رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لا تفعل الهجمات الإسرائيلية الحالية ضد قطاع غزة أكثر من أنها تؤكد صورة إسرائيل ككيان معتد لا يمكن التعايش الآمن معه في إطار أي صيغة إقليمية مستقرة. فهذا الكيان لا يتورع من أجل مصالحه السياسية المحدودة عن أن يستهدف المدنيين العزل بقذائفه، بل هو حتى لا يتورع عن المتاجرة بأرواح مواطنيه، فهو يعرضهم لضربات المقاومة الانتقامية، لا لشيء إلا لكي يضمن للحكومة القائمة حاليا النجاح في الانتخابات القادمة بوصفها حامية حمى إسرائيل كما تدعي وتروج في دعايتها الكاذبة.
ورغم فداحة العدوان إلا أنه يمكن استثماره على المستوى الشعبي وعلى المستوى الرسمي، فشعبيا يمكن للجماهير العربية والإسلامية أن تستغل هذا العدوان لإيصال رسالة واضحة للإدارة الأمريكية مفادها أن إسرائيل من خلال مغامراتها الإقليمية الحمقاء لن تكون رصيدا استراتيجيا للولايات المتحدة وإنما ستمثل عبئا يهدد استمرار واستقرار مصالحها في المنطقة، وفي هذا الإطار لا بأس من أن تستدعي الجماهير حالة استنفار شبيهة بتلك التي صاحبت أزمة الفيلم المسيء. فإذا كانت الجماهير الغاضبة قد وجدت ما يربط بين الإدارة الأمريكية وبين إنتاج فيلم رديء صور على أراضيها، فبالأحرى أن تجد ما يربط بين السيناريو الوقح الذي تنفذه الحكومة الإسرائيلية وبين الإدارة الأمريكية التي تجد دوما مبررات للعدوان الذي تمارسه حليفتها. بل إنه يمكن القول إن الرابطة التي تربط بين الاثنين أوضح بكثير في حالة الأزمة الأخيرة، فإسرائيل إنما تعول في عدوانها على الدعمين المادي والمعنوي الذي تتلقاه من الإدارة الأمريكية.
من ناحية أخرى تعد الأحداث الجارية فرصة أمام أنظمة الربيع العربي وفي مقدمتها النظام المصري لكي تظهر استقلالا أكبر في تحركاتها الخارجية وفي تعبيرها عن مصالحها الإقليمية عن الولايات المتحدة. وذلك بتوقف هذه الأنظمة عن لعب دور الوكيل عن المصالح الأمريكية في المنطقة. ويتطلب هذا أن تتغلب الأنظمة المنتخبة على إغواء "الصداقة الأمريكية" الذي يسيطر على القادة في مثل هذه الظروف، فقد تناقلت وسائل الإعلام في الفترة الماضية الطلبات الحارة الموجهة للنظام المصري، بوصفه الصديق الأمريكي المخلص، لكي يستخدم نفوذه لوقف العنف، صحيح أن هذا الطلب الأمريكي يبث في النظام المصري ثقة يحتاجها في المرحلة الحالية، ولكن هذه الثقة لا ينبغي أن تتقدم على المطالب الشعبية التي تريد منه أن يعكس أهداف الثورة ومنها استقلال القرار الوطني وتعرية العدوان الإسرائيلي.
لقد حور البعض الاسم الذي أطلقته إسرائيل على عمليتها العدوانية على قطاع غزة من "عمود السحاب" إلى عمود الأزمات، وهذا ما يجب أن يسعى التحرك السياسي والشعبي العربي والإسلامي إلى تأكيده، فالعدوان الإسرائيلي ضد الأراضي الفلسطينية لا ينبغي أن يمر هذه المرة مرور الكرام، وإنما ينبغي أن تتبلور نتائجه السلبية على شكل أزمات تتحملها النخبة الإسرائيلية، وأبسط مظاهر ذلك أن يتسبب هذا العدوان في عرقلة الطموحات الانتخابية لحكومة نتنياهو، كما يجب أن يكون من ثمرات ذلك تعميق هوة الخلاف بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، بإشعار الإدارة الأمريكية بشكل أو بآخر أن دعمها غير المحدود وغير العقلاني لإسرائيل سوف يسفر عن نتائج سلبية على مصالحها الأكيدة في المنطقة.
صحيح أن الانحياز الأمريكي للمصالح الإسرائيلية ليس مبنيا على اعتبارات منطقية يمكن تحديها أو إظهار عوارها بسهولة، ولكن حكومة نتنياهو قد ذهبت في لاعقلانيتها شوطا أبعد مما تستطيع الإدارة الأمريكية الحالية أن تبرره لناخبيها، فالإسرائيليون يظهرون حاليا وكأنهم ضد كل الجميع، فهم يعرقلون نهج التسوية الذي تتبناه السلطة الفلسطينية ويعارضون سعيها الحصول على اعتراف دولي من خلال الأمم المتحدة، كما أنهم في الوقت نفسه لا يستطيعون أن يحترموا التهدئة التي عقدوها مع الطرف الآخر من المشهد الفلسطيني ممثلا في حكومة حماس في القطاع.
ولهذا فإن الفرصة مواتية على نحو أكبر هذه المرة لفضح الممارسات الإسرائيلية، خاصة أن الطرف الإسرائيلي قد بدأ تصعيدا لا يعرف كيف ينهيه، فالضربات الإسرائيلية لن تنجح في كسر إرادة الفلسطينيين ولن توقف صواريخ المقاومة، كما أن اغتيال القادة الميدانيين والزعماء السياسيين لن ينهي مشاكل دولة الاحتلال، فعناصر المقاومة قادرة على إحلال قيادات جديدة وشابة محل القيادات المستهدفة في كل مرة. أما خيار إعادة احتلال غزة فلا يمكن لنتنياهو أن يفكر فيه، وهو يعرف تبعاته التي لن تقل عن الإطاحة به خارج المشهد السياسي إلى الأبد.
من ناحية أخرى فإن تمدد ظاهرة الربيع العربي، وتحول الأنظمة السياسية العربية إلى الطابع المدني في كل من مصر وتونس وليبيا واليمن يزيد من عزلة إسرائيل التي أدمنت السلوك العسكري والحلول المسلحة الأمر الذي يجردها من مزاعمها التي كانت تتشدق بها من كونها واحة الديمقراطية الوحيدة في وسط محيط من الاستبداد العربي. الأحداث الراهنة تذهب بهذه الفرضية إلى عكس مدلولها تماماً، حيث تبدو إسرائيل كطرف شاذ يسعى للعنف ويحسم خلافاته بالقوة، في وسط محيط عربي ينحو ناحية التحرر من الاستبداد.
الأمر المهم أن يتمتع هذا المحيط العربي الرسمي والشعبي بالفاعلية التي تمكنه من أن يردع هذا العدوان الإسرائيلي، وأن يخرج إسرائيل هذه المرة بهزيمة سياسية تحول بينها وبين التفكير في مغامرة شبيهة في المستقبل.
لا تفعل الهجمات الإسرائيلية الحالية ضد قطاع غزة أكثر من أنها تؤكد صورة إسرائيل ككيان معتد لا يمكن التعايش الآمن معه في إطار أي صيغة إقليمية مستقرة. فهذا الكيان لا يتورع من أجل مصالحه السياسية المحدودة عن أن يستهدف المدنيين العزل بقذائفه، بل هو حتى لا يتورع عن المتاجرة بأرواح مواطنيه، فهو يعرضهم لضربات المقاومة الانتقامية، لا لشيء إلا لكي يضمن للحكومة القائمة حاليا النجاح في الانتخابات القادمة بوصفها حامية حمى إسرائيل كما تدعي وتروج في دعايتها الكاذبة.
