رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لا تتورع إسرائيل عن اللجوء إلى كل وسائل الضغط على الفلسطينيين لدفعهم لتقديم المزيد من التنازلات لصالح مشروعها الاستيطاني الاستعماري التوسعي في المنطقة.
وكان آخر تجليات ذلك مصادرة وحبس المستحقات المالية الخاصة بالسلطة الوطنية برئاسة محمود عباس أبو مازن، الناجمة عن عوائد الضرائب والجمارك التي تحصل في المنافذ الإسرائيلية عن المنتجات الفلسطينية، في ظل معادلة تربط بين استمرار تزويد السلطة بالمال، سواء من قبل الدولة العبرية ذاتها أو من الولايات المتحدة، أو من الدول المانحة الأخرى وبين مواصلتها التنسيق الأمني. ولكن يبدو أن الخطوة الإسرائيلية، أدت إلى نتائج عكسية تمثلت في إجبار الفلسطينيين على الرد من زاوية ذات المعادلة التي تقايض الأمن بالمال.. فما دام الأمر "لا مال إذن.. فلا أمن" وعلى الولايات المتحدة والدول المانحة حينها تحمل المسؤولية.
غير أنه ما صدر على صعيد وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل هو مجرد توصية من المجلس المركزي الفلسطيني. صحيح أنها صدرت بالإجماع بدون اعتراض من أي فصيل، ولكن القرار النهائي منوط بالرئيس أبو مازن واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وكلاهما لم يبت فيه حتى الآن بشكل رسمي، ربما ترقبا لمرحلة ما بعد إجراء انتخابات الكنيست الأخيرة التي دفعت بتصدر بنيامين نتنياهو لصدارة المشهد السياسي الإسرائيلي المتطرف في ظل تحالفه مع عتاة المستوطنين والمتطرفين، مما يؤشر إلى أن خط التشدد الإسرائيلي الذي قاده نتنياهو خلال ثلاث دورات، تولى فيها رئاسة الحكومة خلال السنوات الماضية، سيتواصل خلال الدورة الرابعة، وبالتالي فإنه لن يتراجع عن قراره بمصادرة أموال الضرائب والجمارك الفلسطينية، مما يضع السلطة الوطنية في مأزق فائق الضيق، الأمر الذي قد يجعل من تنفيذ قرار وقف التنسيق الأمني خيارا ضروريا في المرحلة القادمة.
ولاشك أن وقف التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال برز في الآونة الأخيرة كمطلب شعبي واسع، فضلاً عن كونه مطلباً لمعظم الكيانات السياسية الفلسطينية، خاصة أنه لم يكن ذا جدوى على صعيد وقف الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين، من قبل الجيش والمستوطنين، كما لم يؤدّ إلى إقناع إسرائيل بجدوى توجه القيادة الفلسطينية نحو التسوية في دولة فلسطينية.
وفي هذه المسألة بالذات، أي مسألة التنسيق الأمني، بدت إسرائيل كأنها تأخذ مكافأة على احتلالها لأراضي الفلسطينيين، والسيطرة على حياتهم، وتنكيد عيشهم، إذ باتت تعيش في واقع من الاحتلال المريح والمربح، من كل النواحي.
وعلى العموم فإن التعاطي مع قضية التنسيق الأمني ليس بيد الفلسطينيين، أي أنه لا يقتصر على ما يريدونه، أو ما يرغبونه، إذ إن إسرائيل هي التي تسيطر على مجمل نواحي الحياة في الأراضي الفلسطينية، وهو ما يعني أن لديها ما تقوله، والأهم ما تفعله، لإجهاض هذه الخطوة، والرد عليها. فهي التي تتحكم بحركة الفلسطينيين بين القرى والمدن، وهي التي تسيطر على المعابر الخارجية، فضلاً عن أنها تسيطر على التجارة وحركة الأموال، وعلى البنى التحتية، إلى درجة أن كل تفصيل يخص حياة كل شخص في الضفة وغزة، يتوقف على قرار إسرائيلي.
وذلك يعني أن ثمنا باهظا ينتظر الفلسطينيين، في حال إقدامهم على تنفيذ قرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير، والسؤال، هل يمكن للعرب أن يوفروا عنصر إسناد حقيقيا لتوفير متطلبات السلطة، التي تواجه بالفعل أزمة مالية شديدة الوطء، منذ مصادرة الدولة العبرية لمستحقاتها من الضرائب والجمارك؟.
