرجال؛ لأنها خلقت من الرجل.
ومن السنة النبوية المطهرة عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ امْرَأةً جَاءَتْ رَسُولَ اللهِ — صلى الله عليه وسلم — فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، جِئْتُ لأهَبَ لَكَ نَفْسِي، فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ — صلى الله عليه وسلم — فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأتِ المَرْأةُ أنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئاً جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أصْحَابِهِ فَقَالَ: أيْ رَسُولَ اللهِ، إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا". متفق عليه
— أخرج الإمام البخاري — رحمه الله — تحت باب النظر إلى المرأة قبل التزويج بسنده إلى عائشة — رضي الله عنها — قالت: قال رسول الله — صلى الله عليه وسلم: "أريتك في المنام يجيء بك الملك في سرقة من حرير، فقال لي: هذه امرأتك، فكشفت عن وجهك الثوب، فإذا أنت هي، فقلت: إن يك هذا من عند الله يُمْضه"
— عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا؟»، قَالَ: لَا، قَالَ: «فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا»
— عَنْ جَابِر، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ المَرأَةَ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا، فَلْيَفْعَلْ». قَالَ جابر: فخطبتُ جَارِيَة، فكنتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا، حَتَّى رَأَيْت مِنْهَا مَا دَعَاني إِلَى نِكَاحهَا فتزوجتُها».
— عن مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةً، قَالَ: خَطَبْتُ امْرَأَةً، فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا، حَتَّى نَظَرْتُ إلَيْهَا فِي نَخْلٍ لَهَا، فَقِيلَ لَهُ: أَتَفْعَلُ هَذَا وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إذَا أَلْقَى اللَّهُ فِي قَلْبِ امْرِئٍ مِنْكُمْ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا"، انْتَهَى، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ
— عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: أَرَادَ الْمُغِيرَةُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً قَالَ: فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا فَتَزَوَّجْتُهَا قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ مُوَافَقَتِهَا" وفى رواية عبد الرزاق ما يشير إلى أنه قد وقع له من أهل من خطبها مثلما وقع للسائل فعن الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ لَهُ امْرَأَةً أَخْطُبُهَا قَالَ: «اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» قَالَ: فَأَتَيْتُ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ فَخَطَبْتُهَا إِلَى أَبَوَيْهَا وَخَبَّرْتُهُمَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَأَنَّمَا كَرِهَا ذَلِكَ، فَسَمِعْتُ تِلْكَ الْمَرْأَةَ وَهِيَ تَقُولُ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَكَ بِذَلِكَ أَنْ تَنْظُرَ فَانْظُرْ، وَإِلَّا فَإِنِّي أَنْشُدَكَ، كَأَنَّهَا أَعْظَمَتْ ذَلِكَ قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا فَتَزَوَّجْتُهَا، فَذَكَرَ مِنْ مُوافَقَتِهَا" وفى رواية سعيد بن منصور ما يشير فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا فَتَزَوَّجْتُهَا، فَمَا نَزَلَتْ مِنِّي امْرَأَةٌ قَطُّ بِمَنْزِلَتِهَا، وَقَدْ تَزَوَّجْتُ سَبْعِينَ امْرَأَةً أَوْ بِضْعَةً وَسَبْعِينَ " فى سنن الترمذي: وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى هَذَا الحَدِيثِ، وَقَالُوا: لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا مَا لَمْ يَرَ مِنْهَا مُحَرَّمًا، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ "، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا»، أي أولى وأجدر أن يجمعَ بينهما ويتفقا على ما فيه صلاحهما، وأكثر ألفة تنسج بينهما، يُقال آدَمَ اللهُ بَيْنَهُمَا، يَعْنُونَ: الزَّوْجَيْنِ، أَيْ: جَعَلَ بَيْنَهُمَا الْمَحَبَّةَ وَالِاتِّفَاقَ، لِأَنَّه إِذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ مَعْرِفَةٍ، لَا يَكُونُ بَعْدَهَا غَالِبًا نَدَامَةٌ. وفى حديث كل من جابر ومحمد بن مسلمة والمغيرة — رضي الله عنهم أجمعين — بيان ما كان عليه نساء الصحابة — رضي الله عنهن — من المبالغة في التستر من الرجال الأجانب، ولهذا لم يتمكن واحد منهم من النظر إلى المخطوبة إلا من طريق الاختباء والاغتفال، وكذلك المغيرة لم يتمكن من النظر إلى مخطوبته إلا بعد إذنها له في النظر إليها" نسأل الله تعالى الهداية لنا ولسائر الأمة المحمدية ذكورها وإناثها والله أعلم".
◄ ما المواضع التى شُرع للرجل أن ينظر إليها من المرأة عند شروعه الزواج منها؟
► ينظر الخاطب إلى وجه المخطوبة وكفيها فقط وإنما خُصَّ الوجه والكفان لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِعَوْرَةٍ فِي حَقِّهِ، ولأنهما مواضع ما يظهر من الزينة المشار إليها في قوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} 1 وهو كذلك قياس على جواز كشفهما في الحج فَيُسْتَدَلُّ بِالْوَجْهِ عَلَى الْجَمَالِ وَضِدِّهِ، وَبِالْكَفَّيْنِ عَلَى سَائِرِ أَعْضَائِهَا بِاللِّينِ وَالْخُشُونَةِ وخصوبة البدن وصحته، ؛، وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31]: إِنَّ ذَلِكَ الْمُسْتَثْنَى هُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنهُ النَّظَر اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَبْعَث اِمْرَأَة يَثِق بِهَا تَنْظُر إِلَيْهَا وَتُخْبِرهُ، وَيَكُون ذَلِكَ قَبْل الْخِطْبَة ولا يجوز أن ينظر لغير ذلك، ويحرم أن يختلي بها البتة، أو يخالطها في سفر أو حضر، لأن الشريعة الإسلامية جعلت هذا كله محظورا، وينبغى أن يخلص النية عند ابتداء النظر ثم يفوض الأمر إلى الله.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1245
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
801
| 10 ديسمبر 2025