رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كان تحرك القائد العسكري الشرس نيكلسون على رأس قواته من بيشاور عشية انطلاق الثورة، قد استغرق شهرين تقريباً ليصل إلى دلهي. ارتبط اسم نيكلسون بالشراسة والبطش، وحين وصلت قواته، كانت الثورة في نفسها الأخير، لاسيما بعد أن نفد المال والسلاح عنها، ولم تُجدِ محاولات صرف المرابين والأغنياء عن التوقف عن دعمها. بدأ الانتقام الوحشي للقوات البريطانية من دلهي، ووثقته كثير من مذكرات الضباط البريطانيين، فطالت الشهادات قتل النساء والأطفال والحيوانات، بشكل وحشي. وصلت حالات القتل إلى ما يربو على عشرة آلاف شخص. وكتب أحد البريطانيين الذين عاصروا تلك المرحلة في مذكراته: «ببساطة لا أستطيع اعتبار هؤلاء السيبويين من البشر، إنهم مجرد زواحف تستحق القتل» وأشارت إلى هذه الحقائق مجلة نيودلهي جازيت إكسترا في افتتاحيتها الصادرة من لاهور: «جيشنا غاضب إلى درجة الجنون تقريباً، مما رأوه من وحشية المتمردين.)
كان المجاهدون وقوات السيبويين تتحصن في دلهي، بانتظار معركة شوارع تخوضها ضد القوات البريطانية، وحين بدأ الهجوم على المدينة، حقق البريطانيون في البداية، بعض النجاح، ليفاجأوا بتكتيكات المجاهدين داخل المدينة التي باتت محاصرة. تميزت التكتيكات بقوة نيران المتحصنين، وإنزالهم خسائر مخيفة في صفوف القوات البريطانية، والتي فقدت قائد الهجوم المتغطرس نيكلسون، والذي تُرك في أرض المعركة ينزف، ليموت لاحقاً دون أن يُسعفه أحد إلى المشفى الميداني، على الرغم من مناشداته المتكررة، وكتب أحد ضباط المعركة وهو هودسون لزوجته يصف المشهد: ( لأول مرة في حياتي أرى جنود الانجليز يرفضون الانصياع لأوامر ضباطهم، وقد اعتلت أرواحهم حالة من الإحباط التام، بسبب العمل الشاق، وكثرة ما احتسوه من الخمور.)، ووصف هودسون نائب قائد المعركة ويلسون بالقول: ( ويلسون محطم إلى حد ما، بسبب الإرهاق والقلق، حتى قدماه لا تقويان على حمله.)
ويصف أحد المحاصرين البريطانيين في داخل دلهي قوات المجاهدين التي كانت تقاتل ببسالة ورجولة بأن ( هؤلاء المجاهدين من نسل الشياطين والمتعصبين.) لكن سرعان ما انقلبت الآية، حيث بدا الجوع واليأس يخيمان على القوات البريطانية، ساعد ذلك ارتباك قائد القوات الجديدة نيلسون بعد أن فقد قائده نيكلسون، إلاّ أن مخطط الهجوم الذي أعلنه ريتشارد بيرد سميث بدأ ينقذ الموقف المتهالك. كان نيكلسون على فراش الموت قبل وفاته، يخبر من حوله بأن يرسلوا نصيحته إلى القائد في لاهور بإقالة ويلسون، لأن الإبقاء عليه في منصب القيادة تهاون بحق وطننا.
رتبت القوات البريطانية نفسها، واستعادت قوتها، وشنت هجومها الجديد على المدينة، فتمكنت في البداية من دخول حيّها الشمالي، فأعملت فيه القتل والنهب، فلم يسلم منهم عملاؤهم ومخبروهم وجواسيسهم، وكتب معين الدين حسين خان عن ذلك اليوم المشؤوم 15 سبتمبر يقول: ( لم تكن حياة أحد في المدينة آمنة. قبضوا على جميع من يرونه أمامهم، بتهمة انتمائهم للمتمردين ثم قتلهم. ويضيف: انتقم المنتصرون العائدون بغضب من كل من قابلهم في الشوارع. كان دخولهم مروعاً، قتلوا الضعفاء، وأحرقوا منازلهم، وانتشرت المجازر وامتلأت الشوارع بالرعب من تلك الفظائع، التي ربما دائماً ما تعقب الفتوحات.) أما إداور كامبل الشخصية اللطيفة بمعايير ذلك الوقت، غير المتشددة، فقد وصف الهجوم على دلهي بأنه ( معركة إخلاص وعبادة) واعتبر نفسه ( جندي المسيح الصالح) وكتب عنها تشارلز جريفيث وهو ممن شهدها يقول: ( لقد كانت حرب إبادة بدون أسرى، ودون إظهار أدنى قدر من الشفقة والرحمة. باختصار، كانت واحدة من أشد الحروب التي شهدها العالم قسوة وانتقاماً.. تراكمت جثث الموتى في الشوارع والأماكن المكشوفة، وقتل كثيرون في منازلهم، حتى الأبرياء منهم، لأن رجالنا كانوا يقاتلون بجنون دون تمييز.. ولا يوجد مشهد مرعب أكثر من مشهد المدينة التي اجتاحتها عاصفة كتلك.)