ووفقا لما يقوله السفير محمد صبيح الأمين العام المساعد للجامعة العربية لشؤون فلسطين والأراضي المحتلة، وأمين سر المجلس المركزي، والذي شهد اجتماعاته الأخيرة برام الله التي قررت وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، وإحالة القرار إلى القيادة الفلسطينية للبت فيه، لكاتب هذه السطور، فإن السلطة الوطنية تكابد نقصا واضحا في موازنتها بعد خسارتها مبالغ تتراوح بين 120 إلى 140 مليون دولار شهريا هي حصيلة أموال الضرائب والجمارك، وهو ما أدى إلى أن معظم العاملين بمؤسساتها لم يحصلوا على مرتباتهم منذ أكثر من ثلاثة أشهر. وعندما تتحصل على بعض الأموال، فإنه يتم صرف المرتبات في حدود دنيا، خاصة أن الالتزام العربي بتوفير شبكة الأمان التي وافق عليها القادة العرب منذ القمة العربية التي عقدت في بغداد في مارس 2012 بقيمة 100 مليون دولار شهريا ما زال دون المستوى وضعيفا للغاية. ولم يشأ صبيح أن يكشف لي عن أسماء الدول التي لم تدفع مخصصاتها في هذه الشبكة أو الأرقام التي قامت بدفعها الدول القليلة جدا، وهي كلها هشة لا تلبي متطلبات يوم واحد في حياة الفلسطينيين، حيث تتراوح أعداد الموظفين بالجهاز الإداري والحكومي للسلطة الوطنية بين 160 و180 ألف موظف، إضافة إلى 40 ألفا من موظفي سلطة "حماس" في غزة، الذين تطالب الحركة بضمهم إلى مرتبات السلطة، أي أن العبء ثقيل وضخم وقيمة مرتبات هذه الأعداد تستنزف نصف موازنة السلطة التي تصل إلى بليوني دولار شهريا، يأتي أغلبها من الدول المانحة وبالذات الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، فضلا عن مستحقات السلطة لدى إسرائيل من الضرائب والجمارك.
وثمة معضلة إضافية –كما يقول صبيح – تتمثل في إمكانية تنفيذ واشنطن لتهديدات الكونجرس لقطع المساعدات المالية عن السلطة والتي تتجاوز الـ600 مليون دولار سنويا. مما يعني أنها ستواجه كوارث مالية وإنسانية - والكلام لكاتب هذه السطور- وبالتالي فإنه ليس ثمة خيار أمام السلطة سوى البوابة العربية. والتي باتت مطالبة بالإسراع في توفير شبكة الأمان المقررة للسلطة، حتى لا تسقط في براثن الفك الإسرائيلي المفترس والذي سيشهد المزيد من الشراسة بعد عودة نتنياهو إلى السلطة مكللا بفوز مقدر، في الانتخابات الأخيرة، ومدججا بأسلحة الرفض لكل من حل الدولتين، أي أنه ما دام مستمرا في السلطة، فلن تكون ثمة إمكانية لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وبالذات في ظل مواصلة مشروعه الاستيطاني الاستعماري التوسعي، فضلا عن تهديد ائتلافه الحكومي الجديد باللجوء إلى سياسة قطع الرقاب، وتهويد القدس وإخفاء قطاع غزة من الوجود، تهجير فلسطيني ١٩٤٨، ضمن مشروعه بإعلان إسرائيل دولة يهودية كاملة.
والمؤكد أنه لو استمر التقصير العربي في توفير شبكة الأمان العربية للسلطة الفلسطينية، فإن ذلك سيدفع إلى المزيد من العدوانية الإسرائيلية واشتداد الضغوط على الشعب الفلسطيني، مما قد يؤدي إلى تنفيذ أبو مازن لتهديدات سابقة له بحل السلطة الوطنية وهو خيار تخشاه الدولة العبرية بالدرجة الأولى، لأنه سيحملها مسؤولية إدارة الأراضي الخاضعة لاحتلالها في الضفة الغربية وغزة، مما ينطوي على كلفة عالية للغاية بشريا وماليا، رغم بقائها كقوة احتلال في معظم مدن الضفة، على نحو يجرد السلطة الوطنية من الكثير من صلاحياتها. ولكن هذا الخيار سيعيد الفلسطينيين في الوقت ذاته إلى المربع الأول الذي كانوا عليه قبل اتفاقية أوسلو في العام 1993، ومن ثم سيخسر معه الجانب الفلسطيني الكثير مما تحقق على الصعيد السياسي، وبالذات الاعتراف الخارجي الواسع بالدولة الفلسطينية وهو ما يستوجب تحركا عربيا لإعادة الأمور إلى نصابها على الصعيد المالي والاقتصادي، فضلا عن الدعم السياسي لتوجهات السلطة، سواء إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو التقدم بمشروع قرار جديد لمجلس الأمن لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وفق جدول زمني لا يتجاوز عامين.
وثمة آمال قوية، على القمة العربية السادسة والعشرين التي ستحتضنها مدينة شرم الشيخ المصرية يومي السبت والأحد القادمين، لتشكل نقلة نوعية في التعاطي العربي مع مختلف مفردات القضية الفلسطينية، وبالذات في الشق المالي الذي ينقص السلطة والشعب الفلسطيني، فهل تجتاح النخوة العربية قمة العرب في شرم الشيخ لصالح إنقاذ الفلسطينيين من حصار وخناق دولة الاحتلال؟.
