رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الزلزال الذي ضرب إيران مؤخراً مرتين في مدة زمنية قصيرة جداً هو بمثابة إنذار لنا في دول الخليج العربي وسائر أرض الجزيرة العربية بل وفي بقية العالم العربي والإسلامي بشكل عام. إن هزّة أرضية حدثت على أرض إيران تأثرت بها دول الخليج فخاف أهلها وفزعوا بينما سبقتها الكثير من الهزّات في العقيدة والإيمان حدثت على أرض إيران فلم يتأثروا ولم يخافوا ولم يفزعوا!!
إن الرسالة الأولى التي يوصلها لنا هذا الزلزال الذي بدأت تشعر به دول الخليج التي كانت في منأى عن تلك الحوادث والكوارث.. هي أن الوضع قد تغيّر تماماً.. ليكون بمثابة إنذار على أن القادم من الأيام سيكون صعباً وانتقالياً لهذه المنطقة من حال السكون والهدوء إلى حال التوتر والقلق بعد أن عاشت دهراً من الزمن في أمن وأمان نتيجة تعلّقها بربها وبالإسلام بعد أن شرّفها الله بأن ظهر منها للعالمين آخر الرسالات وخاتم المرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وانطلقت من فوق أرضها كذلك جيوش الإيمان والتوحيد للعالمين لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن الله رب العالمين.
إن المنطقة التي لم تعتد على الهزّات الأرضية ولا التغيرات المناخية الكثيرة المضطربة كغيرها من مناطق الأرض.. هاهي تبتلى بهزّات تقلق أهلها وتفزعهم رغم أنها لم تخلّف دماراً ولا حتى خسائر مادية أو بشرية.. فكيف لو ابتليت كغيرها من مناطق الكوارث والزلازل بأضرار وآثار دمار هائلة وخسائر مادية وبشرية متعددة، فتلك نعمة تضاف إلى النعم التي لا تعد ولا تحصى وخصّ الله بها هذه الجزيرة العربية ومن سكن فيها، فالحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، والحمد لله الذي لم يعرّضنا للمزيد من الحوادث والأضرار.
الرسالة الثانية التي يوصلها هذا الزلزال أن الله سبحانه وتعالى قد جعل لقرب قيام الساعة مجموعة من العلامات الصغرى والكبرى والتي من بينها كثرة حدوث الزلازل وهو ما يحدث حولنا بشكل متكرر من حين لآخر، غير أن هذه المرّة قد اتسعت دائرته لتقترب من أرض الجزيرة العربية فتنذرهم بأنهم في غفلة عن اليوم الآخر وعن قيام الساعة بسبب انغماسهم في الدنيا واستمتاعهم بها بعد أن أغدق الله عليهم الثروات من النفط والغاز فعاشوا دهوراً من الزمن في رخاء ورغد من العيش، فقد حان الوقت لأن ينتبه الغافلون وأن يعود الناس إلى ربهم وأن يصلح حالهم بما صلح به حال أول هذه الأمة ممثلة في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين والسلف الصالح.
الرسالة الثالثة المهمة التي نريد أن نسلّط الضوء عليها هنا هي أن إيران مكمن الخطر ومصدر التوتر في المنطقة وكأنها إشارة من الله سبحانه وتعالى لأهل هذه المنطقة بأنكم يجب أن تحذروا من إيران وأن تنتبهوا لها وتتيقظوا منها كثيراً في المرحلة القادمة لا لأنها مصدر لتلك الهزّات الأرضية القوية المدمّرة فحسب بل لأن هناك أمرا أهم من ذلك ألا وهو الدين الذي شرّفنا الله به، فهو في خطر عظيم من قبل تلك الدولة الفارسية التي تريد أن تعيد عهد المجوس وعبدة النار ودولة الشرك والضلال على أنقاض دولة الإسلام والتوحيد، حيث انكشف للعالم الإسلامي وللعالم بأسره وجه إيران القبيح بعد اندلاع الثورة السورية المباركة وافتضاح جرائمها ومؤامراتها السابقة في العراق وأياديها القذرة في البحرين وفي كثير من دول العالم الإسلامي، ناهيك عن جرائمها في الداخل وقتلها لأهل السنة في إيران واحتلالها للأحواز العربية التي تعتبر أكبر بكثير من مساحة فلسطين، أي أن هذه الدولة الفارسية المحتلّة قد احتلّت من أرض العرب والمسلمين أكثر مما احتلّه الصهاينة الغاصبون من أرض المسلمين في فلسطين الحبيبة.
إن خطر إيران واضح وضوح الشمس للعيان.. للقاصي والداني وللقريب والبعيد، فبعد أن كان خفياً على وسائل الإعلام وعلى عموم الأمة بعض جرائمها ومؤامراتها ضد أهل السنة في إيران والعراق ولبنان والبحرين.. أصبح واضحاً وجليّاً بما لا يدع مجالاً للشك من كل ذي عقل وقلب سليم بأن هذه الدولة الفارسية تريد القضاء على الإسلام والمسلمين ولكن تحت غطاء من الدين المشوّه بالكثير من العقائد الضالّة والعبادات الخاطئة والأخلاق الرذيلة والصفات البذيئة والمشاعر البغيضة والمعاملات البهائمية التي أباحت الجنس والفجور على مصراعيه باسم الدين من قبل حثالة هتكوا أعراض الناس واستباحوا أموالهم باسم هذا الدين المزيّف الذي جاءوا به من عند أنفسهم المريضة ليفتروا على الله وعلى نبيه وعلى كتابه وعلى الإسلام بأكمله.
إن هذا الزلزال الذي شعرت به دول الخليج يجب أن تهتز له القلوب قبل الأرض وأن تتيقظ له العقول قبل أجهزة كشف الزلازل، وأن نفيق من غفلتنا وأن ننتبه إلى أنفسنا أولاً فنسعى في إصلاح دولنا وأوطاننا وأن نحارب الفساد فيها وأن نقضي على كل جوانب الانحراف في العقيدة والأخلاق والمعاملات والمبادئ والقيم، وأن ننهض بديننا من جديد وأن نعلي شأن العلم والعلماء وأن ننبذ المفاسد والمنكرات ونحارب أهلها، وأن نرتب أوراق مجتمعاتنا فنعطي الفقير من مال الغني وننصر المظلوم على الظالم لتكون بداية انطلاق لنشر الدين من جديد ومقاومة هذا الجيش المجوسي المغولي التتري الذي جاء كالجراد ليحارب ديننا ويغزو أرضنا ويهتك أعراضنا ويسلب أموالنا وأن نعد له العدّة وأن ننصر إخواننا الذين يقتلون الآن على يديه في سوريا والعراق ولبنان وأن ننتصر لهم.. قبل أن ينتصروا فتتوالى هزائمهم لنا في عقر دارنا.. وقبل أن تهتز الأرض من جديد.. قال تعالى (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم).
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
7902
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
6792
| 14 أكتوبر 2025
منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر الموظفون والمتقاعدون في قطر بمرحلة جديدة من العدالة الاجتماعية والتقدير العملي لعطاءاتهم الطويلة. فقد نصت المادة (31) من القانون على أن الموظف الذي أكمل أكثر من ثلاثين سنة في الخدمة يستحق مكافأة عن السنوات الزائدة، وهو ما اعتُبر نقلة نوعية في التشريعات، ورسالة وفاء وعرفان من الدولة لأبنائها الذين أفنوا أعمارهم في خدمة مؤسساتها. غير أن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً، إذ جاءت اللائحة التنفيذية لتضع قيداً لم يرد في النص الأصلي، حيث حصرت استحقاق مكافأة السنوات الزائدة فيمن تجاوزت خدمته الثلاثين سنة ابتداءً من عام 2023 فقط، متجاهلة بذلك آلاف المتقاعدين الذين أنهوا خدماتهم الطويلة قبل هذا التاريخ. هذا التفسير الضيّق أثار جدلاً واسعاً بين القانونيين والمتقاعدين، لأنه خالف صراحة روح المادة (31) وأفرغها من مضمونها العادل. النص التشريعي والغاية المقصودة: لا جدال في أن المشرّع حين أقر المادة (31) كان يبتغي تحقيق مبدأ المساواة والعدل بين كل من خدم الوطن أكثر من ثلاثين عاماً، دون التفريق بين من انتهت خدمته قبل أو بعد 2023. فالقانون قاعدة عامة مجردة، ومقاصده تتجاوز اللحظة الزمنية لتغطي جميع الحالات المماثلة. فإذا جاء النص واضحاً في تقرير الاستحقاق، فإن أي تفسير لاحق يجب أن يكون