رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منى الجهني

[email protected] 

مساحة إعلانية

مقالات

204

منى الجهني

غزة بين الخوف والمعنى

22 يوليو 2025 , 02:00ص

 مع كل تصعيد جديد في غزة، يُعاد المشهد نفسه، فلسطينيون محاصرون، معابر مغلقة، إمدادات غذائية موقوفة، واستهداف مباشر لكل مقومات الحياة الأساسية. لكن ما يجري اليوم يتجاوز حدود الحصار التقليدي، ويتخذ شكلًا أكثر خطورة ووضوحًا ازمة مجاعة في شكل تطهير عرقي لأصحاب الأرض.

 ان تكون عالقا قسريا، يعني ان تكون عالقًا في حرب… ذلك يعني أن تكون في غزة فهذا أمر آخر، فإخواننا قد أغلقت كل الأبواب امامهم وهدمت بيوتهم واحلامهم في مدينة محاصرة بالقصف ولا يغادرها الموت هناك.  

ولكن شتان بين أن تكون عالقا في الحرب.. كما أن تكون عالقا في مكان في وظيفة على سبيل المثال أو مدينة أو أي نوع من العلاقات والرفاهيات الأخرى من حولك.

في غزة ان تكون عالقا قسرا لا خيار لك الا أن تكون في لقاء مع الموت كل يوم ان تختنق انفاسك، ويمنع الدخان والركام عينيك عن النور، وتمنع عنك الحياة. المعابر مغلقة وفي سباق مع الحياة.

فيبدأ هؤلاء في إعادة صياغة الكثير من المفاهيم: كالإنجاز يعني أن يوفر قوت يومه وعياله. والنجاح في البقاء حيا في متاهات القصف والقنص. من أجل الشعور بالأمان في هذا اليوم دون فقد أحد أفراد العائلة.

من ناحية أخرى في هذه الاثناء وفي البلدان الأخرى تجد الأشخاص عالقين، ولكن من نوع آخر... في وظيفة لا يحبها أو علاقات لا يميل لها.   

ما الذي يحدث الآن؟ تعد هذه الحرب نقيضا لكل ما هو انساني في ظل هذا الحصار الممنهج وأمام صمت عالمي مطبق ضد أهل غزة.  

  إنها ليست مجرد أزمة إنسانية، بل جريمة ومجزرة بحق الإنسانية. سياسات تجويع ممنهجة تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد شعب أعزل، وفي انتهاك صارخ لكل المواثيق الإنسانية ضد أهل غزة، صغار كبار نساء ورجال لا فرق، المساعدات تُمنع أو تُعطّل عمدًا. وفوق ذلك اغلاق المعابر عن كل المساعدات الإنسانية. الى جانب ذلك ووفق تقارير الأمم المتحدة غزة تعيش في تصنيف مجاعة كارثية، عائلات لا تجد قوت عيالها، أمهات عاجزات عن تقديم الحليب أو حتى رغيف خبز لأطفالهن، مستشفيات بلا خدمات طبية.

غزة ليست فقط جغرافيا محاصرة. إنها كيان إنساني عالق قسرًا في مواجهة مع الموت اليومي، بلا خيار سوى المقاومة من أجل الحياة. 

 حتى البحر، الذي كان ملاذًا لأهل غزة، بات فخا، تُطلق فيه الزوارق الحربية نيرانها على كل منه يقترب منه بحثا عن قوت يومه أو يجد ما يسد جوعه. 

غزة تموت جوعا، مجاعة كارثية وفق معايير الأمم المتحدة الفلسطينيون معرضون للموت جوعا لانعدام الغذاء. حتى سيارات الإسعاف أطلقت صفاراتها بشكل موحد كنداء استغاثة. 

يقول محمود درويش «وحدهم يعودون الى الحياة الذين عرفوا معنى أن يموتوا وهم على قيد الاحياء».

غزة لا تطلب الشفقة، بل العدالة، ولا تحتاج خطبًا، بل مواقف وقرارات توقف الجرائم التي تتم على مرأى كل العالم. إن ما يحدث اليوم ليس فقط مجاعة، بل اختبار أخلاقي للبشرية.

وخاتمة القول، حين نشتكي من ان نكون عالقين في امر ما بشكل اختياري، لابد أن نتذكر غزة واهلها. لإعادة ترتيب اولوياتنا في هذه الحياة. ففي غزة، المعنى لا يُصاغ بالكلام انما بالدم، والروح، والبقاء على قيد الكرامة. وهناك، وحدها الحقيقة تبقى، حين تُزاح الأقنعة، ويسقط العالم في اختبار الإنسانية. غزة، رغم أنها عالقة في حرب، إلا أنها تظل أمّ البدايات التي تُخيف كل النهايات. وهنا تعرف ماذا يعني ان تكون عالقا بين الخوف والمعنى؟ اللهم اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف. كل هذا وبيني وبينكم..

مساحة إعلانية