رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
على الرغم من الانطباع المباشر الذي قد يتشكل لدى القارئ حول جدوى التساؤل ودوافعه: مستندًا لضخامة حجم الدمار على كافة الصعد، وبأن المتضرر الأساسي من هذه الحرب هي فلسطين بالمجمل، وهي كذلك بكل أسف، إلا أن ذلك لا يمنعك عزيزي القارئ أن تتصور بأن نتنياهو أسهم في جعل هذا التساؤل يُطرح أيضًا إسرائيليًا، ولم يقف عند هذا الحد، بل امتد فضاؤه هذا إقليميًا ودوليًا. هذه ليست مبالغة - اقصد مستويات التساؤل - فحالة النشوة والبلطجة والتمرد التي يمارسها نتنياهو لا تتوقف على الرغم من الإجماع بين كل ما ذكر من مستويات على الأهمية والحاجة الملحة لوقف الحرب المُستعرة على فلسطين: سواء كانت بشكلها الحالي كحرب معلنة وظاهرة على القطاع، أو كحرب يومية «تصفوية» إحلالية تجريدية تمارس بحق الضفة الغربية، أو كحرب حقوقية إدماجية موجهة ضد فلسطينيي الداخل.
* لا يُمكن للعقل أو القلب أن يرضيا بتعطيل الأدوات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية وحتى العسكرية وانتظار ظروف مشابهة كتلك التي احاطت بإسحاق رابين للتخلص من نتنياهو لوقف الإبادة الجماعية التي يتعرض لها اهلنا في فلسطين. إن كلفة الانتظار عالية، سواء على المواطن الفلسطيني أو على المقاوم الفلسطيني، مع القبول بصحة وصف الأول بالثاني، ولكن، ولأغراض تناول الموضوع بمصداقية، تمت محاولة الفصل لبيان ذلك الأثر على المقاومة والحركات التحررية الفلسطينية في الميدان وعلى المواطن الفلسطيني الشجاع الأعزل.
* يؤدي استمرار الحرب الظالمة على فلسطين - قطاع غزة إلى إنهاك المقاومة وتآكل قدرتها على الصمود لآجل طويل، كما ينزع عنها بكل أسف الموقف التفاوضي الصلب والذي يحقق أدنى المتطلبات على الاقل بوقف الحرب والحفاظ على ما تبقى من بشر وحجر. للأسف، لا تعيش المقاومة الآن أجمل أيامها ولا نتمنى لها ولنا هذا، فهي حاليًا تعيش مرحلة ذاتية خالصة من حيث الإنتاج وإدارة المعركة، وتواجه محدودية في الخيارات، إلى جانب إغلاق الجبهات: لبنانيًا بشكل مطلق ويمنيًا بشكل جزئي.
* فيما يؤدي التأخير في التوصل لاتفاق إلى ضرر أبلغ مما هو بالغه حاليًا بحق المواطن الفلسطيني الأعزل المُطالب بالثبات والصمود دون وجود ما يسند ذلك إلا في حالات ضيقة إنسانيًا ودبلوماسيًا. فالإنسان له قدرات محدودة على الصمود والمقاومة، فعلى الرغم من إيماني باستثنائية صمود الفلسطيني، إلا أن قدرته على الصمود تتقوض بفقدان الغذاء والماء والمأوى نتيجة تجفيف منابع كل ما هو إنساني وذو منشأ دولي، وخفوت الأصوات الداعمة له تلك التي تتعرض لمحاولة قهر اعلامي وسياسي واقتصادي، وربما عسكري، مستثنى من ذلك محاولات جادة دبلوماسيًا تسهم فيها كل من قطر والأردن ومصر والسعودية. فلا يمكن ولا يكفي على الإطلاق تبني سردية «لا للتهجير» بمعزل عن وسائل دعم وإسناد تسهم في تثبيت صمودهم، فما يتعرضه له الفلسطينيون هو أكثر من مجرد حرب محدودة و»مسقوفة» بتحقيق جملة أهداف، إنها حرب تسعى لتصفية القضية والتخلص من كل ما هو فلسطيني.
