رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
إن الذي يفهم أبسط قواعد الإسلام يدرك أن مصطلح (الإسلام السياسي) دخيل على ديننا وإسلامنا، فالإسلام كل لا يتجزأ، فهو يضم في جنباته السياسة والاقتصاد وكافة العلوم الشرعية وغير الشرعية، كما أن رسولنا الكريم، وخلفاءه من بعده، كانوا هم قادة السياسة، فهم الحكام وهم أيضا من يدير شؤون البلاد ومصالح العباد، واستمر الحال على ذلك طيلة مئات السنوات التي كانت الدولة الإسلامية تتبنى الإسلام منهجا لها وطريقا لإدارة شعوبها.
ولم يعرف المسلمون مصطلح (الإسلام السياسي) بمفهومه السلبي للإسلام إلا في السنوات المتأخرة وبسبب ظروف سياسية اقتضتها مصالح الغرب وقد اتفقت مصالح الليبراليين العرب مع مصالح الغرب وأعداء الإسلام عامة، فاجتمع هؤلاء على فكرة تشويه الإسلام وتشويه من يطالب أو يعمل على تمكينه من حياة المسلمين في بلادهم، بادعاء أن هؤلاء هم من دعاة الإسلام السياسي وكأن هذا النوع من الإسلام - بزعمهم - لا يمت للإسلام بصلة وأن من الواجب محاربته والوقوف مع الغرب في حربه وحرب من ينادي به.
الحرب على ما يعرف بـ(الإسلام السياسي) بدأه الغربيون، لأنهم يعرفون أن هذا النوع من الإسلام هو الذي ينازعهم الرئاسة في بلاد المسلمين، وهو الذي يقاوم مشاريعهم الاستعمارية والاقتصادية والإعلامية والثقافية، ولأنهم يريدون استغلال بلاد المسلمين بكل ما فيها، فقد وجدوا أن المسلمين الذين يفقهون دينهم هم الذين يقاومونهم، فلم يجدوا طريقا لمقاومة ذلك إلا بمحاولة تشويه الإسلام أمام أبنائه ليخلو لهم الجو الاستبدادي الاستعماري الذي يريدونه.
ومنذ احتلال العراق وأفغانستان ومن ثم ما عرف بالربيع العربي برز مصطلح (الإسلام السياسي) بقوة، استخدمه الأمريكان والغرب لتبرير جرائمهم ثم تبعهم بعد ذلك كثير من الليبراليين العرب الذي هاجموا - وما زالوا - المسلمين الذين قاوموا المحتل أو الذين أرادوا إيجاد نوع من الحكم يتفق مع دينهم - ولا يتفق طبعا مع مصالح الغرب - فاتهموهم بممارسة (الإسلام السياسي) على اعتبار أن هذه الممارسة تخالف الإسلام، وفي جزئية كراهية الإسلام اتفق الليبراليون العرب مع الغربيين، فعملوا جميعا على تشويه الإسلام ومن يعمل من أجله.
هذا النوع من دعاة الليبرالية خالفوا منهجهم الفكري الذي يدعون الإيمان به، وأصبحوا يمارسون العبودية المطلقة للغرب وأعوانه، وأصبحت أهواؤهم ومصالحهم وكراهيتهم للإسلام كله هي التي تقودهم لحرب الإسلام واختراع الأكاذيب لتبرير ذلك الهجوم القذر على الإسلام.
وقد رأينا كيف أن الليبراليين وقفوا مع المشروع الأمريكي في قضايا تغيير المناهج الدراسية بحسب المفهوم الأمريكي وليس بحسب مصالح المسلمين، كما اتفقوا معهم على منهج تغيير الأنظمة بالقوة العسكرية وليس بالديمقراطية التي طالما طنطنوا بالدعاية لها، فأصبحت القوة هي الطريق إلى الديمقراطية أما صناديق الاقتراع التي لا تحقق أهواءهم فهم من أشد دعاة الحرب عليها حتى لو قتل من أجل ذلك آلاف البشر.