كيف يُساهم المجتمع في بناء نفسه؟
اهتمت الدول الغربية بنظام الوقف، وقد ساهم ذلك بفعالية في بناء المجتمع واستقلاله في إدارة شؤونه عن الدولة؛... اقرأ المزيد
99
| 08 ديسمبر 2025
اليوم الوطني.. مسيرة بناء ونهضة
أيام قليلة تفصلنا عن واحدٍ من أجمل أيام قطر، يومٌ تتزيّن فيه الدوحة وكل مدن البلاد بالأعلام والولاء... اقرأ المزيد
195
| 08 ديسمبر 2025
أنصاف مثقفين!
حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة، ولا يطالبك بأن تصفق له. أما نصف المثقف فيقف بينك... اقرأ المزيد
270
| 08 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4158
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1746
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه أكثر مما ينظر إلى ما يملكه. ينشغل الإنسان بأمنياته المؤجلة، وأحلامه البعيدة ينشغل بما ليس في يده، بينما يتجاهل أعظم ما منحه الله إياه وهي موهبته الخاصة. ومثلما سأل الله موسى عليه السلام: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾، فإن السؤال ذاته موجّه لكل إنسان اليوم ولكن بطريقة أخرى: ما هي موهبتك؟ وما عصاك التي بيدك؟ جوهر الفكرة ان لكل إنسان عصا. الفكرة الجوهرية لهذا المفهوم بسيطة وعميقة، لا يوجد شخص خُلق بلا قدرة وبلا موهبة وبلا شيء يتميز به، ولا يوجد إنسان وصل الدنيا فارغ اليدين. كل فرد يحمل (عصاه) الخاصة التي وهبه الله ليتكئ عليها، ويصنع بها أثره. المعلم يحمل معرفته. المثقف يحمل لغته. الطبيب يحمل علمه. الرياضي يحمل قوته. الفنان يحمل إبداعه. والأمثلة لا تنتهي ….. وحتى أبسط الناس يحملون حكمة، أو صبرًا، أو قدرة اجتماعية، أو مهارة عملية قد تغيّر حياة أشخاص آخرين. الموهبة ليست مجرد ميزة… إنها مسؤولية في عالم الإعلام الحديث، تُقدَّم المواهب غالبًا كوسيلة للشهرة أو الدخل المادي، لكن الحقيقة أن الموهبة قبل كل شيء أمانة ومسؤولية. الله لا يمنح إنسانًا قدرة إلا لسبب، ولا يضع في يدك عصا إلا لتفعل بها ما يليق بك وبها. والسؤال هنا: هل نستخدم مواهبنا لصناعة القيمة، وترك الأثر الجميل والمفيد أم نتركها مدفونة ؟ تشير الملاحظات المجتمعية إلى أن عددًا كبيرًا من الناس يهملون مواهبهم لعدة أسباب، وليس ذلك مجرد انطباع؛ فبحسب تقارير عالمية خلال عام 2023 فإن نحو 80% من الأشخاص لا يستخدمون مواهبهم الطبيعية في حياتهم أو أعمالهم، مما يعني أن أغلب البشر يعيشون دون أن يُفعّلوا العصا التي في أيديهم. ولعل أهم أسباب ذلك هو التقليل من قيمة الذات، ومقارنة النفس بالآخرين، والخوف من الفشل، وأحيانا عدم إدراك أن ما يملكه الشخص قد يكون مهمًا له ولغيره، بالإضافة إلى الاعتقاد الخاطئ بأن الموهبة يجب أن تكون شيئًا كبيرًا أو خارقًا. هذه الأسباب تحوّل العصا من أداة قوة… إلى مجرد منحوتة معلقة على جدار الديوان. إن الرسالة التي يقدمها هذا المقال بسيطة ومباشرة، استخدم موهبتك فيما يخدم الناس. ليس المطلوب أن تشق البحر، بل أن تشقّ طريقًا لنفسك أو لغيرك. ليس المطلوب أن تصنع معجزة، بل أن تصنع فارقًا. وما أكثر الفروق الصغيرة التي تُحدث أثرًا طويلًا، تعلُم وتعليم، أو دعم محتاج، خلق فكرة، مشاركة خبرة، حل مشكلة… كلها أعمال نبيلة تُجيب على السؤال الإلهي حين يُسأل الإنسان ماذا فعلت بما أعطيتك ومنحتك؟ عصاك لا تتركها تسقط، ولا تؤجل استخدامها. فقد تكون أنت سبب تغيير في حياة شخص لا تعرفه، وقد تكون موهبتك حلًّا لعُقدة لا يُحلّها أحد سواك. ارفع عصاك اليوم… فقد آن لموهبتك أن تعمل.
1602
| 02 ديسمبر 2025