رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
نادرون هم الذين يمارسون نقد الذات ونقد (الآخر) بموضوعية في صفوف الإسلاميين، وليس أكثر نُدرةً منهم إلا العلمانيون الذين ينقدون العلمانية نفسها وينقدون الإسلاميين بموضوعية.
رغم هذا، ثمة أمثلة، قد تكون قليلة، لكنها مُعبرة في رمزيتها، وغنية بكمونها الثقافي في مَن يُصنفون وفق عالم التصنيفات الشائع كـ (علمانيين)، ويمارسون تلك الممارسة بشكلٍ منهجي.
قد يكون أبرز هؤلاء في الواقع السوري المعاصر الكاتب ياسين الحاج صالح، فرغم (غضبة) بعض الإسلاميين عليه، ينظر إليه علمانيون سوريون أحياناً على أنه (اعتذاري) للإسلاميين في إنتاجه الثقافي بشكلٍ عام. لكن كتابه الأخير (أساطير الآخرين: نقد الإسلام المعاصر ونقدُ نَقدهِ) يُعتبر محاولةً مُتقدمةً جداً لتقديم نقدٍ عميق وموضوعي للتفسير المعاصر للإسلام من قبل الإسلاميين، مع الحرص في الوقت نفسه ليس فقط على نقد من أصبح نقدُ الإسلام والإسلاميين كِلاهما صناعة لهم في السنوات الأخيرة، بل وعلى نقد الغرب الذي أنتج العلمانية نفسها.
سيكون الاقتباس في هذا المقال، على طوله النسبي، ظالماً لأفكار كتابٍ استثنائي تُعتبر قراءته بشكلٍ جدي ضرورة لكل مهتمٍ بموضوعه الإسلام المعاصر والإسلاميين، وبالواقع العربي بشكلٍ عام. لكن الأمل أن تُسلط الفقرات التالية المنقولة منه الضوء على منهجٍ متميزٍ في النقد يجب أن يشيع في جميع الأوساط.
في فصلٍ بعنوان (الـ "لا" الإسلامية النافية للعالم كأساس للأخلاقية) يقول الحاج صالح: "...والحالُ أن العالم المعاصر فاسدٌ فعلاً، وإن يَكُن فساده، مثل صلاحه، تاريخياً ونسبياً ومُتغيراً، لا جوهرياً ومُطلقاً وثابتاً. في هذه النقطة، فساد العالم، الإسلاميون على حق أكثرَ من تيارات سياسية وفكرية أخرى قد تنسبُ نفسها إلى (الحداثة)، وترى في تنظيمات الغرب المعاصرة معياراً نهائياً للصلاح العالمي... إن الصفة المحافظة، كيلا نقول الرجعية، للحداثة العربية في ربع القرن الأخير، تنبع من هنا بالضبط، خاصة من دعوتها إلى تَمثُّلِ عالم يزداد جوراً، بل واعتبارها هذا العالم مثلاً أعلى، يَكتسب كلﱡ فكر وكل عمل قيمتهما من السعي إلى التطابق معه. بل تسليمها غير النقدي بضربٍ من (نهاية التاريخ)، مُجسدة في الغرب المعاصر. هذا أكثرُ من استسلامٍ سياسي، إنه مسلكٌ امتثالي وغيرُ عقلاني. وعقيم فكرياً وثقافياً أيضاً، ولعلهُ ليس إلا الوجهَ الآخر لاستسلام الحداثية للعداء للإسلامية، وتكريس ذاتِها للتعبئة والنضال ضدها. من أجل التعبئة يجب أن يكون المثال الحداثي كاملاً ومُوحداً وفوق النقد، وأن تجري أبلسة الإسلامية قدر الإمكان. إن الحداثية العربية غيرُ صراعية جوهرياً، إلا ضد الإسلاميين. ولذلك تندرج بسهولة في خطط القوة الغربية المُهيمنة، وفي خطط نُخب السلطة في بلداننا. وفوق ذلك، لا تملك أي مناعة حيال التوظيف الطائفي".
