رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تنشيط بورصة الأوراق المالية وتفعيلها هو مطلب مهم وضروري، فهي المحرك الأساسي لعجلة التنمية المالية الاقتصادية الاستثمارية من خلال ما توفره من تمويل (قصير- متوسط – طويل) الأجل لمختلف المشاريع المتنوعة (الاقتصادية – الصناعية – الخدمية ---) ومنافعها العديدة، إذ إنّ الاستثمار يعمل على توسيع قاعدة الأسواق المالية وإعطاء المستثمرين مرونة للاختيار، فتتوزيع استثماراتهم على قنوات السوق وقطاعاتها وتعد آليات ومنتجات صناديق الاستثمار في مقدمة هذه الأدوات تنشيطا لهذه الأسواق في ضخ السيولة وقوة المركز ومعدلات دوران رأسمال الاستثمار، فهي القناة ذات الفعالية والكفاءة لتمويل عملية التنمية بأشكالها المتنوعة وإحدى صيغ الاستثمار الجماعي التي تعمل على تجميع الفوائض المالية واستثمارها في الأوراق المالية وغيرها من الأصول والمنافع والمشاريع، تحت إشراف جهات متخصصة إدارية وتنظيمية، وذلك بغرض تنميتها والمحافظة على تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة وتحقيق الرخاء، فصناديق الاستثمار سواء كانت (إسلامية – تقليدية) تعتبر وسيطا ماليا نشطا ومركزا في الأسواق، إضافة إلى أنها تمزج رأس المال والعمل كأحد مرتكزات الشريعة الإسلامية تؤدي وظائف اقتصادية ومالية مهمة للمجتمعات، خاصة مع تزايد الطلب على هذه المنتجات في ظل التوجه العالمي المتنامي نحو الاستثمار الأخلاقي المتوافق مع مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية، ولذلك ظهرت الصناديق الاستثمارية كإحدى أهم الوسائل لدخول البنوك التقليدية سوق الخدمات المصرفية الإسلامية، دون حاجة إلى تغيير هيكلها أو نظام عملها أوترخيصها، ولهذا اهتمت النظم والقوانين واللوائح بواجبات والتزامات واختصاصات الجهاز الإداري للصناديق الاستثمارية مع توفر التأهيل المناسب والخبرة اللازمة لإدارة هذه الصناديق الاستثمارية، والتي ستشملها محاور التقرير بالتوضيح المفصل:-
أولا: الفكرة الأساسية لإنشاء صناديق الاستثمار
صناديق الاستثمار التي تنشئها في المصارف التجارية وشركات التأمين والاستثمار، هي عبارة عن أموال يقدمها المستثمرون للمؤسسة المالية، لتقوم نيابة عنهم باستثمارها في شراء تشكيلة (محفظة) من الأوراق المالية، يديرها لصالحهم من خلال إدارة مستقلة ويشاركهم نسبة محددة من الأرباح، ولكنها ترتكز على مفاهيم أساسية منها:-
*قيام جهة معينة (مؤسسة مالية أو استثمارية) بإعداد دراسة اقتصادية لنشاط معين أومشروع معين، بحيث تبين الجدوى الاقتصادية في ذلك المجال.
*قيام تلك الجهة بتكوين صندوق استثماري وتحديد أغراضه وإعداد نشرة الاكتتاب في الصندوق أو لائحة العمل للصندوق، بحيث تتضمن التفاصيل كاملة عن نشاط الصندوق وشروط الاكتتاب فيه وحقوق والتزامات مختلف الأطراف.
*تقسيم رأس مال الصندوق الاستثماري إلى وحدات أو حصص أو أسهم مشاركة أوصكوك متساوية القيمة الاسمية، بحيث يكون اقتناؤها عبارة عن المشاركة في ملكية حصة من رأس مال الصندوق.
