رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

خولة البوعينين


[email protected]
@Khawlalbu3inain

مساحة إعلانية

مقالات

375

خولة البوعينين

ازدهار خلف ساقية الرتابة

19 أغسطس 2025 , 06:26ص

لا تأخذ الأيام على محمل الرتابة، تظن أنك قد عشت حياتك، وأنت لا تعدو أن كررت أيامك، واستنسخت لحظاتك، وألفت حتى أفكارك، واعتدت مشاعرك! ولا ينفك العمر ينقضي وأنت تظن أنك سائرٌ فيه، بينما هو لا يزيد على أن يعيدك إلى النقطة نفسها كل مرة، كأنك تمشي في دائرة مفرغة لا بداية لها ولا نهاية.

لا تستسلم لدائرة التشابه، التي تُشعرك بأنه لا جديد، ولا غريب، ولا مفاجآت تُثير ذهولك، أو مناسبات قادرة أن تُخرج منك مشاعر ذات نكهة مختلفة ! 

ولا موقف يوقظ فيك الدهشة التي تُحيي ألق الروح، وتُنير ظُلمة الوجدان، حتى تفقد مشاعرك بريقها، وتخفت في عينيك ألوانها، فلا يلبث فؤادك أن يغدو آلة اجترار متآلفة مع الخِدر ! معتادًا حتى على الفرح والحزن، وكأنك عشت كل شيء من قبل، فلا يُثير عجبك شيء، ولا يُشعل عزمك أمر، ولا تُبهجك أي مسرّة.

ومع طول الاستسلام، تتوهم أن هذا هو شكل الحياة، وأنه لا جدوى من انتظار المختلف. فتغدو كمن يدور في ساقية، يشد نفسه إليها ويستمر في الدوران بلا توقف، حتى يذبل في داخله معنى العيش، ويحين وقت أفوله من غير أن يتذوق نكهة التجارب الحقيقية.

فالحياة لا تبوح بجمالها لمن يقف عند تخوم ظواهرها المتكررة، ولا على أطراف حواشيها المكشوفة البادية، بل تمنح خيراتها لمن يجرؤ على اقتحامها، ويختار أن يراودها عن مخزونها من الغبطات التي تُبهج القلب وتوسع الخاطر، فهي لا تُشرق بكامل بهائها، ولا بتنوع ألوانها، ولا تعدد مباهجها إلا لمن يقرر أن ينعتق من أسر الرتابة واستكشف أن في أعماق الأيام مناسبات قادرة أن توقظ فيه مشاعر جديدة، ومواقف تُخرج منه ألوانًا لم يعرفها في نفسه من قبل.

اختبر أن تنعتق من الساقية التي شددّت إليها نفسك، فلا تزال تدور فيها إلى أن يحين وقت أفولك ! وأن تُغيّر من نفسك قبل أن تلوم الدنيا ومن عليها، جرّب أن تخوض عبابا جديدة، وأن تسمح لقلبك أن يتذوق من طعومها نكهات مختلفة. ففي كل تجربة طعم خاص، وفي كل لحظة لون مغاير، وفي كل التفاتة صغيرة دهشة مختبئة. وحين تمنح نفسك فرصة للاتصال بكل ذلك، سترى أن زهرة الحياة لم تذبل قط، وإنما كانت تنتظر أن تقترب منها لتعيش دنياك وتتذّوق من طعومها نكهات مختلفة، و لتتمتع من زهرتها ألواناً بهيّة تُحيي فؤادك، وتنعش جنانك، وتدّب في أوصالك الأنس والمسرّة.

لحظة إدراك: 

إن الحياة ليست أيامًا متشابهة تتكرر حتى تنقضي، بل هي فسحة واسعة للعيش والتجدد، فلا تجعلها تستنسخ نفسها فيك، أتح الفرصة لها أن تنبض بك أنت، وعشها بامتلاء، وأقبل على لحظاتها كما لو أنك تراها للمرة الأولى، دون تكرار يُحيل ألوانها إلى ظلال رمادية، ودون استباق يقلب أنسها إلى اجترار، فالحياة لا تهب دهشاتها إلا لمن يستحق أن يعيشها بحق. 

مساحة إعلانية