الديمقراطية عند الغربيين مجرد لعبة يحققون بواسطتها أهدافهم السياسية، وهذا المفهوم الأعرج للديمقراطية تحدثت عنه (كيركيا تريك) مستشارة البيت الأبيض في عهد الرئيس الأمريكي السابق (ريجان)، وكانت أيضا ممثلة أمريكا في الأمم المتحدة، قالت: (إن الديمقراطية مجرد لعبة لتحقيق مصالح الغرب وأن قيم الغرب وسياساته خاضعة للعبة المعايير المزدوجة)، والمفكر الغربي (روبرت كانمان) قال في كتابه (الديمقراطية والمعايير المزدوجة): (إن الجميع في الغرب يتفق على أنه من الخطر دعم الديمقراطية بجميع صورها في العالم الإسلامي، والسبب أنهم يقولون: إن التعامل مع الحكومات الفاشية أسهل بكثير من التعامل مع الحكومات الإسلامية)، وقريب من هذا القول ذكره الفرنسي (أوليفيه روا) الخبير بشؤون الإسلام السياسي، قال: (عندما يكون على الغرب الاختيار بين العلمانية والديمقراطية فهو يختار العلمانية دائما، وعندما تكون العلمانية في كفة والديمقراطية في كفة أخرى كما في الجزائر وتركيا، فالغرب يختار دائما العلمانية لا الديمقراطية، الغرب يفضل النظام التسلطي الدكتاتوري على وصول الإسلاميين للسلطة).
إن الذي يزعج الغرب ليس هو الإسلام السياسي كما يقولون وإنما هو الإسلام بحد ذاته، وهذا الواقع أكده الخبير الأمريكي المعروف (صومائيل هنتنغتون) الذي قال: (إن المشكلة بالنسبة للغرب ليست الإسلاميين المتطرفين وإنما الإسلام ككل)، ونحن نفهم من الواقع الذي نراه أنهم يعادون الإسلام الصحيح الكامل الذي يقبل على الآخرة كما يقبل على الدنيا، ولكنهم يتعايشون ويشجعون الإسلام الخامل الذي يدعي الإقبال على العبادة فقط، ولهذا فهم يشجعون على التصوف وبكل طرقه، فهم لا يهمهم كثرة المصلين أو كثرة قارئي القرآن ومن في حكمهم، خاصة إذا كان هؤلاء يقتصرون على العبادة فقط ويتركون قيادة بلادهم واقتصادها في أيدي الغربيين والأمريكان وهكذا ثقافتها وسائر قضاياها الأخرى.
الليبراليون العرب ومن منطلق كراهيتهم للإسلام كله، يرددون كالببغاوات أن الإسلاميين يريدون الوصول إلى الحكم، وأن الإسلام السياسي هو الذي يسيء إلى المسلمين!! وأعجب من هذا المنطق الغبي الذي خجل الغرب منه - ظاهريا على الأقل - فما المانع في أن يصل الإسلاميون إلى الحكم إذا كان وصولهم إليه بحسب المعايير التي وضعتها بلادهم؟! لماذا يحق لكل حزب ولكل مذهب أو دين الوصول إلى الحكم ويحرم ذلك على المسلمين؟!!
لقد أثبت الواقع أن معظم الليبراليين عروا أنفسهم وأثبتوا أنهم لا يؤمنون بما يقولون، فصفقوا لكل من وصل إلى الحكم من غير الإسلاميين وأيضا لكل من انقلب على الديمقراطية وصادر حرية الشعوب واختيارها، ولكن مبادئهم الزائفة ضاقت عن قبول الإسلاميين بأي صورة كانت، فآثروا الاصطفاف إلى جانب الغرب في عدائه للإسلام وللمسلمين، وإذا كان الغربيون ينظرون إلى مصالحهم بعيدا عن مصالح المسلمين أو دينهم وإذا كان فعلهم هذا يشكل جزءا من مساوئهم، فإن فريقا من الليبراليين العرب أكثر منهم سوءا، لأنهم نصبوا العداء لدينهم وأمتهم وقبلوا أن يكونوا مطايا للغرب وأهدافه.
الشيء المطمئن أن أكاذيب الغرب ومعهم الأمريكان وأبواقهم الليبراليون العرب أصبحوا مكشوفين وهذا سيجعل العرب يتعاملون معهم بصورة مغايرة، حتى وإن كانت بطيئة!!.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2472
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2292
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1200
| 09 ديسمبر 2025