وفي سياق البحث المباشر في عنوان الفصل المذكور أعلاه يتساءل الكاتب: "السؤال اليوم هو: كيف يمكن للطاقة الهائلة التي تحوزُها الـ (لا) الإسلامية أن تتحول من طاقةٍ تدميرية لتكون أساساً صلباً لأخلاقيةٍ، يحتاجها المسلمون، ويمكن أن تُثري العالم؟ وما هو المضمون المحتمل للأخلاقية هذه؟ بدايةً، هذا شأنٌ لا يمكن لأحدٍ إنجازه غير المسلمين أنفسهم. أما الغرب بالذات فهو جزء من المشكلة. وفي أساس ذاك تعصبهُ وتصورُ ذاتهِ معياراً لكل صلاحٍ ونورٍ في العالم. وحيثما أراد أن يلعب دوراً إصلاحياً مباشراً تسبب في فسادٍ عميم، على نحو ما يبرهن الحال في أفغانستان، وأكثر في العراق بعد احتلاله عام 2003، وعلى نحو ما تُظهر أمثلةٌ رثةٌ مدعومةٌ من جهاتٍ غربية لتطوير الإسلام أو تحديثه".
الكتاب غني بأفكار تحفرُ بشكلٍ مُبدع في نقد الإسلام المعاصر ونَقد ناقديه السطحيين، وفي الفصل الأخير بعنوان (المرضُ بالإسلام) يختم الحاج صالح الكتاب بقوله: "ويتظاهر (المرضُ بالإسلام) عبر مجموعتين متمايزتين من الممارسات والأفعال التكرارية. ممارسات تقديسية، ترفع الإسلام فوق كل ما هو إنساني، وتُنكر اندراجه في أي مقولات عامة تشمله مع غيره.. لكن عبارة (المرض بالإسلام) تنطبقُ أكثر على ممارسات تأثيمية، تتمثل خاصةً في أَبلسة وتشرير وكراهية، يجعل الإسلام منبعاً أولياً وأصلياً ودائماً لكل ما هو متدهورٌ وجامدٌ في عالمنا، مرضَنا الدائم أو عاهتنا الخَلْقية المتوارَثة. يتعلق الأمر هنا بضربٍ من التثبت النفسي المفرط حول مُدرك (الإسلام). والمثابرة على تسفيهه صراحةً أو مُداورة، مع الحرص أيضاً على إفراده عن غيره وعدم إدراجه في مقولةٍ عامة، منطقية أو تاريخية... واللافتُ في الصيغة التشريرية أو التأثيمية من المرض بالإسلام أنها دخلت السوق بقوة في هذه العشرية المُنقضية من القرن، وأنها شملت عدداً غير قليل من مثقفين معروفين، وصارت تعودُ بالشعبية والشُهرة المضمونة على بعض المُشتغلين بها. الواقع أنها دعوةٌ شعبويةٌ هي ذاتها مُنفعلة وخَطابية ومُتيقنة من عقيدتها، مثل كل الدعوات الشعبوية... وليس القناع المُفضل لهذا الضرب الرائج من الشعبوية إلا نقد الشعبوية، لكن مع تعريف الشعب ثقافياً (وفي الواقع دينياً)".
وأخيراً، يحرص الكاتب على إحالة قارئه إلى قواعد منهجية تتعلق بعملية النقد حين يقول: "بَيدَ أنه يتعين هنا التمييز بين النقد الضروري للإسلام والشأن الإسلامي من جهة، وبين عُصاب الإسلام والعداء الموتور له من جهة ثانية. يَتَّسمُ هذا الشكلُ المَرَضي بِحِدة الانفعال والنضالية والغضب من جهة، وبالتكرار اللامتناهي للأشياء والمواقف نفسها من جهةٍ ثانية... من المهم قولُ ذلك بغرض قطع الطريق على من قد ينتحلُ نقدَ الدين للتغطية على ممارسةٍ عِصابية موتورة، وكذلك على من قد يعتبر نقد الشأن الإسلامي مَسلكاً عُصابياً لمجرد أن هناك أشكالاً موتورة وقهرية من عُصاب الإسلام. ومثلما أن أبلسة الغرب لم تُثمر نقداً ثقافياً وفكرياً ذا قيمة للغرب، فإن مشكلة العداء الموتور للإسلام أنه يفشل في أن يطور نقداً جدياً بدوره".