شارحاً ومكملاً، لا مقيّداً أو مفرغاً من المضمون. إن حصر المكافأة بفئة زمنية محددة يتنافى مع المبادئ العامة للتشريع، ويجعل القانون غير منصف في تطبيقه. فالذين تقاعدوا قبل 2023 قدّموا جهدهم وعرقهم طوال عقود، ومن غير المنطقي أن يُحرموا من حق أثبته النص لمجرد أن توقيت تقاعدهم سبق صدور القانون الجديد. أثر التمييز الزمني على المتقاعدين: إن استبعاد فئة كبيرة من المتقاعدين من حق المكافأة يخلق شعوراً بالغبن واللامساواة، ويؤدي إلى اهتزاز الثقة في العدالة التشريعية. هؤلاء المتقاعدون خدموا في الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة، وأسهموا في بناء نهضة الدولة منذ بداياتها، وتحملوا ظروف العمل في فترات صعبة لم تكن فيها الامتيازات والرواتب كما هي اليوم. إن تجاهل هذه الفئة يرسل رسالة سلبية مفادها أن جهد العقود الطويلة يمكن أن يُطوى بجرة قلم، وأن التقدير مرهون بتاريخ تقاعد لا بعطاء حقيقي. وهذا يتناقض مع قيم الوفاء والعرفان التي اعتادت الدولة على إظهارها لأبنائها. الحديث عن مكافأة السنوات الزائدة ليس مجرد نقاش مالي أو قانوني، بل هو في جوهره قضية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية. فالمكافأة تمثل تقديراً رمزياً لمشوار طويل من الخدمة، وتساهم في تحسين أوضاع المتقاعدين الذين يواجهون أعباء الحياة المتزايدة بعد انتهاء عملهم. ومن هنا فإن إعادة النظر في تفسير المادة (31) ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو استجابة طبيعية لقيم العدالة التي تميز نظامنا القانوني والإداري. الحق لا يسقط بالتقادم: ومن المهم التأكيد على أن الحق لا يسقط بالتقادم، خاصة إذا كان مرتبطاً بسنوات خدمة طويلة بذل فيها المواطن جهده وطاقته في سبيل وطنه. إن مكافأة السنوات الزائدة تظل حقاً أصيلاً لصاحبها، يحق له المطالبة به ولو بعد حين، ما دام القانون قد أقرّه صراحة في نصوصه. إن محاولة إسقاط هذا الحق بمرور الزمن أو تقييده بتاريخ صدور اللائحة التنفيذية أمر يتعارض مع المبادئ القانونية الراسخة ومع قواعد العدالة والإنصاف. المقارنة بتجارب خليجية سابقة: من المفيد أن نشير إلى أن دولاً خليجية أخرى اعتمدت أنظمة تقاعدية أكثر مرونة في هذا الجانب، حيث شملت مكافآت أو بدلات السنوات الزائدة جميع المتقاعدين دون تمييز زمني، إيماناً منها بأن العطاء لا يُقاس بتاريخ انتهاء الخدمة بل بعدد السنوات التي قضاها الموظف في خدمة وطنه. هذا يعكس أن المبدأ ليس غريباً أو صعب التطبيق، بل هو إجراء ممكن وواقعي أثبت نجاحه في بيئات مشابهة. المطلوب هو أن تشمل مكافأة السنوات الزائدة جميع من تجاوز ثلاثين عاماً خدمة، سواء تقاعد قبل 2023 أو بعده. فذلك هو التطبيق الأمثل لروح القانون، والتجسيد الحقيقي للعدل، والضمانة لردّ الاعتبار لمن حُرموا من حقهم رغم استحقاقهم. إن مكافأة السنوات الزائدة ليست ترفاً ولا منحة عابرة، بل هي استحقاق مشروع وواجب وطني في حق كل من خدم الدولة أكثر من ثلاثة عقود. تجاهل هذا الاستحقاق يفتح باب التمييز ويضعف الثقة في التشريع، بينما إنصاف المتقاعدين يرسخ مبادئ العدالة ويؤكد أن الدولة لا تنسى أبناءها الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية البناء والتطوير. وليطمئن كل متقاعد أن عطاءه محفوظ في سجل الوفاء الوطني، وأن سنوات الخدمة الزائدة لن تضيع هدراً، بل ستُكافأ بالعدل والإنصاف.
3504
| 12 أكتوبر 2025