رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
دللت غالب التصريحات الصادرة عن مختلف المنتجين عدم الحاجة لقمة أو مؤتمر طارئ، والمهم في أي تجمع هو الوصول إلى نتائج وإجراءات فعلية تنتهي بتنظيم سحب الفائض وإعادة التوازن للسوق وتحقيق دعم اتجاه تعافي الأسعار.
جاءت تصريحات وزير الطاقة الروسي بأن السوق النفطية تشهد توازنا مع انخفاض النفط الصخري الأمريكي، وقد ارتفع عدد التوقعات التي ترى أن بوادر للتوازن متحققة في النصف الثاني خصوصاً في الربع الأخير من عام ٢٠١٦.
ارتفع الطلب على النفط خلال عام ٢٠١٤ بــ ٧٠٠ ألف برميل يوميا، بينما ارتفع المعروض من خارج الأوبك بــ ٢.١ مليون برميل يومياً، وانخفض إنتاج الأوبك بــ ٥٠٠ ألف برميل يومياً، وجاء مستوى المخزون العالمي مرتفعاً بــ ٧٠٠ ألف برميل يومياً مصدره البلدان المنتجة للنفط من خارج الأوبك، وكانت النتيجة الفعلية هي متوسط أسعار نفط خام برنت عند 99 دولارا للبرميل، وجاءت الفروقات ما بين نفطي خام برنت والأمريكي عند 6 دولارات للبرميل، والفروقات ما بين نفطي خام برنت ودبي عند 2 دولار للبرميل.
وهذه الأجواء للشركات النفطية على اختلافها لانتهاج سياسات مفادها تقليص الاستثمارات وتقليص التكاليف للإنتاج والمصاريف لرفع الإيرادات والتعايش مع ضعف الأسعار والمحافظة على عوائد المستثمرين.
هذه الصورة تغيرت كثيراً خلال عام ٢٠١٥ ، فقد ارتفع الطلب العالمي على النفط ليصل إلى ١.٨ مليون برميل يوميا وقد أسهم ضعف أسعار النفط والجازولين في الدعم الاستهلاكي وكذلك لبناء المخزون الإستراتيجي خصوصا في الأسواق الواعدة، يقيد ضعف الأسعار في المعروض من خارج الأوبك ليكون فقط ١.٢ مليون برميل يومياً، بينما يتعافى إنتاج الأوبك ويرتفع بــ ٨٠٠ ألف برميل يومياً ليصل ارتفاع في إمدادات النفط في أسواق العالم بإجمالي ٢.١ مليون برميل يومياً وهو ما يعني بناء في المخزون النفطي العالم بــ ١.٤ مليون برميل يومياً وجاء تأثيره على متوسط أسعار نفط خام الإشارة برنت عند 55 دولارا للبرميل حتى منتصف شهر سبتمبر 2015 ، وجاءت الفروقات ما بين برنت والأمريكي عند 4 دولارات للبرميل، والفروقات ما بين برنت ودبي عند أقل من دولار للبرميل.
وقد استمرت سياسات الشركات النفطية التقشفية وجاء التأثير على النفط الصخري في النصف الثاني بالرغم من قدرته على التأقلم مع مستويات أقل للأسعار
ترسم صورة أكثر إشراقا لعام ٢٠١٦ ، حيث يستمر تنامي الطلب على النفط عند مستوى حول ١.٧ مليون برميل يوميا، التوقعات الحالية مشفوعاً بتعاف بوتيرة أقل للاقتصاد العالمي وإن كانت هناك مخاوف حقيقية حول أداء الاقتصاد الصيني، لا يشهد النفط من خارج الأوبك أي زيادة خلال العام متأثراً بضعف الأسعار والسياسات التقشفية، بينما يرتفع إنتاج الأوبك بــ ٦٠٠ ألف برميل يومياً، مما أسهم في توازن السوق النفطية خصوصا خلال النصف الثاني من عام ٢٠١٦ حيث تشهد السوق النفطية سحوبات فعلية من المخزون للإيفاء باحتياجات الطلب وبالتالي تعاف نسبي في أسعار النفط ، بافتراض أن مبيعات إيران من النفط الخام ترتفع من ١.١ مليون برميل يوميا في عام ٢٠١٥ إلى ١.٥ مليون برميل يوميا في عام ٢٠١٦ بالإضافة لثبات إنتاج ليبيا من النفط حول ٤٠٠ ألف برميل يومياً..
وعموماً، فإن السوق ينتظر عودة النفط الإيراني للسوق للتأكد من قدرة إيران على الإنتاج وتدور التوقعات الحالية أن النفط الإيراني يعود للسوق إما في شهر أبريل ٢٠١٦ أو شهر أكتوبر ٢٠١٦ وأن يبدأ عند مستويات لن تزيد عن ٤٠٠ ألف برميل في أحسن الأحوال ثم يرتفع للضعف خلال أشهر قد تزيد إلى ١٢ شهرا وهو أمر مرتبط أيضا بسرعة عوده الشركات النفطية لتطوير قطاع الاستكشاف والتنقيب والإنتاج الإيراني ويبدو أن مؤتمرا يتم الإعداد له من قبل شركة سي دبليو سي خلال النصف الأول من ديسمبر في لندن ويشارك فيه عدد كبير من المختصين والسياسة في إيران يَصْب في هذا، كما أنه بالرغم من فشل الجمهوريين في إخفاق الاتفاق مع إيران والفرصة مازالت منتظرة إلى ١٧ سبتمبر ٢٠١٥ إلا أن الأمريكان يدرسون خيارات استمرار العقوبات المالية على الشركات التي نتعامل مع إيران وكذلك منع التعامل مع الشركات الإيرانية التي للحرس الثوري الإيراني إسهامات أو نشاط أو استفادة مالية منها وذلك في إطار التقييد على سجل إيران في حقوق الإنسان ودورها في المنطقة كما نقلت جريدة هيرالد تريبيون إنترناشونال.
وقد أعلن الوزير الإيراني أن إنتاج بلاده سيرتفع بــ ٥٠٠ ألف برميل يوميا فور رفع العقوبات الدولية ثم إضافة مليون برميل يوميا جديدة خلال ١٢ شهراً، وتعتقد وكالة الطاقة الدولية أن إنتاج إيران سيرتفع ليصل خلال ٦ أشهر من رفع العقوبات الدولية إلى ٣.٤ -٣.٦ مليون برميل يوميا.
هناك عدد من العوامل التي تؤثر في اتجاه السوق ومنها الأوضاع الاقتصادية في العالم، وخصوصا الصين وتأثير ذلك على الأسواق الأخرى ومستوى الطلب على النفط، كذلك استمرار انخفاض المعروض من خارج الأوبك، واستمرار تأثر الإنتاج سلباً في عدد من بلدان الأوبك، كذلك افتراضات تأخر عودة النفط الإيراني للسوق النفطية، ودلائل توازن السوق تكون بتحول في هيكلة أسعار النفط من الكونتانغو إلى الباكور يشين وهو ما يعبر عن تحول باتجاه ارتفاع الحالية مقارنة بالمستقبل حسب منحنى الأسعار في المستقبل.
وهذا يدعم تأرجح أسعار نفط خام برنت ما بين ٤٥ -٥٥ دولارا للبرميل خلال عام ٢٠١٦، حسب أوضاع أساسيات السوق التي ستظهر في حينه.
وعموماً، فإن الضغوط على أسعار النفط تأتي من عدة أمور:
(1) استمرار أوبك الإنتاج عند مستويات عالية مع عودة إيران للإنتاج.
(٢) نجاح إنتاج النفط الأمريكي والإنتاج من خارج الأوبك من الصين وروسيا وبحر الشمال في الزيادة رغم ضعف أسعار النفط (٣) تحقيق تحسين في تقليل تكاليف الإنتاج ورفع إنتاجية الحفر يدعم النفط الصخري.
وفي هذا السياق، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يرتفع الطلب العالمي على النفط من ٨٠٠ ألف برميل يوميا في عام ٢٠١٤، ثم ١.٧ مليون برميل يوميا في عام ٢٠١٥، ثم ١.٤ مليون برميل يومياً في عام ٢٠١٦.
كما تتوقع أن يشهد الإمدادات من خارج الأوبك تطورا كبيرا لينخفض معدل الزيادة من ٢.٤ مليون برميل يوميا في عام ٢٠١٤، إلى ١.١ مليون برميل يومياً في عام ٢٠١٥ ثم ينخفض إجمالي الإنتاج فعليا بــ ٥٠٠ ألف برميل يوميا خلال عام ٢٠١٦.