*على الرغم من الضرر الذي وقع بشكل مباشر على فلسطين فنحن مأخوذين بالسياق أيضًا، إن تقزيم صورة العربي والمسلم المُقصر في نصرة أخيه، هي أيضًا ضرر بالغ قد سوّد صورتنا وزادها قتامة في نظر الشعوب المقابلة، كما أن عدم قدرتنا على النصرة لأسباب عديدة قد أورث في قلوبنا سكونًا، وجرحًا لا يبرأ، فكيف لنا ممارسة أدوار الفروسية والشجاعة والنصرة في ظل هذا التقصير. وبذات الوقت لا يمكن استثناء مجتمع الكيان من آثار تلك الحرب، فالضرر طال ايضًا الداخل الإسرائيلي: نتنياهو لم يقصر أيضًا في هذا المستوى: إسرائيل تشهد مرحلة التراجع على كافة الصعد بسبب مواقفه المتعجرفة من هذه الحرب فلقد كان وما زال السبب الوحيد أمام أي تسوية محتملة معبرًا عن لاءاته الأربع خلال مفاوضات باريس 2: لا لوقف إطلاق النار، لا لانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، لا لعودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال القطاع، ولا لصفقة تبادل الأسرى.
*ولقد شكلت هذه المواقف تحديات عديدة لإسرائيل: من حيث الديموغرافيا والهجرة؛ حيث شهدت إسرائيل في عام 2024 انخفاضًا في معدل النمو السكاني بنسبة 1.1%، مقارنة بـ1.6% في عام 2023؛ من حيث الضغوط الاقتصادية: حيث خصصت ميزانية إسرائيل لعام 2025 مبلغًا قياسيًا قدره 756 مليار شيكل، منها 136 مليار شيكل لسداد الديون الوطنية، وخصصت حوالي 110 مليارات شيكل للقطاع الدفاعي الذي يستنزف بشكل أساسي في الحرب على غزة؛ ومن حيث تآكل البنية التحتية: أثرت الصراعات المستمرة، خاصة الحرب على قطاع غزة، على البنية التحتية والمجتمع بشكل عام وخاصة سكان المناطق الشمالية؛ أما من حيث الانقسام الاجتماعي والسياسي: حيث شهدت إسرائيل ارتفاعًا في حدة الانقسامات والتصدعات العميقة إلى درجة غير مسبوقة، عكست عمق التناقضات الاجتماعية والعرقية وحتى الموقفية تجاه الحرب، مما أثر ولا يزال على استقرار المجتمع.
* لقد أسهمت هذه الأضرار في ردة فعل موحدة، وإن كان بعضها ظاهريا، فتجد أن الجميع يضغط على نتنياهو لوقف الحرب: الداخل الإسرائيلي على مستويات منظمة كقادة وضباط حاليين وسابقين في الأجهزة الأمنية والعسكرية يقدمون عرائض لوقف الحرب؛ الشارع الإسرائيلي متقد منذ بداية الحرب؛ الدول العربية والإسلامية؛ الرأي العام العالمي؛ الدول الأوروبية وروسيا والصين، والولايات المتحدة والمحكمة الدولية والأمم المتحدة، والنتيجة: نتنياهو لا يستجيب! فكيف يمكن وقف عجرفته وصلفه؟ إن الرغبة في الحصول على نتائج مختلفة عما هي الآن، يتطلب تغييرًا في الأدوات والإستراتيجيات من حيث الشكل والمضمون والحدة. يفيض صدري ألمًا وخلافه ولا أستطيع البوح بكل مكنوناته هنا، ولكني أقول بأن الدول العربية والإسلامية قادرة على وقف نتنياهو ولكنها تحتاج لإجماع مواقفها، على الأقل، حول هذا الموضوع، وأنا كفيل بأن الحرب ستتوقف خلال ساعات.
* ما يلزم لتحقيق ذلك هو حالة من تبني خطاب ولغة وسلوك سياسي واقتصادي جديد، والإبقاء على الابواب مع المجتمع الدولي مفتوحة. من حيث الخطاب، تحتاج التصريحات سواء من قبل جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي، بأن تصاغ هذه البيانات بحدة أكثر تفتح باب التأويلات المختلفة على مصراعيه، على أن يرافق ذلك مصداقية مجدولة مع تسلسل سياقي واضح من التوجيه باتخاذ مواقف إسلامية وعربية موحدة في ظل استمرار الحرب، بما يوازي ذلك من ضغوط اقتصادية وخاصة على الداعمين لنتنياهو، أن مجرد الطرح بتجميد أي مستقبل اقتصادي لاتفاقيات شراكة وربطها بممارسة أدوار أكبر من الضغط على إسرائيل من شأنه أن يأتي بنتائج إيجابية، ويضاف لذلك الدول العربية المرتبطة مع إسرائيل بمعاهدات سلام، يتوجب عليها التنسيق واتخاذ مواقف موحدة من شأنها دفع نتنياهو للتفكير بجدية في مدى عقلانية مواقفه ودفعه لإخراج ميزان الكلفة والفائدة ليختار على اساسه. بظني، دون هذه الخطوات سنبقى ندور في فلك متاهة استخدام مصطلح «المجتمع الدول» والذي قد يريح البعض وذلك بإلقاء اللوم عليه، في حين أنه قد ينسى أحيانًا بأنه جزء أساسي منه.
قطر والسعودية.. تكامل لخير البلدين والمنطقة
تولي القيادة في دولة قطر وفي المملكة العربية السعودية أولوية استثنائية للعلاقات الأخوية الوطيدة بين البلدين الشقيقين، إذ... اقرأ المزيد
78
| 05 ديسمبر 2025
كأس العرب 2025 روعة التنظيم وعمق الرسالة وتميز قطري جديد
شهدت بطولة كأس العرب 2025 التي تقام في قطر هذا العام مستوى غير مسبوق من التميّز، بدءًا من... اقرأ المزيد
114
| 05 ديسمبر 2025
الرقمنة والتحول الرقمي في قطر.. إنجازات وتحديات
تعود بي الذكريات الى أواسط التسعينيات وكنت في أواسط تلك العشرية أشتغل خبيرا إعلاميا لدى سعادة الدكتور جمعة... اقرأ المزيد
90
| 05 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله في ميادين العمل القانوني، حيث بدأت العديد من مكاتب المحاماة في مختلف الدول تستعين بتطبيقاته. غير أن هذه الاستعانة قد تثير، في بعض الأحيان، إشكالات قانونية حول مدى الاستخدام المنضبط لهذه التقنيات، ولا سيما عند الاعتماد على مخرجاتها دون التحقق من صحتها ودقتها، وهو ما تجلى بوضوح في حكم حديث صادر عن محكمة قطر الدولية، حيث تصدت فيه المحكمة لهذه المسألة للمرة الأولى في نطاق قضائها. فقد صدر مؤخراً حكم عن الدائرة الابتدائية بالمحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال، (المعروفة رسمياً باسم محكمة قطر الدولية)، في القضية رقم: [2025] QIC (F) 57 بتاريخ 9 نوفمبر 2025، بشأن الاستخدام غير المنضبط وسوء توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي في العمل القانوني. وقد ورد في حيثيات الحكم أن أحد المترافعين أمام المحكمة، وهو محامٍ يعمل لدى أحد مكاتب المحاماة المقيدة خارج دولة قطر، كما هو واضح في الحكم، قد استند في دفاعه إلى أحكام وسوابق قضائية نسبها إلى المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال. غير أن المحكمة، وبعد أن باشرت فحص المستندات والتحقق من الوقائع، تبين لها أن تلك السوابق لا وجود لها في سجلاتها الرسمية، ولم تصدر عن أي من دوائرها، وأن ما استند إليه المترافع إنما كان من مخرجات غير دقيقة صادرة عن أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي المدمجة في أحد محركات البحث الإلكترونية المعروفة، والتي عرضت أحكاما وسوابق قضائية وهمية لا أصل لها في الواقع أو في القضاء.