رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

إحسان الفقيه

إحسان الفقيه

مساحة إعلانية

مقالات

627

إحسان الفقيه

رصيد الفطرة

15 يونيو 2025 , 02:00ص

الإسلام هو دين الفطرة السليمة، فكل تعاليمه وتشريعاته تتسق مع ما تنشده النفس البشرية من راحة وقرار، لأن الذي شرّع للإنسان هو الله العليم الخبير، الذي يعلم ما يلائم البشر ويصلحهم.

ومتى خرج الإنسان عن إطار الفطرة السليمة، كان الشقاء حليفه، فالمرأة الغربية التي نازعت الرجل في مهامه ونافسته في ميادينه التي أهّله لها تكوينه البشري، أضحت أشقى النساء، لأنها خرجت من حيّز ما يلائمها إلى حيز ما لا يلائمها كأنثى، فالمساواة المطلقة بين الجنسين تأباها الفطرة، وقوانين المادة قائمة على التباين. 

فيما يتعلق بالشذوذ الجنسي مثلا، فشلت كل المحاولات الغربية في ربط الشذوذ بالتكوين البشري والزعم بوجود كود جيني في الإنسان مسؤول عن الشذوذ، وانتهى أصحاب الدراسات أنفسهم لنفي التوصل إلى وجود علاقة بين الشذوذ وبين الجينات، لكنهم أرادوا التهوين من شأن هذا الخلل الذي تأباه فطرة الله التي فطر الناس عليها، هذا الخلل الذي جعل المثليين يعيشون حياة غير مستقرة لأنهم خالفوا الفطرة السليمة.

هناك نتاج إنساني من أقوال وآراء وحكم ومفاهيم في عدة حضارات مختلفة، استفادت منه الإنسانية أيما استفادة، يراها المسلم وكأنها خرجت من تعاليم الإسلام، وما ذلك إلا لأنها كانت نتيجة لذلك الرصيد من الفطرة السليمة لدى هؤلاء المفكرين والمصلحين والحكماء.

كتاب «دع القلق وابدأ الحياة» لمؤلفه ديل كارنيجي، من أشهر الكتب الغربية التي تم تعريبها واستفادت منه جماهير غفيرة، فهو درّة تاج علوم التنمية البشرية وفن إدارة الذات، هذا الكتاب من حيث محتواه الثري يتفق من وجوه لا حصر لها مع ما جاءت به نصوص الوحيين، ما حدا بالمفكر الإسلامي محمد الغزالي رحمه الله، أن يعزم رد الكتاب إلى أصوله الإسلامية، بتصنيف كتاب من أجلّ ما كتب بعنوان «جدد حياتك»، الذي كتبه على طريقة كتاب كارنيجي، وأظهر هذا التوافق بين ما كتبه كارنيجي من رصيد الفطرة السليمة، وما جاء في نصوص وتعاليم ديننا الحنيف، فجاء الكتاب متضمنا مقارنة بين تعاليم الإسلام التي وصلت إلينا، وبين أصدق ما جادت به قرائح الغرب في النفس الإنسانية عندما خرجت من رصيد الفطرة.

هذا الرصيد من الفطرة، يصلح أن يكون جسرًا للتلاقي والتفاهم مع الآخر، فكل من له رصيد من الفطرة السليمة حتى وإن اختلفت هويته، هو الأقرب لبناء علاقة إنسانية جدية إيجابية مثمرة، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أدرك أهمية رصيد الفطرة، إذ إنه وجّه بعض أصحابه للهجرة إلى الحبشة، وكانت علّة الاختيار: «إن بأرض الحبشة ملكا لا يُظلم أحد عنده»، رغم أنه كان ملكا نصرانيا. وعندما أراد دخول مكة بعد رحلة الطائف، دخل في جوار رجل مشرك وهو المطعم بن عدي، على الرغم من أنه من أهل مكة الذين يناصبون الدعوة الإسلامية العداء، كل ذلك استثمارا لرصيد الفطرة السليمة لدى هؤلاء.

وكلما كان الآخر له نصيب وافر من رصيد الفطرة، كان الأقرب للتفاعل مع رسالة الإسلام واعتناقها، أو على الأقل الالتقاء على صيغة تقارب إنسانية مشتركة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مساحة إعلانية