رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الحمد لك يا رب.. فالمسافة بين «اعتبار حماس حيوانات بشرية» بالأمس وبين تصريح (هاغاري) الناطق الرسمي باسم جيش الاحتلال اليوم بأن «حماس سكنت قلوب المسلمين ولن نهزمها» هي مسافة سنوات ضوئية في زمن قصير، لأن الإعلام المحتل انهزم في معركة التدليس ونجح الإعلام الصادق في توضيح الحقائق ودحض الباطل، ونرى اليوم «مخاوف في أوساط الاحتلال من خسارة معركة الإعلام التي تنفق فيها إسرائيل المليارات سنويا»، بهذا العنوان بدأ حوار في قناة 12 حول الحرب النفسية الإسرائيلية لتشويه المقاومة الفلسطينية وإحباط جهود الدول المناصرة لحماس وبث البلبلة في صفوف الرأي العام الغربي وهذه المليارات تضاف إلى المليارات المخصصة لشراء الطائرات والأسلحة القتالية، وأغلبها تموله خزينة الشعب الأمريكي والأوروبي وهي مبالغ طائلة تكرسها دولة الاحتلال لما تسميه الاستثمار في معركة المعلومات والوعي في الجامعات العالمية منذ ثورة جامعة كولمبيا وموجة الجامعات الغربية اعتقادا من منظري الاحتلال أن هذا هو المكان الذي يتواجد فيه الجيل الذي سيكبر ويقرر ما إذا كانت الولايات المتحدة ستستمر في بيع الأسلحة للاحتلال ودعمه أم لا! وحول هذا الفشل وجهت (غئولا بن ساعر) الإعلامية الإسرائيلية البارزة انتقادا حادا إلى حكومة الاحتلال بالقول إنه «في بداية الحرب على غزة، أبلغ ممثلو وزارة الخارجية لجنة الخارجية والأمن بالكنيست أن الوزارة ستغلق جميع الأنشطة الدعائية بسبب استنفاد ميزانية عام 2023 ولذلك سيستمرون في العمل الدعائي على تويتر فقط، وحين سأل رئيس اللجنة عضو الكنيست (زئيف إلكين) كم من المال نحتاج لمواصلة النشاط الدعائي؟ جاء الجواب: 10 ملايين شيكل والنتيجة أن عواقب معاداة الرأي العام الدولي لإسرائيل ستكون كارثية وستزداد كراهية الناس في الغرب ليهود العالم، وأوضحت أنه «بعد أن شهد العام 2024 تمدد الحرب على غزة وبعد أن علمنا أنه يتعين علينا الاستثمار في الدعاية فقد تم تخصيص فقط 400 مليون شيكل لهذا العام بما يزيد قليلا على 100 مليون دولار مع أننا نشنّ كل يوم حرباً دعائية بينما تستثمر القوى المعادية لنا المليارات ضدنا منذ سنوات وتستثمر هذه الأموال بحكمة لاسيما إيران وقطر.
وذكرت أنه «لا منطق من بعض المطالبات الإسرائيلية بأن يواصل أولئك النشطاء العمل متطوعين من أجل مناصرة الدولة، لأنهم مع مرور الوقت سيدفعون ذلك من جيوبهم الخاصة لأن المشكلة الحقيقية في مروّجي الدعاية المعادية للاحتلال باتت في الاستثمار المالي الكبير الذي يساهم فيه المدافعون عن فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن أرضه المحتلة ثم بناء دولته المستقلة وهؤلاء تقودهم دولة قطر بدعمها الدبلوماسي ووساطتها الناجعة وقنوات الجزيرة الخمس. وبفضل هذه الجهود ظهر جيل جديد من النخبة المناهضة للاحتلال في الجامعات الأمريكية وفي غضون خمس سنوات قادمة سيكون هؤلاء الطلاب والطالبات الذين يعتصمون اليوم في جامعاتهم بعد تخرجهم بشهادات عليا حشودًا في الكونغرس أو مساعدين بوزارتي الخارجية والدفاع ويحولون وجهة السياسة الأمريكية نحو مواقف مختلفة معادية لنا لا يتوقعها اليوم بنيامين نتنياهو ومؤيدوه في حربه المكلفة والخاسرة! وكما نرى تتزايد الانتقادات الموجهة للاحتلال بسبب إهماله لساحة الدعاية الإعلامية التي ربحتها دولة قطر بسبب وقوفها الى جانب الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة فقد كشفت استطلاعات الرأي العام الأمريكي في مركز (غالوب) في شهر مايو 2024 أن 57 % فقط من المواطنين الأمريكان يؤيدون «إسرائيل» مقابل 85 % سنة 2020 وأن نسبة كبيرة منهم ليس لهم موقف محدد وينتظرون كيف ومتى ستنتهي حرب نتنياهو على غزة؟ وهناك جيل أمريكي جديد نشأ في أجواء معادية لنا، وعن التحول العميق في الرأي العام الدولي كتب المفكر التونسي (البحري العرفاوي) يقول: «والسؤال حول «الأمة» يُطرَحُ اليوم بأكثر جدية بعد السابع من أكتوبر 2023، حيث فجّرت «طوفانُ الأقصى» النظامَ العالميَّ برمّته وأصبحت غزة صانعةً للمشهد العالمي وكاشفة لزيف فلسفة الغرب حول حقوق الإنسان وحول الكونية والتمدن والحداثة لقد تحول شهداءُ غزة إلى رُسُلٍ تطوف أرواحُهم بكبرى مدن العالم وأرقى الجامعات الغربية فإذا بالشباب الطلابي يثور على صنّاع السياسات في تلك الدول وإذا بالأعلام الفلسطينية وبالكوفية في كل أنحاء العالم كما لو أن آلاف شهداء غزة هم الذين يُحرّكون سواكن العالم يُزعجونه بالأسئلة ويستثيرون ضميره النائم، لقد تحولت غزة «المُدَمّرة» إلى أرقى مدرسة عالمية لتعليم فلسفة الحياة ومعنى الإنسان وقيم الجمال والمحبة وفضيلة الشجاعة والصبر والتضحية».
ونسجل هذه التحولات في صلب القمم المؤثرة وآخرها قمة مجموعة السبع الأقوى التي انعقدت في إيطاليا في نفس شهر يونيو 2024 حيث قام رئيس البرازيل (لولا دا سيلفا) في كلمة ألقاها في المجتمعين ليقول إن ما تسمونه بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ما هو سوى حق الانتقام من أطفال غزة ونسائها وأبريائها المدنيين وهو ما يشكل أخطر مروق عن القانون الدولي وأخلاق الحرب. وهنا اعتراف عديد الإسرائيليين بفشل أجهزة لوبياتهم القوية في تجنيد الرأي العام العالمي لمساندة دولتهم وتمرير عدوانها على الناس بكونه «دفاعا مشروعا عن أمنها» ثم إشاعة تهمة «معاداة السامية» وإلصاقها بكل من يندد بممارسات نتنياهو المارقة عن القانون الدولي فاصطدمت هذه الألاعيب بحقيقة دامغة وهي أن عديد المنددين بإسرائيل هم يهود وساميون لكن قراءتهم لتوراتهم تختلف عن بروتوكولات صهيون وتدعوهم للتعايش مع العرب والمسلمين مثلما تعايش العرب والمسلمون مع اليهود بسلام طيلة تاريخهم المشترك. كتب يوم الثلاثاء الماضي (توماس فريدمان) يقول: «حان الوقت ليفرض بايدن على نتنياهو وقف حرب الإبادة حتى لا تسقط المنطقة كلها في حرب مدمرة».
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
7899
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
6750
| 14 أكتوبر 2025
منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر الموظفون والمتقاعدون في قطر بمرحلة جديدة من العدالة الاجتماعية والتقدير العملي لعطاءاتهم الطويلة. فقد نصت المادة (31) من القانون على أن الموظف الذي أكمل أكثر من ثلاثين سنة في الخدمة يستحق مكافأة عن السنوات الزائدة، وهو ما اعتُبر نقلة نوعية في التشريعات، ورسالة وفاء وعرفان من الدولة لأبنائها الذين أفنوا أعمارهم في خدمة مؤسساتها. غير أن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً، إذ جاءت اللائحة التنفيذية لتضع قيداً لم يرد في النص الأصلي، حيث حصرت استحقاق مكافأة السنوات الزائدة فيمن تجاوزت خدمته الثلاثين سنة ابتداءً من عام 2023 فقط، متجاهلة بذلك آلاف المتقاعدين الذين أنهوا خدماتهم الطويلة قبل هذا التاريخ. هذا التفسير الضيّق أثار جدلاً واسعاً بين القانونيين والمتقاعدين، لأنه خالف صراحة روح المادة (31) وأفرغها من مضمونها العادل. النص التشريعي والغاية المقصودة: لا جدال في أن المشرّع حين أقر المادة (31) كان يبتغي تحقيق مبدأ المساواة والعدل بين كل من خدم الوطن أكثر من ثلاثين عاماً، دون التفريق بين من انتهت خدمته قبل أو