رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

هديل رشاد

صحفية فلسطينية

مساحة إعلانية

مقالات

555

هديل رشاد

بين صاحب الأرض والطارئ المحتل

18 يونيو 2025 , 02:00ص

عرَّى التصعيد العسكري المجتمع الإسرائيلي الذي بدأ عبر الموانئ الواقعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة في هرتسليا، حيفا وعسقلان مغادرة إسرائيل سراً عبر البحر، بعضهم يعترف، وبعضهم يخفي، وجميعهم يهرب لقبرص، ومنها إلى أي مكان آخر إلا «إسرائيل»..هذا الوطن الزائف الذي تهاوى تحت أول اختبار حقيقي، حيث تشير التقارير إلى أن قادة اليخوت يؤمنون الرحلات سراً نزولا على طلب المهاجرين على متنها بمبالغ تتراوح بين 713 دولارا أمريكيا إلى 1712 دولارا.

وقد تكرر المشهد مع بدء العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة في أكتوبر 2023، حيث هاجر قرابة نصف مليون إسرائيلي خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال الأشهر الستة الأولى من الحرب، وأفادت مصادر حكومية بأن 40.600 إسرائيلي غادروا خلال أول سبعة أشهر من 2024، بزيادة 59 % عن العام السابق.

التصعيد الأخير هزّ المجتمع الإسرائيلي من الداخل، حيث اختفى الشعور بالسيطرة، تساقطت الهالة الأمنية، وظهر كم أن البنية النفسية لمجتمعهم الهش لا تحتمل الضغط، ولا تُجيد البقاء حين يصبح الوجود مهدداً، في المقابل تجد الفلسطيني صاحب الأرض الذي هُجرَّ قسراً من أرضه عام 1948، وقُتل وشُرّد واعتُقل وعذب أمام أطفاله، لم يتراجع عن حق المواطنة في أرضه وأرض أسلافه، وقد يكون ما يحدث في قطاع غزة خير دليل، حيث الموت ليس استثناءً، بل قاعدة يومية، ورغم ما يكابدونه من تجويع وتهجير وتدمير للمنشآت الحيوية لا يبحث الفلسطيني عن مأوى خارج حدود وطنه، بل يبحثون عن فرصة للحياة حتى وإن كانت تحت ركام منازلهم التي شُيدت من الطين وبالكثير من الكرامة وحب الوطن.

فإذا ما استعرضنا عزيزي القارئ سوية بعض المشاهد التي تكشف صاحب الأرض من المحتل، فالمشهد الأول هناك إسرائيلي يجرّ حقيبته نحو البحر مغادرا ليس الوطن بل المواطنة الزائفة، وفي المقابل أم فلسطينية تدفن أبناءها، وتكنس حطام منزلها متشبثة بأرضها التي رُويت من دماء أبنائها الشهداء، المقارنة ليست عاطفية، بل هي حقيقية، واقعية، وموثّقة بالتاريخ وبالدم الذي أريق دفاعا عن الوطن.

هؤلاء الذين يغادرون البحر اليوم وكل يوم، جاء أسلافهم من منافذ بحرية قبل سبعة عقود بتواطؤ عالمي شرارته أفكار ثيودور هيرتزل اليهودي صاحب العرق المختلط، حتى بنوا كيانًا على أنقاض شعب، ظنّا أن قوة السلاح تخلق شرعية، وأن صفقات السياسة تصنع وطنا، إلا أن الحقيقة الواضحة كوضوح الشمس في كبد السماء هي أن صاحب الأرض الحقيقي هو القادر على التضحية، حتى لو حمل روحه على راحته فداء لحفنة تراب من وطنه، وعلى النقيض للمحتل الذي يدرك بأنَّ هذه الأرض التي يحيا عليها ليست أرضه، ولا بأي حال من الأحوال سيقدم أدنى تنازل فما بالكم لو كان الثمن روحه؟!.

* منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر 2023 وحتى 16 يونيو 2025، شنّ جيش الاحتلال أكثر من 40,000 غارة جوية على القطاع، وأطلق عشرات الآلاف من القذائف المدفعية، ما أدى إلى استشهاد ما يزيد على 48,000 فلسطيني وإصابة أكثر من 113,000 آخرين، وتدمير 70 % من البنى التحتية المدنية، بحسب تقارير موثقة من منظمات حقوقية دولية، صاحب الأرض ثبت جذوره، وأصرَّ على البقاء في أرضه، بينما الطارئ المحتل فرَّ يبحث عما يستر هشاشة انتمائه وزيف مواطنته، بل ورسالة تؤكد أنه لن يبذل أدنى تضحية لإيمانه ويقينه بأنَّ هذه الأرض ليست أرضه.

خاتمة:

في أقل من أسبوع، ظهرت هشاشة المجتمع الإسرائيلي، أمام الصمود الفلسطيني على مدار 77 عاما، ليس في وجه الاحتلال فقط، بل في وجه العالم كله حين يتواطأ، ويتجاهل، ويصمت، لهذا، حق المواطنة شعور يتَملكنا لا نمتلكه، يظهر في الشدائد، يغربل أصحاب الأرض والطارئين المحتلين.

مساحة إعلانية