رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مع اشتعال المنافسة في الانتخابات الرئاسية في مصر من الطبيعي أن ينشغل الجميع بمن سيفوز بأغلبية أصوات الناخبين، ولكن قدرا من الاهتمام لابد وأن يخصص أيضا للأطراف الأخرى من غير المرشحين ممن سيدفعون ثمن المواقف التي اتخذوها والقرارات التي أصروا عليها طوال الفترة التي سبقت وصاحبت المنافسة الانتخابية. على رأس هذه الأطراف يأتي حزب النور السلفي صاحب خمس مقاعد البرلمان المصري، والذي اتخذ مؤخرا مجموعة من القرارات التي قد تكلفه الكثير متى انتهت الانتخابات وبدأ كل طرف يحصد ثمرة ما زرع طوال الشهور الماضية.
أول القرارات المهمة التي اتخذها الحزب ذو المرجعية السلفية فيما يتعلق بسباق انتخابات الرئاسة تمثلت في امتناعه عن دعم المرشح الأقرب إلى ميول الكثير من أتباع التيار السلفي، حازم صلاح أبو إسماعيل، وذلك لاعتبارات لم تبد مقنعة للكثيرين من أتباع الحزب. وكنتيجة منطقية لهذا القرار، لم يظهر الحزب معارضة حقيقية لما أسفرت عنه قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية من استبعادات شملت ضمن ما شملت الشيخ أبو إسماعيل نفسه، بل إنه وجد فيها حلا للأزمة التي صنعها بتردده طوال الشهور الماضية، والتي تمثلت في ازدياد أعداد الشباب السلفي المناصر للشيخ ذي الميول الثورية. فبعد ظهور القائمة النهائية للمرشحين والتي حسمت موضوع استبعاد أبو إسماعيل تصورت قيادات النور أن قرار اللجنة يعفيهم من حرج عدم مناصرة أبو إسماعيل، خاصة أن اللجنة كانت قد استبعدت بالإضافة إليه، كلا من مرشح الإخوان القوي خيرت الشاطر، ومرشح النظام القديم عمر سليمان. ولكن جاء القرار اللاحق لنفس اللجنة بقبول الفريق أحمد شفيق رغم صدور قانون العزل السياسي بحقه ليسبب إحراجا بالغا للحزب الذي وضع ثقته في هذه اللجنة وفي قراراتها، ورغم ذلك ظلت الانتقادات التي وجهها الحزب والمتحدثون الرسميون باسمه إلى لجنة الانتخابات الرئاسية في حدها الأدنى، واقتصرت على دعوات خجولة لأعضاء اللجنة بالتنحي لصالح آخرين، ولكن من دون ضغوط حقيقية في هذا الصدد.
القرار الثاني المثير للجدل تمثل في قيام حزب النور بالاستعاضة عن دعم المرشح المفضل لدى شباب وأتباع التيار السلفي بدعم المرشح الإخواني المستقيل الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح على الرغم مما بين الطرفين من إشكاليات طالما أكد عليها رموز التيار السلفي. فالعلاقة لم تكن في أي وقت من الأوقات على ما يرام بين معظم الرموز السلفية وبين الدكتور أبو الفتوح، نظرا لآرائه التي كان يصنف بسببها من جانب الكثير من السلفيين على أنه أقرب إلى الأوساط اليبرالية منه إلى كونه مرشحا إسلاميا. من جانبه كان للدكتور أبو الفتوح من التصريحات ما يؤكد به مخاوف التيار السلفي وأبرزها تلك التي وصف خلالها نفسه بأنه ليس مرشحا إسلاميا. ويعتقد الكثير من السلفيين أن أبو الفتوح لو خير بين موالاة النخبة الليبرالية وموالاة التيار السلفي لاختار الأولى، خاصة في ضوء الضغوط التي يتعرض لها، والتي تطالبه بالكشف عن طبيعة الوعود التي منحها للسلفيين لكي يمنحوه تأيدهم. هذه الضغوط حال اشتدادها قد تؤدي من وجهة نظر هذه التيار إلى جعل المرشح الإخواني السابق يضطر إلى التخلي عن السلفيين ومن ثم إلى استبعادهم من حساباته السياسية حال فوزه في الانتخابات.
