رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

المهندس إبراهيم بن هاشم السادة

[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

906

المهندس إبراهيم بن هاشم السادة

عندما تتحول التصورات إلى نتائج

16 يوليو 2025 , 05:04ص

في حياتنا اليومية، لا نتوقف عن تشكيل تصورات حول الناس، والمواقف، والسياسات، والقرارات، نعتمد في ذلك على معلومات قد تكون ناقصة، أو مشوشة، أو محكومة بخلفياتنا وتجاربنا الشخصية، وهذا أمر طبيعي؛ فالعقل لا يعمل في فراغ، بل يسعى إلى تفسير الواقع عبر ما يتاح له من معطيات، لكن المعضلة تبدأ حين يتعامل البعض مع “التصور” وكأنه “نتيجة”، فيبني عليه أحكامًا نهائية، ويخوض معارك كلامية لا هوادة فيها، بل وقد يصل إلى التشنج والانفعال، وكأن ما يتصوره هو الحقيقة المطلقة التي لا تحتمل الشك.

كم من مرة شهدنا نقاشًا يشتعل بين طرفين، لا لأن أحدهما يملك الحقيقة والآخر ينكرها، بل لأن كل طرف يرى أن تصوره للموضوع هو الواقع بعينه، مع أن الحقيقة في كثير من الأحيان لم تتكشف بعد، أو قد تكون أوسع من تصورات الطرفين معًا، فالتصور، بطبيعته، مبني على زاوية نظر، على معطى جزئي، على تحليل شخصي، وقد يكون مفيدًا كمنطلق للحوار أو لتوقع النتائج، لكنه لا يرقى إلى مرتبة الحكم القطعي، أما النتيجة، فهي المحصلة النهائية التي تأتي بعد اكتمال الصورة، وبعد اختبار الفرضيات، وتوفر الأدلة، ومرور الزمن الكافي للحكم.

وهناك من يخوض النقاش مسلحًا بما جمعه من معلومات وأخبار، يكررها كما وردت إليه دون تمحيص أو تحليل، معتقدًا أن مجرد نقل ما قيل أو نُشر يكفي لبناء رأي أو إثبات موقف. لكنه يغفل أن الأخبار سواء نُقلت بموضوعية أو انحياز تظل مادة خام لا ترقى إلى مستوى الرأي أو التحليل، فالإعلام ينقل ما يحدث، لكنه لا يمنح بالضرورة فهمًا لما وراء الحدث، والمعلومة مهما كانت دقيقة تبقى معزولة ما لم تُفهم في سياقها وتُقارب برؤية نقدية.

والأسوأ من ذلك، أن بعض المشاركين في النقاش لا يملكون رؤية تحليلية أو منطقًا خاصًا بهم، بل يدفعون بكل ما لديهم من معلومات سمعوها أو قرأوها، دون تمحيص أو إعادة تفكير، هؤلاء لا يضيفون بصمتهم الفكرية أو زاويتهم الخاصة، بل يكتفون بترديد ما يُقال فيغيب الاجتهاد، ويضعف الحوار، ويتحول النقاش إلى استعراض محفوظات، لا إلى تفكير حيّ ونقدي.

حين لا نفرّق بين التصور والنتيجة، فإننا نقع في فخ التعصب للرأي، ونغلق أبواب النقاش العقلاني، ونحول الحوارات إلى صراعات، والأسوأ أن بعض الناس يستميتون في الدفاع عن تصوراتهم، وكأنهم ربطوا كرامتهم ومكانتهم بها، لذلك علينا أن نُعيد تأهيل وعي الناس على هذه الحقيقة البسيطة، أن نختلف في تصوراتنا أمر طبيعي، لكن تحويل التصور إلى نتيجة حتمية دون برهان، هو مجازفة فكرية.

إن الاعتراف بحدود معرفتنا هو أول الطريق نحو فهم أعمق وأهدأ للنقاش، وإذا كنا صادقين في سعينا للحقيقة، فلنتواضع أمام ما لا نعرفه، ولنمنح أنفسنا والآخرين فرصة أن نكون مخطئين… أو على الأقل غير متأكدين بعد، وفي ذلك يقول الإمام الشافعي: «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب».

مساحة إعلانية