رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

إبراهيم فلامرزي

 كاتِـبٌ وَإِعْـلاميٌّ قَـطَـرِيٌّ

مساحة إعلانية

مقالات

1986

إبراهيم فلامرزي

الدوائرُ النفسيةُ (1)

18 أبريل 2017 , 02:06ص

في تعامُلِـنا معَ الآخرينَ، يجبُ أنْ نُدركَ أنَّ كلَّ واحدٍ منهم يقفُ في مركزِ دائرةٍ نفسيةٍ يُحيطُ ذاتَـهُ بها، ويشعرُ بالأمانِ داخلَها، ويتعاملُ مع دوائرِ سواه منْ خلالِها. وتتفاوتُ هذه الدوائرُ غيرُ الـمَرئيةِ في درجاتِ قوتِها وصلابتِها نظراً لاختلافِ الأُسسِ النفسيةِ والعقليةِ لأصحابِها. ومنَ الـمُفيدِ جداً أنْ نحاولَ قراءةَ شخصياتِهِم لنتمكنَ منْ تفعيلِ دورِنا الاجتماعيِّ والإنسانيِّ ليكونَ أعظمَ تأثيراً. وسنبدأُ بالشخصيةِ العاطفيةِ.

عندما نقولُ عنْ شخصٍ إنَّـهُ عاطفيٌّ، فإنَّنا لا نقصدُ وقوعَـهُ في الغرامِ والحبِّ، وإنما نتحدثُ عن انفعالاتِـهِ وتَردُّدِ صدى الأحداثِ التي تمرُّ به في نفسِـهِ. ولنطرحِ الأمرَ في نقاطٍ:

1) العاطفيُّ، شخصٌ تُؤثِّـرُ فيه الأحداثُ بشدةٍ أعظمَ منْ تأثيرِها في سواه. فهو يتألَّمُ لأمورٍ تتعلقُ بمن يحبُّهُم، كعذابِـهِ الدائمِ الذي يُصَدِّعُ فؤادَهُ لبكاءِ أمِّهِ الـمريرِ في طفولتِـهِ البعيدةِ. ولأمورٍ لا تتعلقُ به شخصياً، كأنْ يُحْدِثَ منظرُ طفلٍ فقيرٍ في أقاصي الأرضِ جُرحاً غائراً في قلبِـهِ لا يندملُ بمرورِ الأيامِ.

2) قد يُقالُ: إنَّ الجميعَ يتأثرونَ، فأقولُ: نعم. لكنَّ العاطفيَّ لا يُـوَجِّـهُ تَأثُّـرَهُ إلى الخارجِ محاولاً تغييرَ الأمورِ، وإنما يقومُ بتوجيهِها إلى داخلِـهِ لتتعاظمَ يوماً فيومٍ، ويعيشُ مواجعَها طوالَ عُمرِهِ. وهنا، نلاحظُ أنَّـهُ يميلُ للعزلةِ عنِ الناسِ، رغمَ حبِّـهِ وتَمَنِّـيهِ الخيرَ لهم، لأنَّه، حينَ يُخالطُهُم، يشعرُ بالقلقِ بسببِ الفجوةِ بين انفعالاتِهِ وانفعالاتِهِم، فيندفعُ للعُزلةِ من جديد.

3) يتميَّزُ العاطفيُّ بحِـسٍّ أخلاقيٍّ رفيعٍ يدفعُهُ للالتزامِ الدينيِّ، قولاً وعملاً، ويجعلُهُ يعيشُ صراعاً داخلياً بين شعورِهِ بألامِ الآخرينَ وشعورِهِ بعدمِ قدرتِـهِ على تقديمِ ما يُخَـفِّفُها، رغم إدراكِـهِ أنَّ الأمرَ لا يدَ له فيه.

4) العاطفيُّ إنسانٌ ذو ميولٍ أدبيةٍ وفنيةٍ تبدأُ باهتمامِـهِ بتسجيلِ يومياتِـهِ أو الأحداثِ التي يراها مهمةً في حياتِـهِ، ثم تظهرُ في كتابةِ القصةِ، والروايةِ، والشعر، والخواطر، وفي تأثُّرِهِ الشديدِ بالـموسيقى والغناءِ.

5) منَ الأمورِ التي تُميِّزُ العاطفيَّ أنَّـهُ سريعُ الخضوعِ لإراداتِ الآخرينَ، لنفورِهِ من مجردِ التفكيرِ بالتصادُمِ بين إرادتِـهِ وإراداتِهِـم لخوفِـهِ من التَّسببِ لهم بألمٍ يُثْـقِـلُ ضميرَهُ الحيَّ بمواجعَ جديدةٍ.

لابد من التنبيهِ إلى أنَّ بعضَ الآباءِ والأُمهاتِ لا يبالونَ بالجانبِ النفسيِّ في تكوينِ شخصياتِ أبنائِهِم، فنجدُهُم يُعاملونَهُم جميعاً بنفسِ الطريقةِ التي تستندُ إلى الإساءةِ اللَّفظيةِ، وقد تصلُ، أحياناً، إلى العنفِ الجسديِّ. وإذا كان الطفلُ عاطفياً، فإنَّ ذلكَ سَيُوَلِّدُ في نفسِـهِ شعوراً بالظلمِ، وسيرى الآخرينَ قُساةً لا عواطفَ حقيقيةً في نفوسِـهِم، فتزدادُ ميولُـهُ للعزلةِ، وتتعاظمُ ألامُـهُ لـما يُصيبُـهُ ويُصيبُ سواه، وتتكونُ له شخصيةٌ مُتطرفةٌ في انفعاليتِـها ولا فاعليتِها. أيْ أنَّـهُ سيكونُ شخصاً سلبياً في حياتِـهِ، لا قُدرةَ نفسيةً عندَهُ تُمَكِّنُـهُ منَ الـمبادرةِ، ولا شجاعةَ أدبيةً تُساعدُهُ في إبداءِ آرائِـهِ والدفاعِ عنها.

مساحة إعلانية