رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منى الجهني

[email protected] 

مساحة إعلانية

مقالات

207

منى الجهني

عتبات الروح

18 يونيو 2025 , 02:00ص

في حياة كل إنسان لحظات لا تُقال فيها الكلمات بصورة مباشرة، لسبب ما ويكون التلميح الذي من خلاله تصل الرسالة المطلوبة ويستخدم هذا الأسلوب في الحياة العامة عموما.

حين أتى إبراهيم عليه السلام لزيارة ابنه إسماعيل فلم يجده، استقبلته زوجته، فشكا لها حالهم وسألها عن الحياة، فشكت له الضيق والجوع وسوء العيش، دون امتنان ولا حمد. فطلب منها إبلاغ ابنه أن يغير عتبة بابه فلما عاد إسماعيل، أوصلت له زوجته كلام الأب، فقال: «ذاك أبي، وقد أمرني أن أغير عتبة بابي». ففهم أنه أمر بالفراق، وطلقها.

رسالة ظاهرها بسيط، لكنها في جوهرها إعلان عن ضرورة تغييرٍ جذري… في العلاقة، في الاختيار، وربما في المصير كله. فماذا تعني “العتبة”؟ ولماذا تغيّر؟ وكيف صارت هذه الحكاية رمزاً خالدًا لضرورة التغيير حين تفسد القيم أو تتغير البدايات؟

العتبة في ظاهرها الخشبة على باب المنزل، لكن بمعنى أعمق هي المدخل إلى الحياة، إلى البناء، إلى السلام الداخلي، قد تكون العتبة رمزا للزوجة، لأسلوب حياة، للنية، للبوابة النفسية لأي علاقة أو مشروع أو دراسة.

وبالمقابل حين تكون العتبة مهترئة ولا تحتمل العابرين، العتبات التي تجلب الخسائر فلابد من استبدالها... وذلك للتصحيح.

وفي هذا السياق لم يكن سيدنا إبراهيم قاسيًا، بل كان حكيمًا. فليس الفقر ما يُعاب، بل الجحود. لكن الشكوى لا تليق بمن يسكن مع نبيٍّ ويطمح إلى الخير.

تغيير “العتبة” لم يكن نهاية، بل بداية. والنتيجة لم تكن فقط سعادة فردية، بل تأسيس بيتٍ نَبوي يُستقبل فيه الوحي، ويُبنى فيه مشروع أمة. في زمننا هذا، كم من علاقات تحتاج إلى مراجعة عتباتها؟ كم من شراكة فشلت لأن أحد الأطراف لم يكن أهلًا لتحمّل الصعاب؟ كم من علاقات سامة نُبقيها لمجرد الخوف من التغيير؟ وكم من مشاريع أو صداقات أو أعمال تعثرت لأن العتبة التي بدأنا منها لم تكن مستقيمة أو نظيفة؟ وكم من قيم تربوية فسدت، وجب تغيير أساسها؟ وكم من العتبات التي واجهتها بنفسك التي تؤخر، أو تؤذي، أو ترفض التحول.

اليوم، قد تلاحظ أن التغيير الظاهري المؤلم قد يحمل في داخله خيرًا لا يُدركه الإنسان فورًا، أن الصبر على المشقة قد يتبعه تغيير نحو الأفضل.

في لحظةٍ ما، عليك أن تقرر بين البقاء عند الباب، أو تغييره نهائيًا. لن يتغير شيء ما لم تغير شيئًا بداخلك، في العمل في الصداقة وغير ذلك.

في مجتمعاتنا العربية، كثيرًا ما يُنظر إلى الاستمرار في علاقات متعبة، أو مشاريع فاشلة، أو العادات، أو البيئات غير الملائمة، التي نتمسك بها بدافع الإخلاص، وتُوصف المجاهرة بالتغيير بأنها خيانة أو تسرع بل هو وعي بالذات، وتحرر من قيود من وهم.

علم النفس يُخبرنا أن الإنسان كثيرًا ما يؤجل التغيير بسبب الشعور بالذنب، ومنطقة الراحة التي يسكنها اليوم، والخوف من المجهول.

أحيانا تأتي مرحلة تغيير العتبات نتيجة خلال رحلة الإنسان نحو النضج، التي بمراحل لا تُقاس بالأعوام، بل بالقرارات.

«غيّر عتبة بابك» … تلك لحظة التحول التي تؤسس لبداية جديدة، لم تكن مجرد وصية من أب لابنه، بل كانت درسًا خالدًا إلى اليوم.

إنها تلك اللحظات التي لا تُعلن بضجيج، ولا ترافقها خطابات وداع، بل تتم غالبًا حين تقرر أن ذلك الأمر، لم يعد يليق بروحك القادمة.

المشكلة لا تكمن في الأبواب، بل في العتبات، فإن كانت العتبة لا تليق ببابك، “غيِّر عتبة بابك»، ليس كل تغيير يعني الهدم، ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾.

كل هذا وبيني وبينكم.

اقرأ المزيد

alsharq في غزة.. الهدوء ليس استراحة

في غزة، ليس ثمة خيارات متاحة بالمعنى المألوف للكلمة، ولا مسارات آمنة يمكن أن يسلكها المرء ليتفادى كلفة... اقرأ المزيد

27

| 06 أكتوبر 2025

alsharq أكتوبر 73 بين الانتصارات وتخطي الإحباطات

يأتي الاحتفال بانتصارات حرب أكتوبر 1973 والعالم العربي يعيش حالة من الإحباطات منذ طوفان الأقصى في السابع من... اقرأ المزيد

36

| 06 أكتوبر 2025

alsharq الطوفان الرقمي.. من يغرق ومن يعوم في بحر البيانات الضخمة؟

لم تعد ثورة البيانات الضخمة Big Data مجرد انعكاس للتحول الرقمي الذي شهده العالم في العقود الأخيرة، بل... اقرأ المزيد

36

| 06 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية