رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هدي السنة في المهور
قد روى الإمام أحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "من أعظم الزواج بركة أيسره مؤنة". وروى أبو داود، والحاكم وصححه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "خير الصداق أيسره". وكانت زيجات الرسول (خير تطبيق لهديه الكريم في هذا المجال. فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها [متفق عليه]، وروى مسلم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال: "سألت عائشة رضي الله عنها كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان صداقه ثنتي عشرة أوقية ونشا. ثم قالت: أتدري ما النش؟ قال: قلت: لا قالت: نصف أوقية. فتلك خمسمائة درهم. فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه" [رواه مسلم].
وعندما زوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال له: أعطها شيئاً. فقال: ما عندي شيء. قال النبي صلى الله عليه وسلم: فأين درعك الحطيمة؟ [رواه أبو داود والحاكم وصححه، والنسائي].
الآثار الاجتماعية لغلاء المهور
يؤكد علماء الاجتماع والتربية أن تأخر الزواج قد يؤدي إلى زيادة الهوة العمرية بين الأبناء والآباء بما ينعكس سلبيا على عملية التنشئة الاجتماعية للأبناء، كما يصاحب تأخر الزواج رؤية اجتماعية يشوبها نوع من الاستنكار أو الشك، بل والرفض الاجتماعي في بعض الأحيان تجاه هؤلاء الذين تأخر زواجهم أو زواجهن.
والفتاة التي يتأخر زواجها بعد سن (35) عاماً يغلب عليها الشعور بالعزلة، وتجنب الدخول في علاقات مع الآخرين هروباً من الأسئلة المضايقة المتعددة عند الحديث عن مشروع زواجها مما يجعلها فريسة سهلة للوقوع في براثن الاكتئاب، خاصة في ظل غياب المساندات المشكلة بمرور الوقت دون البحث عن حلول عملية وسريعة لهذه المشكلة التي بلغت مستويات تنذر بعواقب وخيمة من الأمراض النفسية للعديد من الفتيات اللائي يعانين من العنوسة ولذلك على الأسرة أن تراعي الحالة النفسية للفتاة وألا تجعل من الزواج مشكلتها لوحدها، لأن هذه المشكلة تحتاج لتضافر جهود جميع المؤسسات في المجتمع.
كذلك من النتائج السلبية للعنوسة كبت مشاعر الأمومة عند الفتاة العانس، لأن مجتمعنا يرفض إشباع هذه الغريزة عن طريق التبني.. فنتيجة لذلك تلجأ بعض الأمهات إلى تشجيع فتاتها على الاختلاط بالشباب ومصاحبتهم لضمان العريس والكثير من التجاوزات الأخرى.
والإسلام يبارك الزواج ويحث عليه، كما يحارب – في الوقت نفسه – كل ألوان الإشباع الجنسي من غير طريق الزواج: كالزنا أو اللواط أو المساحقة أو الاستمناء أو غير ذلك من أشكال الانحراف الجنسي.
غير أن واقع المسلمين اليوم يكشف عن مآس اجتماعية أليمة تتسبب عن المغالاة في المهور ومن هذه المآسي:
1- تأخر سن الزواج بين الشباب، وقد كشفت البحوث الطبية الحديثة أن خير الإنجاب هو ما يكون فيه الزوج [أو الأب] بين الخامسة والعشرين والثلاثين، وما تكون فيه الزوجة [أو الأم] بين الثامنة عشرة والخامسة والعشرين.
فالوالدان في هذا العمر ينجبان أبناء أصحاء جسدياً ونفسياً ويتمتعون بمستويات أعلى من الذكاء، وكلما تأخر سن الزواج - وبالتالي الإنجاب - ازدادت فرص ولادة أطفال أكثر عرضة للتخلف العقلي والأمراض الجسدية.
2- الانحراف الخلقي: إن المغالاة في المهور تدفع الشباب -وخاصة ضعفاء الإيمان- إلى الانحراف الخلقي بأشكاله المتعددة المعروفة وهذا يشكل أعظم الأخطار التي تهدد الأمة الإسلامية.
3- انهيار قيمة التراحم والتواد بين المسلمين: لقد حضّ الإسلام على التراحم والتواد بين المسلمين فيما رواه ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلمٍ كربةً من كرب الدنيا فرج الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة"، والمغالاة في المهور تقتل قيمة التراحم السامية في حياة المجتمع المسلم.
4- التكالب على المادة: إن المغالاة في المهور تنم عن جشع مادي رخيص، وتكالب حقير على المتاع الزائل، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، بل ودعا بالتعاسة على من يكون همه المال فقط. فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة [الخميصة كساء أسود مربع له أعلام وخطوط وهي كناية عن التفاخر بالأزياء الفخمة] إن أعطى رضي وإن لم يعط سخط. تعس وانتكس. وإذا شيك فلا انتقش [شيك: أصابته شوكة، انتقش الشوكة: أي استخرجها، فالدعاء معناه ألا يهدأ له بال أبداً إذا أصابه هم أو غم أو ألم].
نظرة الإسلام إلى الزواج
إن نظرة الإسلام إلى الزواج تقوم على أساس أنه رباط روحي وجسدي مقدس تتكون من خلاله أسرة مسلمة تأتلف عناصرها على المحبة والألفة والرحمة والتواد، قال تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة * إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون". فإذا تم الزواج بعد أخذ ورد وعناء وشد وجذب فيما يتعلق بالمهر، فإنه يكون من البداية معرضاً للفشل لما شابه من جشع وتفاخر وتكاثر.
ومع ذلك فإن الإسلام لم يحدد للمهر حدوداً قصوى، فقد تركه تبعاً لحالة راغب الزواج المادية، فإن كان ميسوراً فلا بأس إذا كان المهر كبيراً، لأنه لن يمثل بالنسبة له عبئاً يعوقه عن الزواج.