*بعد تلقي الجهة المصدرة للصندوق أموال المكتتبين، تقوم باستثمار الأموال المجمعة لديها في المجالات المحددة في نشرة الاكتتاب وتوزيع الأرباح في الفترات وبالكيفية المتفق عليها، كما تتولى تصفية الصندوق في الموعد المحدد لذلك.
ثانيا: مفهوم صناديق الاستثمار
مؤسسات مالية تقوم بالاستثمار الجماعي في الأوراق المالية عن طرق تجميع المدخرات من عدد كبير من المستثمرين، وبصفة خاصة صغارهم واستثمارها في شراء الأوراق المالية بواسطة إدارة محترفة بهدف تحقيق المنفعة لمؤسسيها وللمستثمرين والاقتصاد القومي، وهي من الناحية القانونية عقد شراكة بين إدارة الصندوق والمساهمين يدفع بمقتضاه مبالغ نقدية لإدارة الصندوق مقابل حصولهم على وثائق رسمية بقيمة معينة تحدد نصيب كل مساهم من وحدات في أموال الصندوق وتتعهد الإدارة باستثمارها في بيع وشراء الأوراق المالية ويشترك في الأرباح والخسائر الناتجة من استثمار حصيلة الصندوق كل بنسبة ما يملكه من وحدات وفقا لشروط نشرة الإصدار.
ثالثا: مزايا وفوائد الصناديق الاستثمارية
تؤسس الصناديق على صفة شركة استثمار تحت إشراف جهات حكومية متخصصة لغرض الرقابة والتوجيه وتقوم هذه الصناديق بجمع الاشتراكات عن طريق إصدار وحدات استثمارية متساوية القيمة عند الإصدار يترتب على إنشائها العديد من المزايا والمنافع المشتركة، سواء بالنسبة للمستثمرين والمصارف والجهات المؤسسة لها والمساعدة والمنظمة أو للسوق المالي) بورصة الأوراق المالية، خاصة (وللاقتصاد القومي، وذلك سواء أكانت هذه الصناديق صناديق استثمار (تقليدية - إسلامية)، فلها مجموعة من المزايا التي تتركزعلى ثلاثة بنود رئيسية (تحقيق التنويع وإمكانيات الإدارة الكفؤة وإمكانية تسييل الوثائق والوحدات وتداولها)، إضافة إلى:-
*إفساح المجال لأصحاب الدخل المحدود للتعامل في سوق الأوراق المالية بتملك الوثائق لوحدات صناديق الاستثمار.
*تخفيض حجم المخاطر التي تواجه المستثمر، حيث تقوم بتنويع استثماراتها في الأوراق المالية وصغارالمستثمرين لا يستطيعون ذلك، لعدم وجود خبرة وتوفر مبالغ كبيرة للاستثمار.
*السّيولة وخاصة في الصناديق المفتوحة، فيستطيع المستثمرسحب قيمة وحداته من الصندوق المصدر لها خلال فترات قصيرة.
*الاستفادة بخبرات الإدارة المتخصصة لإدارة محفظة الأوراق المالية للمستثمر بتكاليف منخفضة.
*تحقيق عائد أعلى من عائد الوثائق المصرفيّة وتعامل بالأسهم منفردة.
*تمكن المستثمر من شراء وحدات الصندوق بالتقسيط خلال فترة زمنية من تنظيم استرداد كل أو بعض رأس المال وفق شروط معينة.
*تمتعها بالشفافية والإفصاح لإدارة الصناديق مثل القرارات للمستثمر- المدير- المؤسس.
*تشمل مجموعة من الأنواع المتنوعة تعطي مرونة للمستثمرفي اختيار النوع الذي يناسب ظروفه.
*الإشراف الرقابي الحكومي - المالي - الأجهزة المختصة على هذه استثمار الصناديق الاستثمارية.
رابعا: مفهوم صناديق المؤشرات المتداولة بالبورصة
تعرف صناديق المؤشرات المتداولة كأداة استثمارية مصمّمة خصيصًا لمتابعة مؤشر ما أو قطاع نشاطي معيّن، بحيث تكون كل وثيقة عبارة عن سلّة تحتوي على مجموعة من الأوراق المالية المتداولة في بورصة وسوق مالي معين على أن تكون هذه الشهادات قابلة للتداول في البورصة بنفس طريقة الأسهم العادية المعتادة.