ليس ضرورياً ولا مطلوباً أن يوافق القارئ على كل أفكار الكتاب، بل إن الحوار فيها هو الهدف الرئيسي والمُعلن من كتابته ونشره. لكن أهمية الموضوع تكمن في كونه نموذجاً نادراً على النقد الموضوعي للإسلاميين ولناقديهم المُفترين على حدٍ سواء. وكما ذكرنا سابقاً، قد تكون في مثل هذه الطروحات، وفي تعاون أصحابها مع شريحة المثقفين والباحثين المستقلين من خلفية إسلامية، فرصة نادرة لفتح نافذةٍ لتصحيح مسار الثورة السورية من المدخل الصحيح، المدخل الثقافي.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به المؤمن أذى الناس، ليس كضعفٍ أو استسلام، بل كقوة روحية ولحمة أخلاقية. من منظور قرآني، الصبر على أذى الخلق هو تجلٍّ من مفهوم الصبر الأوسع (الصبر على الابتلاءات والطاعة)، لكنه هنا يختصّ بالصبر في مواجهة الناس — سواء بالكلام المؤذي أو المعاملة الجارحة. يحثّنا القرآن على هذا النوع من الصبر في آيات سامية؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10). هذا الهجر «الجميل» يعني الانسحاب بكرامة، دون جدال أو صراع، بل بهدوء وثقة. كما يذكر القرآن صفات من هم من أهل التقوى: ﴿… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ … وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134). إن كظم الغيظ والعفو عن الناس ليس تهاونًا، بل خلق كريم يدل على الاتزان النفسي ومستوى رفيع من الإيمان. وقد أبرز العلماء أن هذا الصبر يُعدُّ من أرقى الفضائل. يقول البعض إن كظم الغيظ يعكس عظمة النفس، فالشخص الذي يمسك غضبه رغم القدرة على الردّ، يظهر عزمًا راسخًا وإخلاصًا في عبادته لله. كما أن العفو والكظم معًا يؤدّيان إلى بناء السلم الاجتماعي، ويطفئان نيران الخصام، ويمنحان ساحة العلاقات الإنسانية سلامًا. من السنة النبوية، ورد عن النبي ﷺ أن من كظم غيظه وهو قادر على الانتقام، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فكم هو عظيم جزاء من يضبط نفسه لصالح رضا الله. كما تبيّن المروءة الحقيقية في قوله ﷺ: ليس الشديد في الإسلام من يملك يده، بل من يملك نفسه وقت الغضب. أهمية هذا الصبر لم تذهب سدى في حياة المسلم. في مواجهة الأذى، يكون الصبر وسيلة للارتقاء الروحي، مظهراً لثقته بتقدير الله وعدله، ومعبّراً عن تطلع حقيقي للأجر العظيم عنده. ولكي ينمّي الإنسان هذا الخلق، يُنصح بأن يربّي نفسه على ضبط الغضب، أن يعرف الثواب العظيم للكاظمين الغيظ، وأن يدعو الله ليساعده على ذلك. خلاصة القول، الصبر على أذى الخلق ليس مجرد تحمل، بل هو خلق كرامة: كظم الغيظ، والعفو، والهجر الجميل حين لا فائدة من الجدال. ومن خلال ذلك، يرتقي المؤمن في نظر ربه، ويَحرز لذاته راحة وسموًا، ويحقّق ما وصفه الله من مكارم الأخلاق.