وهذا يعني ارتفاع الطلب على نفط الأوبك من ٢٩.٧ مليون برميل يومياً خلال عام ٢٠١٥ إلى ٣١.٣ مليون برميل يوميا خلال عام ٢٠١٦ أو زيادة مقدارها ١.٦ مليون برميل، ولكن لوضع الأمور في نصابها فإن إنتاج أوبك حاليا هو ٣١.٦ مليون برميل يوميا حسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية ومن دون دخول النفط الإيراني للسوق واستمرار تعطل غالبية إنتاج النفط الليبي هناك.
ويقدر التقرير استمرار ارتفاع المخزون النفطي وأنه يغطي في البلدان الصناعية ٦٣ يوما من الطلب المستقبلي مع نهاية الربع الثاني وهو ما يعني ٥ أيام أعلى مما كان عليه في نهاية الربع الثاني من عام ٢٠١٤.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
6102
| 26 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4479
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه، حركاته، وحتى ضحكاته المقتضبة لم تكن مجرد تفاصيل عابرة؛ بل كانت رسائل غير منطوقة تكشف عن قلق داخلي وتناقض صارخ بين ما يقوله وما يحاول إخفاءه. نظراته: قبل أن يبدأ حديثه، كانت عيونه تتجه نحو السلم، وكأنها تبحث عن شيء غير موجود. في لغة الجسد، النظرات المتكررة إلى الأرض أو الممرات تعكس قلقًا داخليًا وشعورًا بعدم الأمان. بدا وكأنه يراقب طريق الخروج أكثر مما يراقب الحضور، وكأن المنصة بالنسبة له فخّ، والسلم هو طوق النجاة. يداه: حين وقف أمام المنصة، شدّ يديه الاثنتين على جانبي البوديوم بشكل لافت إشارة إلى أن المتحدث يحتاج إلى شيء ملموس يستند إليه ليتجنب الارتباك، فالرجل الذي يقدّم نفسه دائمًا بصورة القوي الصلب، بدا كمن يتمسك بحاجز خشبي ليمنع ارتعاشة داخلية من الانكشاف. ضحكاته: استهل خطابه بإشارات إلى أحداث جانبية وبمحاولة لإضحاك الجمهور حيث بدا مفتعلًا ومشحونًا بالتوتر. كان الضحك أقرب إلى قناع يوضع على وجه مرتبك، قناع يحاول إخفاء ما لا يريد أن يظهر: الخوف من فقدان السيطرة، وربما الخوف من الأسئلة التي تطارده خارج القاعة أكثر مما يواجهه داخلها. عيناه ورأسه: خلال أجزاء من خطابه، حاول أن يُغلق عينيه لثوانٍ بينما يتحدث، ويميل رأسه قليلاً إلى الجانب ويعكس ذلك رغبة لا واعية في إبعاد ما يراه أو ما يقوله، وكأن المتحدث يحاول أن يتجنب مواجهة الحقيقة. أما مَيل الرأس، فكان إشارة إلى محاولة الاحتماء، أو البحث عن زاوية أكثر راحة نفسيًا وسط ارتباك داخلي. بدا وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر مما يخاطب العالم. مفرداته: استدعاؤه أمجاد الماضي، وتحدثه عن إخماد الحروب أعطى انطباعًا بأنه لا يتقن سوى لغة الحروب، سواء في إشعالها أو في إخمادها. رجل يحاول أن يتزين بإنجازات الحرب، في زمن يبحث فيه العالم عن من يصنع السلم. قناعه: لم يكن يتحدث بلسانه فقط؛ بل بجسده أيضًا حيث بدا وكأنه محاولة لإعادة ارتداء قناع «الرجل الواثق» لكن لغة جسده فضحته، كلها بدت وكأنها تقول: «الوضع ليس تحت السيطرة». القناع هنا لم يخفِ الحقيقة بل كشف هشاشته أكثر. مخاوفه: لعلها المخاوف من فقدان تأثيره الدولي، أو من محاكم الداخل التي تطارده، أو حتى من نظرات الحلفاء الذين اعتادوا سماع خطاباته النارية لكنهم اليوم يرون أمامهم رجلاً متردداً. لم نره أجبن من هذا الموقف، إذ بدا أنه في مواجهة نفسه أكثر من مواجهة الآخرين. في النهاية، ما قدّمه لم يكن خطابًا سياسيًا بقدر ما كان درسًا في لغة الجسد. الكلمات قد تخدع، لكن الجسد يفضح.
3336
| 29 سبتمبر 2025