خامسا: مفهوم صناديق الاستثمار الإسلامية
تعرفها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بالبحرين، أنها تمثل صناديق الاستثمار، وهي أوعية استثمارية مستقلة في ذمتها المالية عن الجهات المنشئة لها تتكون من مساهمات في صورة أسهم أو وحدات متساوية تمثل ملكية أصحابها في الموجودات مع استحقاق الربح أوتحمل الخسارة وتدار بالمضاربة أوالوكالة ومن الناحية الشرعية من حيث طبيعة العلاقة بين إدارة الصندوق وأصحاب وحداته، كذلك طبيعة أدوات تجميع المدخرات وصيغ توظيف هذه المدخرات كعقد مضاربة بين إدارة الصندوق (رب العمل)، التي تقوم بالعمل فقط وبين المكتتبين فيه ( رب المال) فيدفعون مبالغ نقدية معينة لإدارة الصندوق التي تمثل دور المضارب، فتقوم بتجميع حصيلة الاكتتاب التي تمثل رأسمال المضاربة وتعطي للمكتتبين صكوكا بقيمة معينة تمثل لكل منهم حصة شائعة في رأسمال الذي تقوم الإدارة باستثماره بطريق مباشر في مشروعات حقيقية مختلفة ومتنوعة أو بطريق غيرمباشر كشراء وبيع الأصول والأوراق المالية كالأسهم، ثم توزيع الأرباح المحققة حسب نشرة الاكتتاب المقررة.
سادسا: تقسيمات الصناديق الاستثمارية
الصندوق الاستثماري يتم إنشاؤه ويمارس أعماله وفقا لأحكام قانون الأوراق المالية والأنظمة والتعليمات والقرارات الصادرة بمقتضاه، بهدف الاستثمار في محفظة أوراق مالية أو أصول مالية أخرى لتوفيرالإدارة المهنية للاستثمارات الجماعية، وذلك بالنيابة عن حملة الأسهم أوالوحدات الاستثمارية، لذلك هناك اعتبارات عدة في تقسيم أنواع الصناديق الاستثمارية، ومنها الهيكل التمويلي والغرض من الاستثمار، ومن ناحية عنصر الأمان، ولكن النوع الهيكلي منها كالتالي:-
*(صناديق الاستثمارالمغلقة) قنوات استثمار مقصورة على فئة مختارة من المستثمرين، حيث يتم فيها إصدارعدد ثابت من الوثائق (الوحدات) يتم توزيعها على المستثمرين فيها، كل حسب حصته ولهذه الصناديق المغلقة عادة هدف محدد ومدة محددة يصفى بعدها الصندوق وتوزع عائداته على المستثمرين، ولايجوز لمالكي هذه الوثائق استرداد قيمتها إلا عن طريق سوق الأوراق المالية.
*(صناديق الاستثمارالمفتوحة) الصناديق التي تبقى مفتوحة للدخول والخروج دون تحديد لحجم الموارد المالية المستثمرة ولا لعدد الوثائق (الوحدات) المصدرة منها، وبإمكان المستثمر شراء وحدات كما يمكنه بيعها بعد إخطار، حيث إن إدارة هذه الصناديق تكون على استعداد لإعادة شراء ما أصدرته من وثائق إذا رغب أحد المستثمرين في بيعها جزئياً أو كليا.
*(صناديق الاستثمار المتخصصة) الصناديق التي تستثمر في قطاع معين أو نشاط معين (العملات -السلع - النفط - الاستثمارات - العقارية) أن تحدد استثماراتها في دولة محددة وتهدف عادة هذه الصناديق إلى تحقيق ربح رأسمالي على المدى القصير، لذلك نجد أن أسعارها متقلبة وأكثر مخاطرة.
