رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

محمد الحبر يوسف

محمد الحبر يوسف

مساحة إعلانية

مقالات

387

محمد الحبر يوسف

حقائق تسعدنا وتبكينا

18 يونيو 2015 , 03:22ص

نشر موقع الـ(بي بي سي) على شبكة الإنترنت خبرا مطوّلا مفاده أن مجموعة من الباحثين الكنديين(من جامعة بريتش كولومبيا) قاموا بدراسة علمية حول أثر الإحسان على تعزيز الشعور بالسعادة، وخلص الباحثون بعد دراسات استعانوا فيها بمناهج البحث العلمي وآلياته الحديثة إلى أن الإنفاق والتبرع في أوجه الخير يبعث السعادة في النفس بغض النظر عن قيمة ما يتبرع به الإنسان.

قرأتُ هذا الخبر وتملكني إحساس غريب اختلط فيه الفرح بالحزن، أمّا الفرح فلأن هؤلاء الباحثين الغربيين قد توصلوا بعد دراسات إحصائية ومقارنات نفسية -أخذت حظها من الجهد والوقت والمال- إلى حقيقة قررتها الشريعة الإسلامية ونطقت بها النصوص، ودلت عليها التجارب وتناولها العلماء من قديم، فقد حدثنا نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم عن أثر الإحسان وما يتركه في الصدر من انشراح وانبساط، فقال بأبي هو وأمي (مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جُبتان من حديد من ثديهما إلى تراقيهما، فأما المنفق، فلا ينفق نفقة إلا سبغت أو وفرت على جلده حتى تخفي بنانه وتعفو أثره، وأما البخيل، فلا ينفق شيئا إلا لزقت كل حلقة مكانها، فهو يوسعها فلا تتسع) رواه الشيخان. علق الإمام ابن القيم رحمه الله على هذا الحديث الكريم بقوله:(إن الكريم المحسن أشرح الناس صدرا وأطيبهم نفسا وأنعمهم قلبا، والبخيل الذي ليس فيه إحسان أضيق الناس صدرا وأنكدهم عيشا وأعظمهم غما، ولا عبرة بانشراح صدر هذا لعارض ولا بضيق صدر هذا لعارض فإن العوارض تزول بزوال أسبابها وإنما المعول على الصفة التي قامت بالقلب توجب انشراحه وحبسه فهي الميزان).

وأما الشعور بالحزن الذي انتابني وأنا أقرأ خبر هذه الدراسة فمرده إلى أننا ما زلنا حتى اللحظة عالة على دراسات الغرب وأبحاثه سواء في مجال العلوم التطبيقية أو العلوم الإنسانية والفلسفية، نهرع إليها وتحظى منّا بحفاوة بالغة وتقدير جم، ولا تعجب إذا وجدت باحثا مسلما في علم النفس أو الاجتماع يستشهد منذ اليوم على أثر الأعمال الخيرية بما خرجت به الدراسة المشار إليها وبما قاله أحد أعضاء مجموعة الباحثين (جورج فيلدمان) اختصاصي علم النفس، ولكنه -أعني الباحث المسلم- يتحرّج ويتردد ألف مرة أن يورد في دراسته نصا لأبي حامد الغزالي أو لابن قيم الجوزية، وإن كان كلام هؤلاء الأئمة أسبق وأصدق وأعمق لا لسبب إلا الشعور بالنقص، والاحتفاء بأسماء الأوروبيين وأعمالهم مهما كانت قيمتها.

إن الافتتان بما يكتبه الغربيون مشكلة لا مخرج منها إلا إذا عززنا في نفوسنا ونفوس أبنائنا الشعور بالقدرة على التفوق، وقضينا من ثَمَّ قضاءً مبرما على عقدة النقص التي تتملكنا منذ عقود. فنحن –يا قومنا- أمة لا تنقصها العقول المفكرة، ولا الطاقات المبدعة، ولكن الذي ينقصها هو الإرادة الجازمة على استثمار هذه العقول وفتح آفاق الإبداع أمامها لتسهم في مسيرة التمكين الحضاري لأمتنا حتى لا تضطر هذه الكفاءات إلى الهجرة خارج أوطانها، فتحرم الأمة من نجبائها وتفرغ من كفاءتها القادرة، ولعل المشروع الذي طرحه اتحاد الجامعات العربي (مشروع حصر الكفاءات العربية خارج الوطن العربي) يمكن أن يكون خطوة أولى في هذا السبيل إذا قدر لأكثر من 4150 عالما مسلما يعملون الآن في مراكز البحوث الغربية أن يعودوا لأوطانهم المسلمة

مساحة إعلانية