ورغم فداحة العدوان إلا أنه يمكن استثماره على المستوى الشعبي وعلى المستوى الرسمي، فشعبيا يمكن للجماهير العربية والإسلامية أن تستغل هذا العدوان لإيصال رسالة واضحة للإدارة الأمريكية مفادها أن إسرائيل من خلال مغامراتها الإقليمية الحمقاء لن تكون رصيدا استراتيجيا للولايات المتحدة وإنما ستمثل عبئا يهدد استمرار واستقرار مصالحها في المنطقة، وفي هذا الإطار لا بأس من أن تستدعي الجماهير حالة استنفار شبيهة بتلك التي صاحبت أزمة الفيلم المسيء. فإذا كانت الجماهير الغاضبة قد وجدت ما يربط بين الإدارة الأمريكية وبين إنتاج فيلم رديء صور على أراضيها، فبالأحرى أن تجد ما يربط بين السيناريو الوقح الذي تنفذه الحكومة الإسرائيلية وبين الإدارة الأمريكية التي تجد دوما مبررات للعدوان الذي تمارسه حليفتها. بل إنه يمكن القول إن الرابطة التي تربط بين الاثنين أوضح بكثير في حالة الأزمة الأخيرة، فإسرائيل إنما تعول في عدوانها على الدعمين المادي والمعنوي الذي تتلقاه من الإدارة الأمريكية.
من ناحية أخرى تعد الأحداث الجارية فرصة أمام أنظمة الربيع العربي وفي مقدمتها النظام المصري لكي تظهر استقلالا أكبر في تحركاتها الخارجية وفي تعبيرها عن مصالحها الإقليمية عن الولايات المتحدة. وذلك بتوقف هذه الأنظمة عن لعب دور الوكيل عن المصالح الأمريكية في المنطقة. ويتطلب هذا أن تتغلب الأنظمة المنتخبة على إغواء "الصداقة الأمريكية" الذي يسيطر على القادة في مثل هذه الظروف، فقد تناقلت وسائل الإعلام في الفترة الماضية الطلبات الحارة الموجهة للنظام المصري، بوصفه الصديق الأمريكي المخلص، لكي يستخدم نفوذه لوقف العنف، صحيح أن هذا الطلب الأمريكي يبث في النظام المصري ثقة يحتاجها في المرحلة الحالية، ولكن هذه الثقة لا ينبغي أن تتقدم على المطالب الشعبية التي تريد منه أن يعكس أهداف الثورة ومنها استقلال القرار الوطني وتعرية العدوان الإسرائيلي.
لقد حور البعض الاسم الذي أطلقته إسرائيل على عمليتها العدوانية على قطاع غزة من "عمود السحاب" إلى عمود الأزمات، وهذا ما يجب أن يسعى التحرك السياسي والشعبي العربي والإسلامي إلى تأكيده، فالعدوان الإسرائيلي ضد الأراضي الفلسطينية لا ينبغي أن يمر هذه المرة مرور الكرام، وإنما ينبغي أن تتبلور نتائجه السلبية على شكل أزمات تتحملها النخبة الإسرائيلية، وأبسط مظاهر ذلك أن يتسبب هذا العدوان في عرقلة الطموحات الانتخابية لحكومة نتنياهو، كما يجب أن يكون من ثمرات ذلك تعميق هوة الخلاف بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، بإشعار الإدارة الأمريكية بشكل أو بآخر أن دعمها غير المحدود وغير العقلاني لإسرائيل سوف يسفر عن نتائج سلبية على مصالحها الأكيدة في المنطقة.
صحيح أن الانحياز الأمريكي للمصالح الإسرائيلية ليس مبنيا على اعتبارات منطقية يمكن تحديها أو إظهار عوارها بسهولة، ولكن حكومة نتنياهو قد ذهبت في لاعقلانيتها شوطا أبعد مما تستطيع الإدارة الأمريكية الحالية أن تبرره لناخبيها، فالإسرائيليون يظهرون حاليا وكأنهم ضد كل الجميع، فهم يعرقلون نهج التسوية الذي تتبناه السلطة الفلسطينية ويعارضون سعيها الحصول على اعتراف دولي من خلال الأمم المتحدة، كما أنهم في الوقت نفسه لا يستطيعون أن يحترموا التهدئة التي عقدوها مع الطرف الآخر من المشهد الفلسطيني ممثلا في حكومة حماس في القطاع.
ولهذا فإن الفرصة مواتية على نحو أكبر هذه المرة لفضح الممارسات الإسرائيلية، خاصة أن الطرف الإسرائيلي قد بدأ تصعيدا لا يعرف كيف ينهيه، فالضربات الإسرائيلية لن تنجح في كسر إرادة الفلسطينيين ولن توقف صواريخ المقاومة، كما أن اغتيال القادة الميدانيين والزعماء السياسيين لن ينهي مشاكل دولة الاحتلال، فعناصر المقاومة قادرة على إحلال قيادات جديدة وشابة محل القيادات المستهدفة في كل مرة. أما خيار إعادة احتلال غزة فلا يمكن لنتنياهو أن يفكر فيه، وهو يعرف تبعاته التي لن تقل عن الإطاحة به خارج المشهد السياسي إلى الأبد.
