رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

البروفيسور د. أحمد أويصال

أستاذ العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول
 

مساحة إعلانية

مقالات

918

البروفيسور د. أحمد أويصال

الفجوة الرقمية والتعليم

18 سبتمبر 2024 , 02:00ص

يُعَدّ التعليم من أهم العوامل التي تؤثر في الحراك الاجتماعي داخل المجتمعات الحديثة. ورغم الاهتمام الكبير الذي توليه هذه المجتمعات للتعليم، إلا أن طول فترة التعليم وارتفاع تكاليفها يحد من قدرة الجميع على الوصول إلى المستوى التعليمي المطلوب. إذا لم تعمل الدولة على تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص للأطفال الفقراء، فإنهم سيظلون عالقين في دائرة الفقر، بينما يواصل الأطفال الأغنياء الاحتفاظ بمكانتهم المادية. وينطبق الأمر ذاته على مستوى الدول؛ إذ تستثمر الدول الغنية بشكل أكبر في التعليم، مما يسمح لها بالانتقال إلى اقتصادات ذات قيمة مضافة عالية، في حين تبقى الدول الفقيرة محصورة في الأعمال التي تعتمد على العمالة الرخيصة.عند ظهور الإنترنت لأول مرة، ساد تفاؤل واسع بأنه سيساهم في إزالة الفجوة التعليمية بين الأغنياء والفقراء، سواء على مستوى الأفراد أو الدول. حيث كان الاعتقاد السائد أن الإنترنت سيكون متاحًا للجميع بسهولة، مما سيحقق فرصًا متكافئة في التعليم. ومع ذلك، سرعان ما اتضح أن انتشار الإنترنت لم يكن متساويًا بين الجميع، بل أدى إلى تعميق الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة. وبنفس الطريقة، تزايدت الفوارق بين الطبقات الغنية والفقيرة داخل نفس الدولة.أطلق علماء الاجتماع على هذه الظاهرة مفهوم «الفجوة الرقمية»، وهي تعبر عن التفاوت بين الأفراد الذين لديهم إمكانية الوصول إلى أجهزة الحاسوب والهواتف المحمولة والإنترنت، وبين من يفتقرون إلى هذه الإمكانية. ومع الانتشار الواسع لشبكات التواصل الاجتماعي وظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبحت هذه الفجوة أعمق. في مجالات التعليم والعمل وحتى السياسة، بات الأفراد الذين يستطيعون الوصول إلى الإنترنت والمعلومات يتمتعون بمزايا تفوق بكثير أولئك الذين لا يملكون نفس الفرصة.

تتأثر الفجوة الرقمية بعوامل مثل مستوى التعليم، مستوى الدخل، والفروقات الإقليمية، مما تؤدي إلى تأثيرات متفاوتة على فئات المجتمع المختلفة، بما في ذلك الجنس، العمر، والعرق. فلدى الرجال فرص أكبر للوصول إلى الإنترنت مقارنةً بالنساء، بينما تكون مهارات كبار السن في استخدام الإنترنت أقل من الشباب، وتعاني المجموعات السوداء من فرص أقل للوصول إلى الإنترنت بسبب الفقر والتمييز العنصري. هذه التباينات تؤثر بشكل مباشر على نجاحهم في مجالات التعليم وسوق العمل. أثناء جائحة كوفيد- 19، برزت أهمية الوصول إلى الإنترنت مجددًا عندما أصبح التعليم عن بعد ضروريًا. وبينما تلقى الشباب تعليمهم في المنازل لمدة تقارب السنة والنصف، كان الذين يتمتعون بإمكانية الوصول إلى الإنترنت في وضع أفضل بكثير من غيرهم. فقد تمكن الطلاب الذين لديهم إنترنت من متابعة دروسهم عبر الإنترنت بسهولة، وأداء واجباتهم باستخدام المصادر المتاحة. ومع ذلك، فإن الطلاب الذين لم يكن لديهم إمكانية الوصول إلى الإنترنت بسبب الفقر أو أولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية، كانوا بعيدين ليس فقط عن معلميهم، بل أيضًا عن مصادر المعلومات.خلال فترة كورونا، كانت معرفة الوالدين بأساسيات الإنترنت مهمة جدًا في تكيُّف الأطفال وتطورهم التعليمي. إذ شكل استخدام تطبيقات مثل «زووم» وغيرها من المصادر الرقمية تحديًا كبيرًا، خاصة للأطفال الصغار ووالديهم. من جهة أخرى، يعاني بعض الشباب الذين يقضون أوقاتًا طويلة على الإنترنت من مشكلات مثل إدمان الإنترنت والألعاب، وهي مشكلات تظهر بشكل أكبر لدى الأطفال الأثرياء.

هناك جهود تُبذل لتحسين الوصول الرقمي في المدارس. وعلى الرغم من أن الحكومات تسعى لضمان وصول الجميع إلى الإنترنت، فإن ذلك ليس سهلاً. فالقدرة على شراء أجهزة الكمبيوتر أو الهواتف المحمولة ليست متاحة للجميع بنفس السهولة. وللتغلب على هذا العائق في تركيا، قامت الحكومة بتوزيع أجهزة لوحية على طلاب التعليم الثانوي، وقدمت وزارة التعليم والمؤسسات الحكومية الأخرى مصادر تعليمية مجانية. على الصعيد العالمي، بدأ مشروع توزيع الأجهزة اللوحية على الدول الفقيرة تحت رعاية الأمم المتحدة لمحاولة سد الفجوة الرقمية، ولكن تأثيره كان محدودًا للغاية. قطر تساعد أيضًا الدول الفقيرة في التعليم الرقمي لكن توفير أجهزة الكمبيوتر لجميع الطلاب الفقراء في العالم هو أمر مستحيل. علاوة على ذلك، لا تزال هناك مناطق في إفريقيا تفتقر إلى الكهرباء، ناهيك عن الوصول إلى الإنترنت. نفس المشكلة تواجهها المناطق المتضررة من النزاعات مثل غزة والسودان بعد تدمير البنية التحتية التعليمية، مما يعيق حتى التعليم التقليدي، فضلاً عن التعليم الرقمي. باختصار، تجاوز سد الفجوة الرقمية لن يكون مهمة سهلة بالنسبة للجميع.

مساحة إعلانية