1818
| 21 نوفمبر 2025
عندما أقدم المشرع القطري على خطوة مفصلية بشأن التقاضي في مجال التجارة والاستثمارات وذلك بإصدار القانون رقم 21 لسنة 2021 المتعلق بإنشاء محكمة الاستثمار مختصة للنظر في الدعاوى المتعلقة بالاستثمار والأعمال التجارية لتبت فيها وفق إجراءات وتنظيم يتناسب مع طبيعة هذه النوعية من القضايا. وتعكس هذه الخطوة القانونية الهامة حرص المشرع القطري على تطوير المناخ التشريعي في مجال المال والأعمال، وتيسير الإجراءات في القضايا التجارية التي تتطلب في العادة سرعة البت بها مع وجود قضاة متخصصين ملمين بطبيعتها، وهذه المميزات يصعب للقضاء العادي توفيرها بالنظر لإكراهات عديدة مثل الكم الهائل للقضايا المعروضة على المحاكم وعدم وجود قضاة وكادر إداري متخصص في هذا النوع من الدعاوى. وجاء القانون الجديد مكونا من 35 مادة نظمت المقتضيات القانونية للتقاضي أمام محكمة الاستثمار والتجارة، ويساعد على سرعة الفصل في القضايا التجارية وضمان حقوق أطراف الدعوى كما بينت لنا المادة 19 من نفس القانون، أنه يجب على المدعى عليه خلال ثلاثـين يوماً من تـاريخ إعلانه، أن يقدم رده إلكترونياً وأن يرفق به جميع المستندات المؤيدة له مع ترجمة لها باللغة العربية إن كانـت بلغة أجنبية، من أسماء وبيانات الشهود ومضمون شهاداتهم، وعناوينهم إذا كان لذلك مقتضى، ويجب أن يشتمل الرد على جميع أوجه الدفاع والدفوع الشكلية والموضوعية والطلبات المقابلة والعارضة والتدخل والإدخال، بحسب الأحوال. وعلى مكتب إدارة الدعوى إعلان المدعي أو من يمثله إلكترونياً برد المدعى عليه خلال ثـلاثـة أيام ولكن المادة 20 توضح لنا أنه للمدعي أن يُعقب على ما قدّمه المدعى عليه من رد وذلك خلال (خمسة عشر يوماً) من تاريخ إعلان المدعي برد المدعى عليه إلكترونياً. ويكون للمدعى عليه حق التعقيب على تعقيب المدعي (خلال عشرة أيام على الأكثر) من تـاريخ إعلانه إلكترونياً وبعدها يُحال ملف الدعوى إلكترونياً للدائرة المختصة في أول يوم . لانتهاء الإجراءات المنصوص عليها في المواد (17)، (19)، (20) من هذا القانون، وعلى الدائرة إذا قررت إصدار حكم تمهيدي في الدعوى أن تقوم بذلك خلال مدة لا تتجاوز عشرة أيام من تاريخ الإحالة، ليتضح لنا اهتمام المشرع بضمان تحقيق العدالة الناجزة. وتتألف هذه المحكمة من دوائر ابتدائية واستئنافية، وهيئ لها مقر مستقل ورئيس ذو خبرة في مجال الاستثمار والتجارة كما هيئ لها موازنة خاصة وهيكل إداري منظم، وسينعقد الاختصاص الولائي لها حسب المادة 7 في نزاعات محددة على سبيل الحصر تدور كلها في فلك القطاع التجاري والاستثماري. وإيمانا منه بطابع السرعة الذي تتطلبه النزاعات التجارية كما حدد هذا القانون مددا قصيرة للطعون، إذ بخلاف المدد الزمنية للطعن بالاستئناف في القضايا العادية أصبح ميعاد الاستئناف أمام هذه المحكمة (15 يوما) من تاريخ الإعلان، و7 أيام بالنسبة للمسائل المستعجلة والتظلم من الأوامر على العرائض والأوامر الوقتية، (و30 يوما بالنسبة للطعن بالتمييز). ومن أهم الميزات التي جاء بها أيضا قانون إنشاء محكمة الاستثمار والتجارة ما سمته المادة 13 «النظام الإلكتروني» والذي بموجبه سيكون أي إجراء يتخذ في الدعوى يتم إلكترونيا سواء تعلق بتقييد الدعوى أو إيداع طلب أو سداد رسوم أو إعلان أو غيره، وذلك تعزيزا للرقمنة في المجال القضائي التجاري، وتحقيقا للغاية