من ناحية أخرى فإن تمدد ظاهرة الربيع العربي، وتحول الأنظمة السياسية العربية إلى الطابع المدني في كل من مصر وتونس وليبيا واليمن يزيد من عزلة إسرائيل التي أدمنت السلوك العسكري والحلول المسلحة الأمر الذي يجردها من مزاعمها التي كانت تتشدق بها من كونها واحة الديمقراطية الوحيدة في وسط محيط من الاستبداد العربي. الأحداث الراهنة تذهب بهذه الفرضية إلى عكس مدلولها تماماً، حيث تبدو إسرائيل كطرف شاذ يسعى للعنف ويحسم خلافاته بالقوة، في وسط محيط عربي ينحو ناحية التحرر من الاستبداد.
الأمر المهم أن يتمتع هذا المحيط العربي الرسمي والشعبي بالفاعلية التي تمكنه من أن يردع هذا العدوان الإسرائيلي، وأن يخرج إسرائيل هذه المرة بهزيمة سياسية تحول بينها وبين التفكير في مغامرة شبيهة في المستقبل.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6540
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6423
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع في القلب وجعًا عميقًا يصعب نسيانه.. في الجولة الثالثة من دوري أبطال آسيا للنخبة، كانت الصفعة مدوية! الغرافة تلقى هزيمة ثقيلة برباعية أمام الأهلي السعودي، دون أي رد فعل يُذكر. ثم جاء الدور على الدحيل، الذي سقط أمام الوحدة الإماراتي بنتيجة ٣-١، ليظهر الفريق وكأنه تائه، بلا هوية. وأخيرًا، السد ينهار أمام الهلال السعودي بنفس النتيجة، في مشهد يوجع القلب قبل العين. الأداء كان مخيبًا بكل ما تحمله الكلمة من وجع. لا روح، لا قتال، لا التزام داخل المستطيل الأخضر. اللاعبون المحترفون الذين تُصرف عليهم الملايين كانوا مجرد ظلال تتحرك بلا هدف و لا حس، ولا بصمة، ولا وعي! أما الأجهزة الفنية، فبدت عاجزة عن قراءة مجريات المباريات أو توظيف اللاعبين بما يناسب قدراتهم. لاعبون يملكون قدرات هائلة ولكن يُزج بهم في أدوار تُطفئ طاقتهم وتشل حركتهم داخل المستطيل الأخضر، وكأنهم لا يُعرفون إلا بالاسم فقط، أما الموهبة فمدفونة تحت قرارات فنية عقيمة. ما جرى لا يُحتمل. نحن لا نتحدث عن مباراة أو جولة، بل عن انهيار في الروح، وتلاشي في الغيرة، وكأن القميص لم يعد له وزن ولا معنى. كم كنا ننتظر من لاعبينا أن يقاتلوا، أن يردّوا الاعتبار، أن يُسكتوا كل من شكك فيهم، لكنهم خذلونا، بصمت قاسٍ وأداء بارد لا يشبه ألوان الوطن. نملك أدوات النجاح: المواهب موجودة، البنية التحتية متقدمة، والدعم لا حدود له. ما ينقصنا هو استحضار الوعي بالمسؤولية، الالتزام الكامل، والقدرة على التكيّف الذهني والبدني مع حجم التحديات. نحن لا نفقد الأمل، بل نطالب بأن نرى بشكل مختلف، أن يعود اللاعبون إلى جوهرهم الحقيقي، ويستشعروا معنى التمثيل القاري بما يحمله من شرف وواجب. لا نحتاج استعراضًا، بل احترافًا ناضجًا يليق باسم قطر، وبثقافة رياضية تعرف كيف تنهض من العثرات لتعود أقوى. آخر الكلام: هذه الجولة ليست سوى بداية لإشراقة جديدة، وحان الوقت لنصنع مجدًا يستحقه وطننا، ويظل محفورًا في ذاكرته للأجيال القادمة.
3126
| 23 أكتوبر 2025