أما الخطأ كل الخطأ فهو أن يغالي والد العروس في المهر إزاء شاب يرى فيه الصلاح وضعف القدرة المادية، فالواجب على المسلمين أن يسارعوا إلى القضاء على هذه الظاهرة التي تهدد شبابهم وتسيء إلى سمعتهم وتهدد أمتهم بالتباغض والتحاسد وتبذر في مجتمعهم بذور الحقد والضغينة، وعليهم أن يعودوا إلى هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم.
وما أحرى العلماء أن يكونوا هم القدوة الحسنة في هذا المجال فيزوجوا بناتهم بأيسر المهور حتى يقتدي بهم الآخرون. هذا وبالله التوفيق.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2331
| 10 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
831
| 10 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش على الأرض (غياب النضج المهني) لدى القيادات. وهذا الغياب لا يبقى وحيدًا؛ بل ينمو ويتحوّل تدريجيًا إلى ما يمكن وصفه بالتحوّذ المؤسسي، حالة تبتلع القرار، وتحدّ من المشاركة، وتقصي العقول التي يُفترض أن تقود التطوير. تبدأ القصة من نقطة صغيرة: مدير يطلب المقترحات، يجمع الآراء، يفتح الباب للنقاش… ثم يُغلقه فجأة. يُسلَّم له كل شيء، لكنه لا يعيد شيئًا، مقترحات لا يُرد عليها، أفكار لا تُناقش، وملاحظات تُسجَّل فقط لتكملة المشهد، لا لتطبيقها. هذا السلوك ليس مجرد إهمال، بل علامة واضحة على غياب النضج المهني في إدارة الحوار والمسؤولية. ومع الوقت، يصبح هذا النمط قاعدة: يُطلب من المختصين أن يقدموا رؤاهم، لكن دون أن يكونوا جزءًا من القرار. يُستدعون في مرحلة السماع، ويُستبعدون في مرحلة الفعل. ثم تتساءل القيادات لاحقًا: لماذا لا يتغير شيء؟ الجواب بسيط: التطوير لا يتحقق بقرارات تُصاغ في غرف مغلقة، بل بمنظومة تشاركية حقيقية. أحد أكثر المظاهر خطورة هو إصدار أنظمة تطوير بلا آلية تنفيذ، تظهر اللوائح كأحلام مشرقة، لكنها تُترك دون أدوات تطبيق، ودون تدريب، ودون خط سير واضح. تُلزم بها الجهات، لكن لا أحد يعرف “كيف”، ولا “من”، ولا “متى”. وهنا، يتحول النظام إلى حِمل إضافي بدل أن يكون حلاً تنظيميًا. في كثير من الحالات، تُنشر أنظمة جديدة، ثم يُترك فريق العمل ليخمن طريقة تطبيقها، وعندما يتعثر التطبيق، يُحمَّل المنفذون المسؤولية وتصاغ خطابات الإنذار. هذا المشهد لا يدل فقط على غياب النضج المهني، بل على عدم فهم عميق لطبيعة التطوير المؤسسي الحقيقي. ثم يأتي الوجه الأوضح للخلل: المركزية المفرطة، مركزية لا تُعلن، لكنها تُمارس بصمت. كل خطوة تحتاج موافقة عليا، كل فكرة يجب أن تُصفّى، وكل مقترح يمر عبر «فلترة» شخصية، لا منهجية. في هذا المناخ، يفقد الناس الرغبة في المبادرة، لأن المبادرة تصبح مخاطرة، لا قيمة. وهنا تتحول المركزية تدريجيًا إلى تحوّذ مؤسسي كامل. القرار محتكر. المبادرات محجوزة. المعرفة مقيّدة. والنظام الإداري يُدار بعقلية الاستحواذ، لا بعقلية التمكين. التحوّذ المؤسسي هو الفخ الذي تقع فيه الإدارات حين يغيب عنها النضج. يبدأ من عقلية مدير، ثم ينتقل إلى أسلوب إدارة، ثم يتحول إلى ثقافة صامتة في المؤسسة. والنتيجة؟ - تجميد للأفكار. - هروب للعقول. - فقدان للروح المهنية. - تطوير شكلي لا يترك أثرًا. أخطر ما في التحوّذ أنه يرتدي ثياب التنظيم والجودة واللوائح، بينما هو في جوهره خوف مؤسسي من المشاركة، ومن نجاح الآخرين، ومن توزيع الصلاحيات. القيادة غير الناضجة ترى الأفكار تهديدًا، وترى الكفاءات منافسة، وترى التغيير خطرًا، لذلك تفضّل أن تُبقي كل شيء في يدها حتى لو تعطلت المؤسسة بأكملها. القيادة الناضجة لا تعمل بهذه الطريقة. القيادة الناضجة تستنير بالعقول، لا تستبعدها. تسأل لتبني، لا لتجمّل المشهد. تُصدر القرار بعد فهم كامل لآلية تطبيقه. وتعرف أن التطوير المؤسسي الحقيقي لا يقوم على السيطرة، بل على الثقة، والتفويض، والوضوح، وبناء أنظمة تعيش بعد القائد لا معه فقط. ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بصراحة لا تخلو من الجرأة: هل ما نراه هو تطوير مؤسسي حقيقي… أم تحوّذ إداري مغطّى بشعارات التطوير؟ المؤسسات التي تريد أن ترتقي عليها أن تراجع النضج المهني لقياداتها قبل أن تراجع خططها، لأن الخطط يمكن تعديلها… لكن العقليات هي التي تُبقي المؤسسات في مكانها أو تنهض بها.
702
| 11 ديسمبر 2025