سابعا : أنواع الصناديق الاستثمارية الإسلاميّة
تعتبرصناديق الاستثمار الإسلامية إحدى المؤسسات المالية الإسلامية التي تتولى تجميع أموال المستثمرين في صورة وحدات أو صكوك استثمارية ويعهد بإدارتـها إلى جهة من أهل الخبرة والاختصاص لتوظيفها وفقاً لصيغ الاستثمارالإسلامية المناسبة، على أن يتم توزيع صافي العائد فيما بينهم حسب الاتفاق ويحكم كافة معاملاتـها أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية والقوانين والقرارات والتعليمات الحكومية واللوائح والنظم الداخلية وانوعها كالتالي:-
*(صناديق الأسهم الإسلاميّة) يقوم الصندوق باختيار الشركات التي يكون أساس نشاطها مباحاً واستبعاد دخل الشركات التي تكون أسهمها في الصندوق إيرادات مختلطة مثل الفوائد المصرفيّة، إضافة إلى التقيّد بشروط صحّة البيع وأن يتقيد بشروط الصرف في حالة النقود.
*(صناديق السلع) يكون نشاطها الأساسي شراء السلع بالنقد ثم بيعها بالآجل بإدارة جهات متخصصة معتمدة في تنفيذ عمليات الصندوق بأجر والسلع التي يكون لها أسواق بورصة منظمة مثل (الألومنيوم - النحاس - البترول)، ويقتصرالتعامل بالسلع المباحة، والتي يجوز شراؤها بالنقد وبيعها بالآجل ويُستثنى من ذلك الذهب والفضة وتعمل بصيغة البيع الآجل أو المرابحة أو السلم.
( صناديق التأجير) عقد الإجارة عقد محلّه منافع أصل قادرة على توليد المنافع ويعتمد عمل صناديق التأجيرعلى امتلاك الصندوق للأصول المؤجرة مثل (المعدات - السيارات - الطائرات والعقارات).
( ذات رأس المال المأمون) يقوم الصندوق بالاستجابة لرغبات المستثمرين الذين يفضلون الجمع بين الأرباح العالية والمخاطر المتدنية.
زيتونتي ماتت.. وبقيت أنا !
الهوينا كان يمشي، هنا فوق رمشي، اقتلوه بهدوءٍ، وأنا أهديه نعشي...... صدق القائل ومِنَ الحُبِ ما قَتل، هذا... اقرأ المزيد
225
| 31 أكتوبر 2025
بيد الوالدين تُرسم ملامح الغد
تُعتبر الأسرة الخلية الأولى في المجتمع وأحد أهم العوامل المؤثرة في بناء شخصية الطفل، حيث تُسهم في تكوين... اقرأ المزيد
222
| 31 أكتوبر 2025
الخطأ في تشخيص حالات التوحد (ASD)
ظهرت للأسف من قبل أخصائيين غير مدربين على كفاءة وضمير مهني التجارة بمسمى العلاج وعدم الإدراك والفهم والوعي... اقرأ المزيد
186
| 31 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6678
| 27 أكتوبر 2025
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع تحت وهج الشمس، تُقاد من بعيدٍ بإشاراتٍ باردةٍ لا تعرف الرحمة. تطير ولا تفكر، تضرب ولا تتردد، تعود أحيانًا أو ربما تنتحر. لا فرحَ بالنصر، ولا ندمَ على الدم. طائراتٌ بلا طيارٍ، ولكنها تذكّرنا بالبشر الذين يسيرون على الأرض بلا وعيٍ ولا بوصلة. لقد صار في الأرض مسيَّراتٌ أخرى، لكنها من لحمٍ ودم، تُدار من وراء الشاشات، وعبر المنصات، حيث تُضغط أزرار العقول وتُعاد برمجتها بصمتٍ وخُبث. كلاهما – الآلة والإنسان – مُسيَّر، غير أن الثانية