معضلة الاستبعاد من دوائر التأثير يتوقع أن تلقي بظلالها أيضا على حزب النور حال فوز الدكتور محمد مرسي، فقرار حزب النور الامتناع عن تأييده في الانتخابات الرئاسية اعتبره الإخوان بمثابة ضربة لهم. وفي ضوء سيطرة الإخوان على الأغلبية البرلمانية التي ستكون في الغالب مسؤولة عن تشكيل الحكومة المقبلة، فإنه من المتوقع أن يتم استبعاد السلفيين وممثليهم من حزب النور من الحكومة المقبلة أو على الأقل ألا يحظون بتمثيل قوي في بنية السلطة المزمعة أيا كان شكل أو نمط الحكم الذي سيأتي به الدستور القادم، وذلك فيما قد يكون إجراء عقابيا من جانب حزب الأغلبية تجاه السلفيين الذين تخلوا عن دعم مرشحهم في وقت هم أحوج ما يكونون فيه إلى الدعم وبخاصة في ضوء انخفاض حظوظ المرشح الإخواني.
قرار الحزب السلفي الامتناع عن دعم المرشح الإخواني أسفر أيضا عن حالة من الانقسام داخل التيار السلفي نفسه، فرغم التحفظات السلفية المعتادة إزاء الإخوان ومشروعهم الفكري، يرى الكثير من المنتسبين للتيار السلفي أن الحزب قد جانبه الصواب في قراره تأييد الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، ولهذا فإنهم عند المفاضلة بينه وبين الدكتور محمد مرسي يجدون أن التصويت للدكتور محمد مرسي مع ما يتضمنه من مخاطر قد يكون أفضل من التصويت للدكتور أبو الفتوح، في ضوء ما يأخذه عليه شباب وبعض من شيوخ هذا التيار من مسارعة إلى إرضاء التيارات الليبرالية ولو على حساب ما يعتبرونه ثوابت التصور الإسلامي.
هذا الانقسام في قضية بهذه الأهمية يمكن أن يؤدي بدوره إلى اختلالات أكبر بين صفوف التيار السلفي. فشباب السلفيين والذين كانوا مقتنعين حتى وقت قريب بأن السياسة ساحة للفتن، وكانوا من ثَمَّ قانعين باعتزالها بالكلية، كانوا يتوقعون من مشايخهم الذين أقنعوهم بضرورة ممارسة السياسة في هذه المرحلة حفاظا على الشريعة والهوية الإسلاميتين أن يكون دعمهم لقضية الشريعة أكثر وضوحا. كما أن هؤلاء الشباب قد باتوا يلاحظون انحسار المسافة التي تفصلهم عن التيارات الليبرالية والعلمانية، وهي الأطراف التي كانت منافستها والحيلولة دون استئثارها بالسلطة، أحد المبررات المهمة التي سوغ بموجبها مشايخ التيار السلفي لأتباعهم المشاركة في العملية السياسية. فإذا بهم يجدون أن المساحة تتآكل بينهم وبين هذه التيارات، ويجدون أنفسهم جزءا من حسابات دنيوية بحتة تحكمها البراجماتية السياسية تماما كما لدى الأطراف الأخرى.
لقد أثبت التيار السلفي في الماضي قدرته على الحشد الجماهيري ولكنه كان يفعل ذلك بالأساس من خلال قدرته على الاتساق مع مبادئه التي لم تكن تختبر أمام المحكات الواقعية على نحو فعلي، ولكنه إذ يضطر في هذه الآونة بفعل ضرورات المنطق السياسي أن يعيد طرح مبادئه وفقا لصورة أكثر تركيبا فإنه يغامر بأن يفقد كثيرا من أتباعه أو على الأقل من قدرته على حشدهم، وهذا في حقيقة الأمر أسوأ من الخسائر السياسية التي قد يتكبدها الحزب عقب ظهور نتائج الانتخابات، والتي تتمثل بالأساس في احتمال استبعاده من دوائر السلطة التنفيذية، الأمر الذي يحتم على قادة ورموز هذا التيار إجراء مراجعات لطبيعة خطابهم وللطريقة التي كانوا يستخدمونها في الماضي من أجل تحقيق الطاعة بين أتباعهم وذلك بعدما تبين لهم أن مبدأ الطاعة الدينية يختلف عما تحتاجه هذه المرحلة من التزام حزبي.
