رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

فاطمة بنت يوسف الغزال

  [email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

483

فاطمة بنت يوسف الغزال

اصنع الخير... ولو في قلب الصحراء

16 أبريل 2025 , 07:00ص

في يوم من أيام الصيف الحار كان رجل يسافر مع أسرته عبر صحراء مترامية الأطراف، حين تعطلت سيارته فجأة، حاول تشغيلها مرارًا دون جدوى، وبينما هو في حيرة من أمره توقفت سيارة أخرى بجانبه ونزل منها رجل غريب وسأله بلطف: «ما الأمر؟»، فأخبره بما حدث وحاول الغريب مساعدته لكن العطل كان أكبر من أن يُحل في الطريق، قال الرجل الغريب: «خذ سيارتي وأكمل بها رحلتك مع أسرتك وسأنتظر هنا حتى ترسل لي ‹ونش› من مدينتك لسحب سيارتك»، تفاجأ المسافر وقال: «لكن هذا سيستغرق ساعات طويلة!»، فأجابه الرجل بابتسامة: «أنا وحدي أما أنتم فعائلة. لا تقلق»، أخذ الرجل السيارة ورقم هاتفه ومضى في طريقه ليعود في اليوم التالي ومعه سيارة الرجل وسحب سيارته إلى ورشة الإصلاح ثم أعاد إليه سيارته بكل أمانة وامتنان.

عمل الخير لا يضيع أبداً

ومرت الأيام، وتذكر صاحب العائلة هذا المعروف الجميل فاتصل بالرجل ليطمئن عليه أجابته زوجته بأن زوجها في السجن بسبب تراكم الديون وذكرت له اسم السجن، في اليوم التالي حمل الرجل مئة ألف ريال من ماله الخاص وذهب إلى السجن وسلّم المبلغ لضابط معروف بنزاهته قائلاً: «هذا المبلغ لسداد ديون فلان، وما زاد فلكم»، سأله الضابط عن اسمه فقال: «لا حاجة لذكره» وغادر، وبعد عشرين يومًا اتصل مرة أخرى بزوجة الرجل فأخبرته أن زوجها ما يزال في السجن، عاد مسرعًا إلى السجن وسأل الضابط: «لماذا لم يُفرج عنه؟»، فأجابه الضابط متعجبًا: «الديون التي عليه تبلغ ثلاثة ملايين ريال والمئة ألف لم تُغنِ شيئًا، لكن ما أدهشني حقًا أنه رفض أن يُسدد المبلغ له وطلب أن تُستخدم لفك كرب من عليه خمسة أو عشرة آلاف، وقد أطلقنا بها سراح اثني عشر سجينًا»، قال الرجل بهدوء: «خيرًا إن شاء الله»، ثم غاب قرابة شهر جمع خلاله المبلغ الكامل من مدخراته ومن تبرعات أهل الخير، وعاد إلى السجن وسدد كامل ديون ذلك الرجل النبيل ليخرج إلى النور بعد ظلمة السجن جزاءً لموقف عظيم لا يُنسى.

اصنع الخير لأنه دائما يحدث فرقاً

في الحياة، يمر الإنسان بمواقف يعتقد أنها مجرد أفعال بسيطة لا تحمل في طياتها الكثير من الأهمية، ولكن الحقيقة تختلف تمامًا، فالخير الذي يصنعه الفرد، حتى وإن بدا بسيطًا وفي مكان لا يُلاحظ مثل قلب الصحراء، قد يكون له أثر يتجاوز التصور ويعود إليه بأعظم الطرق وفي اللحظات التي لم يكن يتوقعها، تلك الفكرة، التي قد تبدو فلسفية، ترتبط بتجارب إنسانية حقيقية، تثبت أن الخير يحمل طبيعة خفية قادرة على الانتشار بطرق غير مرئية، فحين يغرس الإنسان بذرة الخير، لا يكون عليه أن يراقب أين وكيف ستنمو، لأن هذه البذرة تحمل قوة ذاتية تجعلها تنبت وتثمر في مكان وزمان قد يكونان غير مألوفين، لكنها تعود لتمنحه حصادًا أعظم مما يتخيل، الأفعال الخيرة لا تحتاج إلى اعتراف مباشر أو نتائج فورية؛ بل هي تظل كامنة في ذاكرة الحياة، تتفاعل مع الظروف وتنتقل من شخص إلى آخر، حتى تعود إلى صانعها في صورة رضا، أو دعم، أو حتى موقف ينقذ حياته.

إن صنع الخير في قلب الصحراء يشبه العطاء دون انتظار مقابل، هو أن تمد يدك للمساعدة دون النظر إلى من يُساعدك لاحقًا، لأن الخير في جوهره لا ينتهي، بل يتجاوز الحدود ويتفاعل مع الإنسانية ليبني جسور التواصل والمحبة في هذا العالم الذي غالبًا ما يحتاج إلى تلك القيم، وقد علمنا التاريخ وديننا الحنيف، أن عطاء الخير يعود دائمًا بأكثر مما نتوقع، مثل قصة الرجل الذي سقى كلبًا عطشانًا في الصحراء، فلم يكن يتوقع أن ينال بركات عظيمة، ولكن فعلته تلك أصبحت رمزًا عالميًا لقيمة الرحمة والخير، في النهاية، عليك أن تصنع الخير لأنك تؤمن به، لا لأنك تنتظر مقابلًا، لأن هذا العطاء النقي يُزرع في قلوب الآخرين وفي الحياة، لتجده ينتظرك يومًا بأعظم صورة، اصنع الخير، أينما كنت، لأنه دائمًا يُحدث فرقًا.

كسرة أخيرة

هناك كثير من الأمثلة التي نمر بها في حياتنا اليومية ونسمع القصص عنها تؤكد أن أي عمل خير تقوم به ولو كان بسيطا ولا يكلفك شيئا تجد انفراجات كبيرة تنتظرك بسبب ما فعلته من خير، هذه الأمثلة توضح أن الخير الذي يُقدَّم بإخلاص لا يضيع أبدًا، بل يعود إلى صاحبه بأعظم الطرق وأجملها، وفي الأوقات التي يحتاج إليها أكثر مما يتوقع، الخير دائمًا أزرع أثرًا إيجابيًا في الحياة، سواء أدركته فورًا أم لم تدركه.

 

مساحة إعلانية