أخطر، لأنها تغتال العقل قبل الجسد، وتُطفئ الوعي قبل الحياة، وتستهدف الصغير قبل الكبير، لأنه الهدف الأغلى عندها. تحوّل الإنسان المعاصر شيئًا فشيئًا إلى طائرةٍ بشريةٍ بلا طيار، يُقاد من برجٍ افتراضي لا يُرى، اسمه “الخوارزميات”، تُرسل إليه الأوامر في هيئة إشعاراتٍ على هاتفه أو جهازه الذي يعمل عليه، فيغيّر مساره كما تُغيّر الطائرة اتجاهها عند تلقّي الإشارة. يغضب حين يُؤمر، ويُصفّق حين يُطلب منه التصفيق، ويتحدث بلسان غيره وهو يظن أنه صوته. صار نصفه آليًّا ونصفه الآخر بشريًّا، مزيجًا من لحمٍ وإشارة، من شعورٍ مُبرمجٍ وسلوكٍ مُوجَّه. المسيرة حين تُطلِق قذيفتها أو تصطدم تُحدث دمارًا يُرى بالعين، أمّا المسيرة البشرية فحين تُطلِق كلمتها تُحدث دمارًا لا يُرى، ينفجر في القيم والمبادئ، ويترك رمادًا في النفوس، وشظايا في العقول، وركامًا من الفوضى الأخلاقية. إنها تخترق جدران البيوت وتهدم أنفاق الخصوصية، وتصنع من النشء جنودًا افتراضيين بلا أجر، يحملون رايات التدمير وهم يظنون أنهم يصنعون المجد. المسيرة المعدنية تحتاج إلى طاقةٍ لتطير، أمّا المسيرة البشرية فتحتاج فقط إلى “جهلٍ ناعمٍ” يجعل أفئدتها هواءً. ويُخيَّل للمرء أن العالم بأسره قد صار غرفةَ تحكّمٍ واحدة، تُدار بمنهجٍ وفكرٍ وخطة، وأننا جميعًا طائراتٌ صغيرة تدور في مساراتٍ مرسومة، لا تملك حرية رفرفة جناحٍ واحدةٍ خارج هذه الحدود. من يملك الإعلام يملك السماء، ومن يملك البيانات يملك العقول، ومن يملك كليهما، هنا يكمن الخطرُ كلُّه. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: كيف نحمي أبناءنا ومجتمعاتنا من أن يصبحوا مسيَّراتٍ بشريةً أخرى؟ كيف نُعيد إليهم جهاز الملاحة الداخلي الذي خُطِف من أيديهم؟ الجواب يبدأ من التربية الواعية التي تُعلّم الطفل أن يسأل قبل أن يُصدّق، وأن يتحقّق قبل أن ينقل، وأن يفكّر قبل أن يحكم. نحتاج إلى مؤسساتٍ وهيئاتٍ تُنمّي مهارة التفكير النقدي، وإعلامٍ يُحرّر لا يُبرمج، وأُسَرٍ تُعلّم أبناءها التمييز بين الصوت الحقيقي وضجيج التقليد، وبين المنابر الحرة والخُطب المصنوعة. فالوعي لا يُوهَب، بل يُصنَع بالتجربة والتأمل والسؤال. ثم تأتي القدوة الحيّة، فالمجتمع لا يتغيّر بالمواعظ فقط، بل بالنماذج. حين يرى الجيل من يفكّر بحرية، ويتحدث بمسؤولية، ويرفض الانقياد الأعمى، سيتعلم أن الحرية ليست في كسر القيود، بل في معرفة من صنعها ولماذا. وأخيرًا، علينا أن نُعلّم أبناءنا أن التحكم في النفس أعظم من التحكم في آلة. فشخصٌ واحد قد يصنع مئات الآلات، ولكن آلاف الآلات لا تصنع إنسانًا واحدًا. ليست كل حربٍ تُخاض بالسلاح، فبعضها تُخاض بالعقول. والمنتصر الحقيقي هو من يبقى ممسكًا بجهاز تحكمه الداخلي، مستقلًّا لا يتأثر بالموجِّهات والمُشوِّشات. إن إنقاذ الجيل لا يكون بإغلاق السماء، بل بتنوير العقول. فحين يتعلم الإنسان كيف يطير بوعيه، لن يستطيع أحد أن يُسيّره بعد اليوم أو يُسقطه.
