رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين تستجمع الأمة التركية ذاكرتها الجماعية، ستظل ليلة 15 يوليو 2016 لها الصدارة في التاريخ المعاصر للجمهورية التركية، فهي بلا شك حدث استثنائي رسم مستقبل البلاد والعباد.
في تلك الليلة، شعرتُ بأن قلوب العالم الإسلامي بأكملها والأحرار في كل مكان كانت مع الشعب التركي ولم تفارق شاشات التلفزيون لمتابعة وقائع المحاولة الفاشلة للانقلاب الدموي الغاشم والذي نفذته منظمة "فيتو" (FETÖ) وزعيمها فتح الله غولن الهارب في بنسلفانيا بالولايات المتحدة منذ أكثر من 20 سنة.
لقد تسبب هذا الهجوم الغادر على شعبنا في سقوط 251 شهيدا وأكثر من ألفي جريح.
لن تنسى الأمة التركية العظيمة الجرائم التي ارتكبها الانقلابيون في تلك الليلة، والتي لم أفقد يقيني فيها بفشل مخططات أشباح الظلام، ممن تسللوا بالسلاح الذي دفع ثمنه الشعب التركي لاقتراف الخيانة، وكنت متأكدًا أن مصيرهم سيكون الخيبة والمحاكمات والسجون.
حاول الانقلابيون تركيع الشعب التركي وإرجاعه مجددًا تحت حكم عسكري استبدادي، ولكن الجميع عرف أن هذا الانقلاب يهدف إلى تعطيل حركة التقدم في تركيا، وكانت خططهم ترمي إلى إضعاف أنقرة أمام قوى دولية تعادي بلدنا، ولكن الشعب التركي لديه ذاكرة عصية على الترويض ورصيد كافٍ من الأحرار لصد محاولات تكرار تلك المأساة، وجرائم الحكم العسكري تركت بصماتها على خزان بشري هائل من الأتراك ما بين معتقل وشهيد ومطارد ومفصول من العمل.
واجه الشعب التركي مدرعات الانقلابيين بصدور عارية وعقيدة لا تلين، وغاصت آليات الانقلابيين في طوفان الرفض البشري، وطُردوا من الأماكن التي ربضت فيها دباباتهم عنوة، وأظهرت الأمة التركية كيف أنها تعرف التصرف في المحن، وترى فيها فرصة مثلى لتظهر للعالم شجاعتها واستماتتها في الدفاع عن وطنها.
لم يكن الشعب التركي وحده في تلك الملحمة الخالدة، بل كانت خلفه قوات من الشرطة الخاصة، وأجنحة مختلفة في الدولة، وكان فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان رجل الساعة في تلك الليلة، فقد ظهر بثباته المدهش وإصراره على التواجد في قلب العاصفة، وحطت طائرته في لحظات حرجة على مدرج مطار أتاتورك في إسطنبول.
كان الرئيس أردوغان يُريد أن يُثبت أن الأمة التركية ماضية نحو قدرها في الحرية والأمل، وكانت توجيهاته التي أعطاها لشعبه المقاومة في كل مكان، المقاومة وعدم الاستسلام، وأصر أن يقود شعبه وأن يكون في المقدمة.
تواصلت التصريحات الرافضة للانقلاب من قبل القوى السياسية والنخب الوطنية ليكون أداؤها على مستوى الحدث، وصارت المواقف المبدئية معروفة للجميع. وقد أدرك الجميع الدرس الذي يتعلق بأن الحكم العسكري الانقلابي لا يستقر إلا بتشتيت الشعب وتفتيت اللحمة، وتفريغ المجال العام من السياسة والسياسيين.
ورغم أن الانقلابيين ربما يميلون إلى هنا وهناك، فإنهم في جوهرهم لا يدورون إلا حول أنفسهم، ويتحمل الأشخاص الذين يؤيدونهم ويصدقون بياناتهم الكاذبة أولًا تبعات قراراتهم، وتاريخ الانقلابات مليء بتلك المأساة.
واليوم بعد مرور 7 سنوات على هذه اللحظات العصيبة، فطن الشعب مرة أخرى لخطورة من يريدون أن يحصلوا عبر صناديق الانتخابات ما لم يستطيعوا الحصول عليه بصناديق الذخيرة، فاستقامت صفوف مواطنينا في طوابير الانتخابات النيابية والرئاسية التي عزز الشعب فيها ثقته بقيادته السياسية، وعلى الرغم من الزلزال المدمر الذي مثّل بحق كارثة العصر، إلا أن مواطنينا في هذه المناطق جددوا الثقة في الرئيس رجب طيب أردوغان، وهكذا تعبر بلادنا إلى القرن التركي والمئوية الجديدة مدعومة بحكومة قوية واستقرار سياسي ورؤية اقتصادية واقعية وشفافة. إن حكومتنا تولي الاقتصاد وتحسين الظروف المعيشية لمواطنينا أهمية مطلقة، لذلك تواصل الكابينة الجديدة العمل ليل نهار لخفض التضخم وزيادة الإنتاج وتعزيز فرص الاستثمار الأجنبي.
تسعى تركيا دائمًا لأن تكون في موضعها المقدور، وهذا يُزعج البعض، ولكننا لن نتخلى عن أحلامنا.
ستواصل أمتنا دعم الأصدقاء، وسنظل الروح المعطاءة. قدمت تركيا نموذجًا في إرثها المجيد، وسعت إلى دعم المضطهدين والمظلومين في كل مكان، وهي الآن لا تقل مروءة وقدوة في دعم المظلومين، ورايتنا الحمراء مصانة ومكرمة فوق الهامات.
سنظل نردد مع الشاعر التركي العظيم محمد عاكف أرصوي:
"لا تخف، لن تخمدَ الرايةُ الحمراءُ في شفقِ السماء..
قبلَ أن تخمدَ في آخرِ دارٍ على أرضِ وطني شعلةُ الضياء..
إنها كوكبٌ سيظلُّ ساطعًا فهي لأمتي الغراء..
إنها لي ولشعبي دون انقضاء.."
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6366
| 24 أكتوبر 2025
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6183
| 27 أكتوبر 2025
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
5103
| 20 أكتوبر 2025