رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. محمد عبدالله المطر

- باحث كويتي في الفكر الإسلامي

مساحة إعلانية

مقالات

309

د. محمد عبدالله المطر

ظاهرة ترجمة الدراسات الإسلامية للعربية رائعة.. ولكن!

17 نوفمبر 2025 , 04:00ص

شهدت حركة ترجمة الكتب الفكرية والدينية عن الإسلام تطوّرًا ملحوظًا خلال العقدين الأخيرين، خصوصًا مع صعود دور نشر عربية متخصّصة، فهذه المرحلة تختلف عن عصر الاستشراق القديم؛ وهي لا تركّز على ترجمة أعمال القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، بل تهدف إلى نقل الدراسات الأكاديمية الحديثة التي تنتجها الجامعات الغربية اليوم وقد برز في هذا المجال مترجمون عرب معاصرون، وللمثال د. أسامة السيد (رحمه الله) وأ. عمرو بسيوني وأ. أسامة غاوجي وغيرهم، ممن قدّموا ترجمات عالية القيمة العلمية أعادت إحياء النقاش حول قضايا التراث والتجديد، وحول هذا الموضوع أحب أن أسلط الضوء على إيجابيات الظاهرة وسلبياتها، وهي: 

أولاً: الإيجابيات 

١ - فتح آفاق معرفية جديدة: من أبرز الأمثلة كتاب «المرجع في علم الكلام” الصادر عن الباحثة «شامكته” الألمانية، الذي ترجمه د. أسامة السيد، رحمه الله، فقد قدّم أطروحات جديدة في علم الكلام المقارن، وربط بين النقاشات القديمة والجوانب المنهجية الحديثة، كما حاز جائزة الشيخ حمد للترجمة في قطر، فهذا النوع من الترجمات يكشف للباحث العربي كيف تُقرأ موضوعات العقيدة والكلام اليوم في الجامعات الغربية بمناهج تحليلية مركّبة، ومثال آخر مهم هو كتاب «ابن تيمية” للمؤرخ الأمريكي «جون هوفر»، وترجمه أ. عمرو بسيوني، الذي يُعد من أهم الأعمال الغربية المتخصصة في تحليل فكر ابن تيمية بمنهج نقدي - تاريخي حديث وغيرهما. 

٢ - نقل مشاريع بحث كبرى إلى العربية: تأتي أيضًا ترجمات كتب مثل «مغامرة الإسلام” «لمرشال هودجسون» وترجمة أسامة غاوجي، التي جرى تداولها عربيًا في السنوات الأخيرة، وهي من أعمق الدراسات التاريخية حول تطور الحضارة الإسلامية. 

وأما «معاجم أكسفورد”، فقد اهتمت بترجمتها كثير من الدور في دراسة ما نتج عنهم من المواضيع المتعلقة بالدراسات القرآنية، والفقهية، والنفسية، والفلسفة وغير ذلك، ولا شك أن فيها قيمة كبيرة للباحث والمهتم وغيرهما. 

ثانيًا: السلبيات 

١ - التحيزات في التقييم دون تمحيص: بعض الترجمات تأثرت بالاستشراق القديم فنقلت رؤى مشبعة بمناهج مثل «التسييس التاريخي” أو القراءة الفينومينولوجية (تأسيس العلوم على ظواهر سابقة) للتراث الإسلامي، وهي مناهج تحتاج إلى نقد وتفكيك، وإلا تحوّلت إلى مرجعية غير منصفة لدى القراء، ولا يخفى تأثير هذه الدراسات حتى على الحداثيين العرب، كما تكمن أبرز الأخطاء في تناول الشريعة في صور منها: نَسْبُ ممارسات اجتماعية للإسلام (كما تفعل أيان هيرسي علي بخلط العادات القبلية مع الشريعة)، واقتطاع النصوص من سياقها لتصوير الجهاد كحرب مطلقة (كما يفعل سام هاريس) وغير ذلك. 

٢- عدم توازن في موضوع الحركات الإسلامية: إن الكتب الغربية التي ناقشت الحركات الإسلامية في العقود الأخيرة لم تكن دائمًا على درجة عالية من النزاهة العلمية، مما جعل الصورة المقدَّمة للقارئ العربي غير متوازنة، يرجع ذلك إلى طبيعة المناهج الغربية في دراسة الظواهر السياسية والدينية، والتي تميل أحيانًا إلى التفسير الأمني الصارم، على حساب الجوانب العقدية والفقهية الداخلية للحركات!، ولكن تميز بعضهم بحياد جيد وثراء بحثي خاصة من الذين كانت دراساتهم مبنية على اللقاءات الشخصية وبذل الجهد فيها مثل (ستيفن لاكروا) في كتابه «زمن الصحوة» وغيره. 

٣- خطر تراجع التأليف العربي: تدفّق الترجمات قد يُغري بالاعتماد على الإنتاج الغربي بدل إنتاج معرفة عربية أصيلة، مما يهدد مشروع بناء مدرسة فكرية عربية مستقلة، ويضعف الإبداع عند الكاتب المسلم والعربي الذي ينشغل غالباً بالدراسات التقليدية أو ترك البحث أصلاً!. 

إن الأمل الأكبر مع أهمية الترجمة للدراسات الأجنبية هو أن تتوازى هذه العملية مع مشروع ترجمة الإنتاج العربي إلى اللغات العالمية، وذلك حتى يستمر الفكر الإسلامي مقدماً للأعمال المستجدة والتجديدية.

مساحة إعلانية