وقد بينت المحكمة في حيثيات حكمها أن السلوك الذي صدر عن المحامي، وإن بدا في ظاهره خطأ غير مقصود، إلا أنه في جوهره يرقى إلى السلوك العمدي لما انطوى عليه من تقديم معلومات غير صحيحة تمثل ازدراء للمحكمة. وقد أشارت المحكمة إلى أنه كان بوسع المحامي أن يتحقق من صحة السوابق والأحكام القضائية التي استند إليها لو أنه بذل العناية الواجبة والتزم بأدنى متطلبات التحقق المهني، لا سيما وأن جميع أحكام المحكمة متاحة ومتوفرة عبر موقعها الإلكتروني الرسمي. وانتهت المحكمة إلى أن ما صدر عن المحامي يُشكل مخالفة صريحة لأحكام المادة (35.2.5) من القواعد والإجراءات المتبعة أمام المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال لسنة 2025، والتي نصت على أن إعطاء معلومات خاطئة أو مضللة يُعد مخالفة تستوجب المساءلة والجزاء. كما أوضحت المحكمة أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، بوجه عام، في ميدان التقاضي هو أمر مرحب به لما يوفره من نفقات على أطراف الدعوى، ويُسهم في رفع كفاءة الأداء متى تم في إطاره المنضبط وتحت رقابة بشرية واعية. إذ إن الاعتماد عليه دون تحقق أو مراجعة دقيقة قد يفضي إلى نتائج غير محمودة. وقد أشارت المحكمة إلى أنها المرة الأولى التي يُستأنس فيها أمامها بأحكام منسوبة إليها لم تصدر عنها في الأصل، غير أنها أوضحت في الوقت ذاته أنّ مثل هذه الظاهرة قد ظهرت في عدد من الدول على خلفية التوسع في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني. وفي هذا الإطار، أشارت المحكمة إلى ما قضت به محكمة بولاية نيويورك في قضية Mata v. Avianca Inc (2023)، إذ تبين أن أحد المحامين قدم مذكرات قانونية اشتملت على أحكام وسوابق مختلقة تولدت عن استخدام غير دقيق لتقنيات الذكاء الاصطناعي. كما أشارت المحكمة إلى حكم آخر صادر عن محكمة بالمملكة المتحدة في قضية Ayinde v. Haringey (2025)، والذي أكد على وجوب المراجعة البشرية الدقيقة لأي نص قانوني أو سابقة قضائية يُنتجها الذكاء الاصطناعي قبل الاستناد إليها أمام القضاء، باعتبار ذلك التزاماً مهنياً وأخلاقياً لا يجوز التهاون فيه.كما لفتت المحكمة إلى أن ظواهر مماثلة قد لوحظت في بعض القضايا المنظورة أمام المحاكم في كندا وأستراليا، ويُظهر ذلك اتساع نطاق هذه الظاهرة وضرورة إحاطتها بضوابط مهنية دقيقة تكفل صون نزاهة الممارسة القانونية واستقلالها. وقد بينت المحكمة أنها بصدد إصدار توجيه إجرائي يقضي بأن الاستناد والإشارة إلى أي قضية أو مرجع أمام المحكمة في المستقبل دون التحقق من صحته أو من مصدره يُعد مخالفة تستوجب الجزاء، وقد يمتد أثرها إلى إعلان اسم المحامي ومكتبه في قرار المحكمة. وفي تقديرنا، يُعد هذا التوجه خطوة تُعزز مبادئ الشفافية، وتُكرس الانضباط المهني، وتُسهم في ردع أي ممارسات قد تمس بنزاهة الإجراءات القضائية وسلامة العمل القانوني. وفي الختام، نرى أن حكم محكمة قطر الدولية يُشكل رسالة مفادها أن الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، فإن أُحسن توظيفه كان عوناً في البحث والتحليل والاستدلال، أما إذا أُطلق دون رقابة أو وعي مهني، فقد يُقوض نزاهة التقاضي بين الخصوم ويُعد مساساً بمكانة المحكمة ووقارها.
2583
| 30 نوفمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه أكثر مما ينظر إلى ما يملكه. ينشغل الإنسان بأمنياته المؤجلة، وأحلامه البعيدة ينشغل بما ليس في يده، بينما يتجاهل أعظم ما منحه الله إياه وهي موهبته الخاصة. ومثلما سأل الله موسى عليه السلام: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾، فإن السؤال ذاته موجّه لكل إنسان اليوم ولكن بطريقة أخرى: ما هي موهبتك؟ وما عصاك التي بيدك؟ جوهر الفكرة ان لكل إنسان عصا. الفكرة الجوهرية لهذا المفهوم بسيطة وعميقة، لا يوجد شخص خُلق بلا قدرة وبلا موهبة وبلا شيء يتميز به، ولا يوجد إنسان وصل الدنيا فارغ اليدين. كل فرد يحمل (عصاه) الخاصة التي وهبه الله ليتكئ عليها، ويصنع بها أثره. المعلم يحمل معرفته. المثقف يحمل لغته. الطبيب يحمل علمه. الرياضي يحمل قوته. الفنان يحمل إبداعه. والأمثلة لا تنتهي ….. وحتى أبسط الناس يحملون حكمة، أو صبرًا، أو قدرة اجتماعية، أو مهارة عملية قد تغيّر حياة أشخاص آخرين. الموهبة ليست مجرد ميزة… إنها مسؤولية في عالم الإعلام الحديث، تُقدَّم المواهب غالبًا كوسيلة للشهرة أو الدخل المادي، لكن الحقيقة أن الموهبة قبل كل شيء أمانة ومسؤولية. الله لا يمنح إنسانًا قدرة إلا لسبب، ولا يضع في يدك عصا إلا لتفعل بها ما يليق بك وبها. والسؤال هنا: هل نستخدم مواهبنا لصناعة القيمة، وترك الأثر الجميل والمفيد أم نتركها مدفونة ؟ تشير الملاحظات المجتمعية إلى أن عددًا كبيرًا من الناس يهملون مواهبهم لعدة أسباب، وليس ذلك مجرد انطباع؛ فبحسب تقارير عالمية خلال عام 2023 فإن نحو 80% من الأشخاص لا يستخدمون مواهبهم الطبيعية في حياتهم أو أعمالهم، مما يعني أن أغلب البشر يعيشون دون أن يُفعّلوا العصا التي في أيديهم. ولعل أهم أسباب ذلك هو التقليل من قيمة الذات، ومقارنة النفس بالآخرين، والخوف من الفشل، وأحيانا عدم إدراك أن ما يملكه الشخص قد يكون مهمًا له ولغيره، بالإضافة إلى الاعتقاد الخاطئ بأن الموهبة يجب أن تكون شيئًا كبيرًا أو خارقًا. هذه الأسباب تحوّل العصا من أداة قوة… إلى مجرد منحوتة معلقة على جدار الديوان. إن الرسالة التي يقدمها هذا المقال بسيطة ومباشرة، استخدم موهبتك فيما يخدم الناس. ليس المطلوب أن تشق البحر، بل أن تشقّ طريقًا لنفسك أو لغيرك. ليس المطلوب أن تصنع معجزة، بل أن تصنع فارقًا. وما أكثر الفروق الصغيرة التي تُحدث أثرًا طويلًا، تعلُم وتعليم، أو دعم محتاج، خلق فكرة، مشاركة خبرة، حل مشكلة… كلها أعمال نبيلة تُجيب على السؤال الإلهي حين يُسأل الإنسان ماذا فعلت بما أعطيتك ومنحتك؟ عصاك لا تتركها تسقط، ولا تؤجل استخدامها. فقد تكون أنت سبب تغيير في حياة شخص لا تعرفه، وقد تكون موهبتك حلًّا لعُقدة لا يُحلّها أحد سواك. ارفع عصاك اليوم… فقد آن لموهبتك أن تعمل.
1542
| 02 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1509
| 04 ديسمبر 2025