بعد 2023. فالقانون قاعدة عامة مجردة، ومقاصده تتجاوز اللحظة الزمنية لتغطي جميع الحالات المماثلة. فإذا جاء النص واضحاً في تقرير الاستحقاق، فإن أي تفسير لاحق يجب أن يكون شارحاً ومكملاً، لا مقيّداً أو مفرغاً من المضمون. إن حصر المكافأة بفئة زمنية محددة يتنافى مع المبادئ العامة للتشريع، ويجعل القانون غير منصف في تطبيقه. فالذين تقاعدوا قبل 2023 قدّموا جهدهم وعرقهم طوال عقود، ومن غير المنطقي أن يُحرموا من حق أثبته النص لمجرد أن توقيت تقاعدهم سبق صدور القانون الجديد. أثر التمييز الزمني على المتقاعدين: إن استبعاد فئة كبيرة من المتقاعدين من حق المكافأة يخلق شعوراً بالغبن واللامساواة، ويؤدي إلى اهتزاز الثقة في العدالة التشريعية. هؤلاء المتقاعدون خدموا في الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة، وأسهموا في بناء نهضة الدولة منذ بداياتها، وتحملوا ظروف العمل في فترات صعبة لم تكن فيها الامتيازات والرواتب كما هي اليوم. إن تجاهل هذه الفئة يرسل رسالة سلبية مفادها أن جهد العقود الطويلة يمكن أن يُطوى بجرة قلم، وأن التقدير مرهون بتاريخ تقاعد لا بعطاء حقيقي. وهذا يتناقض مع قيم الوفاء والعرفان التي اعتادت الدولة على إظهارها لأبنائها. الحديث عن مكافأة السنوات الزائدة ليس مجرد نقاش مالي أو قانوني، بل هو في جوهره قضية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية. فالمكافأة تمثل تقديراً رمزياً لمشوار طويل من الخدمة، وتساهم في تحسين أوضاع المتقاعدين الذين يواجهون أعباء الحياة المتزايدة بعد انتهاء عملهم. ومن هنا فإن إعادة النظر في تفسير المادة (31) ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو استجابة طبيعية لقيم العدالة التي تميز نظامنا القانوني والإداري. الحق لا يسقط بالتقادم: ومن المهم التأكيد على أن الحق لا يسقط بالتقادم، خاصة إذا كان مرتبطاً بسنوات خدمة طويلة بذل فيها المواطن جهده وطاقته في سبيل وطنه. إن مكافأة السنوات الزائدة تظل حقاً أصيلاً لصاحبها، يحق له المطالبة به ولو بعد حين، ما دام القانون قد أقرّه صراحة في نصوصه. إن محاولة إسقاط هذا الحق بمرور الزمن أو تقييده بتاريخ صدور اللائحة التنفيذية أمر يتعارض مع المبادئ القانونية الراسخة ومع قواعد العدالة والإنصاف. المقارنة بتجارب خليجية سابقة: من المفيد أن نشير إلى أن دولاً خليجية أخرى اعتمدت أنظمة تقاعدية أكثر مرونة في هذا الجانب، حيث شملت مكافآت أو بدلات السنوات الزائدة جميع المتقاعدين دون تمييز زمني، إيماناً منها بأن العطاء لا يُقاس بتاريخ انتهاء الخدمة بل بعدد السنوات التي قضاها الموظف في خدمة وطنه. هذا يعكس أن المبدأ ليس غريباً أو صعب التطبيق، بل هو إجراء ممكن وواقعي أثبت نجاحه في بيئات مشابهة. المطلوب هو أن تشمل مكافأة السنوات الزائدة جميع من تجاوز ثلاثين عاماً خدمة، سواء تقاعد قبل 2023 أو بعده. فذلك هو التطبيق الأمثل لروح القانون، والتجسيد الحقيقي للعدل، والضمانة لردّ الاعتبار لمن حُرموا من حقهم رغم استحقاقهم. إن مكافأة السنوات الزائدة ليست ترفاً ولا منحة عابرة، بل هي استحقاق مشروع وواجب وطني في حق كل من خدم الدولة أكثر من ثلاثة عقود. تجاهل هذا الاستحقاق يفتح باب التمييز ويضعف الثقة في التشريع، بينما إنصاف المتقاعدين يرسخ مبادئ العدالة ويؤكد أن الدولة لا تنسى أبناءها الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية البناء والتطوير. وليطمئن كل متقاعد أن عطاءه محفوظ في سجل الوفاء الوطني، وأن سنوات الخدمة الزائدة لن تضيع هدراً، بل ستُكافأ بالعدل والإنصاف.
3465
| 12 أكتوبر 2025