المنشودة من إحداث قضاء متخصص يستجيب لرؤية قطر المستقبلية. ونؤكد ختاما أن فكرة إنشاء محكمة خاصة بالمنازعات الاستثمارية والتجارية في دولة قطر يعطي دفعة قوية للاقتصاد الوطني منها العوامل التي جعلت دولة قطر وجهة استثمارية مميزة على مستوى المنطقة والعالم وجعلها تتمتع ببيئة تشريعية قوية متقدمة تدعم الاستثمارات وتحمي حقوق المستثمرين. وتساهم في جلب الاستثمارات الأجنبية الكبرى، وتعزز من مكانتها الدولية في المجال الاقتصادي لكن هذا المولود القضائي يجب أن يستفيد من التجارب المقارنة في المحاكم التجارية بالبلدان الأخرى لتفادي الإشكالات والصعوبات التي قد تطرح مستقبلاً ليكون رمزاً للعدالة الناجزة التي تسعى إليها الدولة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
1557
| 25 نوفمبر 2025
أصبحت قطر اليوم واحدة من أفضل الوجهات الخليجية والعربية للسياحة العائلية بشكل خاص، فضلاً عن كونها من أبرز الوجهات السياحية العالمية بفضل ما تشهده من تطور متسارع في البنية التحتية وجودة الحياة. ومع هذا الحضور المتزايد، بات دور المواطن والمقيم أكبر من أي وقت مضى في تمثيل هذه الأرض الغالية خير تمثيل، فالسكان هم المرآة الأولى التي يرى من خلالها الزائر انعكاس هوية البلد وثقافته وقيمه. الزائر الذي يصل إلى الدوحة سواء كان خليجياً أو عربياً أو أجنبياً، هو لا يعرف أسماءنا ولا تفاصيل عوائلنا ولا قبائلنا، بل يعرف شيئاً واحداً فقط: أننا قطريون. وكل من يرتدي الزي القطري في نظره اسمه «القطري”، ذلك الشخص الذي يختزل صورة الوطن بأكمله في لحظة تعامل، أو ابتسامة عابرة، أو موقف بسيط يحدث في المطار أو السوق أو الطريق. ولهذا فإن كل تصرّف صغير يصدر منا، سواء كان إيجابياً أو سلبياً، يُسجَّل في ذاكرة الزائر على أنه «تصرف القطري”. ثم يعود إلى بلده ليقول: رأيت القطري … فعل القطري … وقال القطري. هكذا تُبنى السمعة، وهكذا تُنقل الانطباعات، وهكذا يترسّخ في أذهان الآخرين من هو القطري ومن هي قطر. ولا يقتصر هذا الدور على المواطنين فقط، بل يشمل أيضاً الإخوة المقيمين الذين يشاركوننا هذا الوطن، وخاصة من يرتدون لباسنا التقليدي ويعيشون تفاصيل حياتنا اليومية. فهؤلاء يشاركوننا المسؤولية، ويُسهمون مثلنا في تعزيز صورة الدولة أمام ضيوفها. ويزداد هذا الدور أهمية مع الجهود الكبيرة التي تبذلها هيئة السياحة عبر تطوير الفعاليات النوعية، وتجويد الخدمات، وتسهيل تجربة الزائر في كل خطوة. فبفضل هذه الجهود بلغ عدد الزوار من دول الخليج الشقيقة في النصف الأول من عام 2025 أكثر من 900 ألف زائر، وهو رقم يعكس جاذبية قطر العائلية ونجاح سياستها السياحية، وهو أمر يلمسه الجميع في كل زاوية من زوايا الدوحة هذه الأيام. وهنا يتكامل الدور: فالدولة تفتح الأبواب، ونحن نُكمل الصورة بقلوبنا وأخلاقنا وتعاملنا. الحفاظ على الصورة المشرّفة لقطر مسؤولية مشتركة، ومسؤولية أخلاقية قبل أن تكون وطنية. فحسن التعامل، والابتسامة، والاحترام، والإيثار، كلها مواقف بسيطة لكنها تترك أثراً عميقاً. نحن اليوم أمام فرصة تاريخية لنُظهر للعالم أجمل ما في مجتمعنا من قيم وكرم وذوق ونخوة واحترام. كل قطري هو سفير وطنه، وكل مقيم بحبه لقطر هو امتداد لهذه الرسالة. وبقدر ما نعطي، بقدر ما تزدهر صورة قطر في أعين ضيوفها، وتظل دائماً وجهة مضيئة تستحق الزيارة والاحترام.
1503
| 25 نوفمبر 2025