لم يستسلم جيشا السيبويين والمجاهدين للواقع الجديد، وظل الأمل يراودهما ويحدوهما بالانتصار. كان ميرزا مغول ومعه سرفرزا وبخت يعدون المقاتلين بالنصر، حيث تجمع أكثر من 70 ألفاً من المقاتلين معهم، يستعدون للدفاع عن المدينة المحاصرة، والقتال دونها، طالبين من الإمبراطور بهادور ظفر أن يقود المعركة بنفسه ولو رمزياً، وبعد أن أقنعوه بالأمر، نجح مستشاره إحسان الله الذي كان عميلاً للبريطانيين في ثنيه عن قراره، فلعب على مخاوفه، وأعاده إلى قصره، بحجة أنه سيتم التخلي عنه، ليؤسر بأيدي البريطانيين ثم يُعدم. استجاب الملك لما نصحه به إحسان وعاد أدراجه من أرض المعركة، وهو ما أحبط آخر آمال المجاهدين والمقاتلين، الذين كانوا يبحثون عن رمزية لمعركتهم في مواجهة عدو شرس. كان من نتائج هذا انفضاض الناس من حول المجاهدين والثوار.
يوم السادس عشر من سبتمبر الذي بلغته الثورة في دلهي، كانت لحظة فارقة للثورة، التي كادت تطيح بالاحتلال البريطاني يومها، فمعنويات الجيش البريطاني منهارة تماماً، عكستها ما دونه قائد القوات البريطانية ويلسون في مذكراته يقول: ( رجالنا يكرهون قتال الشوارع المقيت هذا بشدة، ومصابون بالذعر، ولن يتقدموا، أنا لا أستطيع إيجاد حل على الإطلاق.)
لكن أهالي دلهي الذين بدوا لا يعرفون ما يجري في صفوف القوات البريطانية والمعتصمين بدأوا بالبحث عن الملاذات، فكان الهروب الكبير، وفرغت المدينة من أهلها خشية من الانتقام الكبير الذي ينتظرهم، إن تمكنت القوات البريطانية من هزيمة المعتصمين، بينما كان الملك ظفر بحسب ما أوردته ابنته كلثوم، معتكفاً في غرفة التسبيح والصلاة، كعادته حين يُصاب بهزيمته النفسية، وتقول ابنته: «طلبني وأبلغني بأن أغادر مع زوجي، فلا يريدني قريبة منه في هذه الظروف، حتى لا ينالني أذى، وسلمني بعض الجواهر الثمينة، ثم خرجنا من عنده، وفي طريق الهروب اعترضتنا عصابات من الغجر وجردتنا من كل ما نملك حتى ملابسنا التي علينا» أما المدينة فبحسب توصيف مؤرخي ذلك الزمان فقد تحولت إلى مدينة موتى، بعد أن أقفرت تماماً من 150 ألفا من ساكنيها.
في ظل هذه الظروف التي تنتظر موقفاً حاسماً من سلطة رفيعة كالملك، قرر ظفر خلسة أن يغادر قصره في دلهي ولأول مرة، مغادرة كانت إلى الأبد، ليركن إلى ما طمح إليه دائماً بأن يعيش عند قبر أحد أولياء الصوفية، ظاناً أن ذلك سيسعفه من غضبة البريطانيين، أو سينجيه مما يحيق به، وسريعاً ما لجأ بعد القبر إلى قبر جده همايون، وكأنه يطلب منه الدفاع عن عرش بات مهدداً، لكن أخباره كانت تصل إلى البريطانيين بالتفاصيل، عبر زوجته ومستشاره وطبيبه الخاص إحسان الله المخترقين لكل أسراره وتفاصيل تحركاته.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
9021
| 09 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
6516
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
5691
| 14 أكتوبر 2025