رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. جاسم الجزاع

* باحث وأكاديمي كويتي
[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

513

د. جاسم الجزاع

صراع الظل: كيف تفكك السياسة مفاصل الإدارة؟

18 ديسمبر 2024 , 02:00ص

لا ينكر عاقل أن الأزمات السياسية تعد واحدة من أبرز التحديات التي تواجه المؤسسات الحكومية العربية، إذ تؤثر على الأداء الإداري والمؤسسي للحكومات العربية، وتنعكس سلبًا على الكفاءة والفعالية داخل هذه المنظمات. وهذه الأزمات تتنوع ما بين صراعات سياسية داخلية، أو تغييرات حكومية متكررة، أو حتى ضغوط خارجية من قبل القوى العالمية المؤثرة في القرارات العربية فتُعطل استقرار العمل الإداري الحكومي، مما يمتد تأثيره ليشمل جميع مستويات الإدارة بدءًا من الموظفين الصغار وصولًا إلى القيادات العليا.

ففي أوقات الأزمات السياسية الحادة، تصبح عملية اتخاذ القرار السياسي والإداري بطيئة وغير فعالة، حيث يتردد المسؤولون في المنظمات والمؤسسات العربية في اتخاذ قرارات حاسمة خوفًا من ردود فعل غير متوقعة أو تغييرات قد تهدد مناصبهم أو منافعهم أو وجودهم التنظيمي، مما يؤدي إلى تأخير تنفيذ المشاريع وتعطيل تقديم الخدمات العامة، وبالتالي تراجع مستوى الخدمة وتقليل ثقة المواطنين في المؤسسة الحكومية. وعلى سبيل المثال، قد يتم تجميد مشروعات البنية التحتية أو تطوير المرافق الصحية والتعليمية بسبب التخوف من التبعات السياسية أو اتهامات بالفساد.

كما تُعرِّض هذه الأزمات السياسية الموظفين لحالة من القلق وعدم الاستقرار الوظيفي لغموض الظروف السياسية، حيث يتسبب التغيير المتكرر وغير المنطقي في القيادات في خلق بيئة عمل غير آمنة نفسيًا بالنسبة للموظف العام. وهذا الوضع ينعكس سلبًا على دافعيتهم للعمل ويزيد من معدلات التسرب الوظيفي والإضرابات والاحتجاجات والتسخط الإداري، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تراجع الإنتاجية وحدوث أخطاء وتخبطات إدارية نتيجة قلة التركيز والضغط النفسي المتزايد على الموظف العام. وبالإضافة إلى ذلك، ينتشر الفساد الإداري بشكل أكبر خلال الأزمات السياسية، حيث تستغل بعض الفئات النافذة الوضع السياسي الهش لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة، وقد تُمنح العقود والمناقصات لشركات غير مؤهلة أو تفتقد الكفاءة، مما يهدر الموارد المالية ويقوّض جهود التنمية التي تسعى لها الأنظمة العربية.

وأيضا نجد أن التوترات السياسية تجعل المؤسسات الحكومية تعاني من صعوبة التخطيط الاستراتيجي وصياغته، حيث تصبح السياسات متغيرة والأهداف غير ثابتة، مما يعوق وضع وتنفيذ خطط طويلة الأمد. وبدلاً من ذلك، ينصب التركيز على إدارة الأزمات الفورية والحالية، مما يحد من الابتكار والإبداع والتطوير الإداري ويجعل المؤسسات العربية غير قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية وتحسين جودة خدماتها ورسم خطوط السياسات العامة. وأيضا تؤدي الانقسامات السياسية إلى خلق صراعات داخلية بين الإدارات الحكومية، خاصة إذا كانت هناك انتماءات سياسية متضاربة أو محسوبيات أو شللية، وهذا يُضعف التعاون المؤسسي ويؤدي إلى تعقيد الإجراءات في المؤسسات ويفشل منظومة العمل الجماعي ويعطل المشروعات المشتركة.

فالأزمات السياسية ليست مجرد تحديات عابرة؛ بل هي عوامل معقدة ومتشابكة تؤثر على بنية المؤسسات الحكومية العربية وأدائها اليومي. ومن الضروري أن تعمل الحكومات على تعزيز الاستقرار المؤسسي السياسي، وضمان استقلالية الإدارة عن الصراعات السياسية، وتبني معايير الشفافية والحوكمة الرشيدة أو الحكم الرشيد، وتوفير بيئة عمل تدعم الابتكار والعدالة، فالتغلب على هذه الأزمات السياسية يُسهم في بناء مؤسسات قوية قادرة على خدمة المواطنين بفعالية وتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز ثقة المجتمع في الحكومة ودعم استقرار الدولة وتقدمها.

مساحة إعلانية