2751
| 28 أكتوبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق بالحياة، تملؤه الأصوات وتشتعل فيه الأرواح حماسةً وانتماء. اليوم، صار صامتًا كمدينةٍ هجرتها أحلامها، لا صدى لهتاف، ولا ظلّ لفرح. المقاعد الباردة تروي بصمتها حكاية شغفٍ انطفأ، والهواء يحمل سؤالًا موجعًا: كيف يُمكن لمكانٍ كان يفيض بالحب أن يتحول إلى ذاكرةٍ تنتظر من يوقظها من سباتها؟ صحيح أن تراجع المستوى الفني لفرق الأندية الجماهيرية، هو السبب الرئيسي في تلك الظاهرة، إلا أن المسؤول الأول هو السياسات القاصرة للأندية في تحفيز الجماهير واستقطاب الناشئة والشباب وإحياء الملاعب بحضورهم. ولنتحدث بوضوح عن روابط المشجعين في أنديتنا، فهي تقوم على أساس تجاري بدائي يعتمد مبدأ المُقايضة، حين يتم دفع مبلغ من المال لشخص أو مجموعة أشخاص يقومون بجمع أفراد من هنا وهناك، ويأتون بهم إلى الملعب ليصفقوا ويُغنّوا بلا روح ولا حماسة، انتظاراً لانتهاء المباراة والحصول على الأجرة التي حُدّدت لهم. على الأندية تحديث رؤاها الخاصة بروابط المشجعين، فلا يجوز أن يكون المسؤولون عنها أفراداً بلا ثقافة ولا قدرة على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا كفاءة في إقناع الناشئة والشباب بهم. بل يجب أن يتم اختيارهم بعيداً عن التوفير المالي الذي تحرص عليه إدارات الأندية، والذي يدل على قصور في فهم الدور العظيم لتلك الروابط. إن اختيار أشخاص ذوي ثقافة وطلاقة في الحديث، تُناط بهم مسؤولية الروابط، سيكون المُقدمة للانطلاق إلى البيئة المحلية التي تتواجد فيها الأندية، ليتم التواصل مع المدارس والتنسيق مع إداراتها لعقد لقاءات مع الطلاب ومحاولة اجتذابهم إلى الملاعب من خلال أنشطة يتم خلالها تواجد اللاعبين المعروفين في النادي، وتقديم حوافز عينية. إننا نتحدث عن تكوين جيل من المشجعين يرتبط نفسياً بالأندية، هو جيل الناشئة والشباب الذي لم يزل غضاً، ويمتلك بحكم السن الحماسة والاندفاع اللازمين لعودة الروح إلى ملاعبنا. وأيضاً نلوم إعلامنا الرياضي، وهو إعلام متميز بإمكاناته البشرية والمادية، وبمستواه الاحترافي والمهني الرفيع. فقد لعب دوراً سلبياً في وجود الظاهرة، من خلال تركيزه على التحليل الفني المُجرّد، ومخاطبة المختصين أو الأجيال التي تخطت سن الشباب ولم يعد ممكناً جذبها إلى الملاعب بسهولة، وتناسى إعلامنا جيل الناشئة والشباب ولم يستطع، حتى يومنا، بلورة خطاب إعلامي يلفت انتباههم ويُرسّخ في عقولهم ونفوسهم مفاهيم حضارية تتعلق بالرياضة كروح جماهيرية تدفع بهم إلى ملاعبنا. كلمة أخيرة: نطالب بمبادرة رياضية تعيد الجماهير للمدرجات، تشعل شغف المنافسة، وتحوّل كل مباراة إلى تجربة مليئة بالحماس والانتماء الحقيقي.
2352
| 30 أكتوبر 2025