في بيئة العمل، نلتقي يومياً بأشخاص يختلفون عنا في أنماطهم وسلوكياتهم وتوقعاتهم. منهم من يمر مرور النسيم؛ هادئاً،... اقرأ المزيد
234
| 17 أكتوبر 2025
الرضا الوظيفي له دور كبير فى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة وقد يعتقد الكثير من الهيكل الوظيفي المسئول... اقرأ المزيد
273
| 17 أكتوبر 2025
منذ عشر سنوات، كنت أدخل النقاشات كما يدخل أحدهم في معركة مصيرية. جلسة عائلية تبدأ بسؤال عابر عن... اقرأ المزيد
183
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
7890
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
6672
| 14 أكتوبر 2025
منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر الموظفون والمتقاعدون في قطر بمرحلة جديدة من العدالة الاجتماعية والتقدير العملي لعطاءاتهم الطويلة. فقد نصت المادة (31) من القانون على أن الموظف الذي أكمل أكثر من ثلاثين سنة في الخدمة يستحق مكافأة عن السنوات الزائدة، وهو ما اعتُبر نقلة نوعية في التشريعات، ورسالة وفاء وعرفان من الدولة لأبنائها الذين أفنوا أعمارهم في خدمة مؤسساتها. غير أن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً، إذ جاءت اللائحة التنفيذية لتضع قيداً لم يرد في النص الأصلي، حيث حصرت استحقاق مكافأة السنوات الزائدة فيمن تجاوزت خدمته الثلاثين سنة ابتداءً من عام 2023 فقط، متجاهلة بذلك آلاف المتقاعدين الذين أنهوا خدماتهم الطويلة قبل هذا التاريخ. هذا التفسير الضيّق أثار جدلاً واسعاً بين القانونيين والمتقاعدين، لأنه خالف صراحة روح المادة (31) وأفرغها من مضمونها العادل. النص التشريعي والغاية المقصودة: لا جدال في أن المشرّع حين أقر المادة (31) كان يبتغي تحقيق مبدأ المساواة والعدل بين كل من خدم الوطن أكثر من ثلاثين عاماً، دون التفريق بين من انتهت خدمته قبل أو بعد 2023. فالقانون قاعدة عامة مجردة، ومقاصده تتجاوز اللحظة الزمنية لتغطي جميع الحالات المماثلة. فإذا جاء النص واضحاً في تقرير الاستحقاق، فإن أي تفسير لاحق يجب أن يكون شارحاً ومكملاً، لا مقيّداً أو مفرغاً من المضمون. إن حصر المكافأة بفئة زمنية محددة يتنافى مع المبادئ العامة للتشريع، ويجعل القانون غير منصف في تطبيقه. فالذين تقاعدوا قبل 2023 قدّموا جهدهم وعرقهم طوال عقود، ومن غير المنطقي أن يُحرموا من حق أثبته النص لمجرد أن توقيت تقاعدهم سبق صدور القانون الجديد. أثر التمييز الزمني على المتقاعدين: إن استبعاد فئة كبيرة من المتقاعدين من حق المكافأة يخلق شعوراً بالغبن واللامساواة، ويؤدي إلى اهتزاز الثقة في العدالة التشريعية. هؤلاء المتقاعدون خدموا في الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة، وأسهموا في بناء نهضة الدولة منذ بداياتها، وتحملوا ظروف العمل في فترات صعبة لم تكن فيها الامتيازات والرواتب كما هي اليوم. إن تجاهل هذه الفئة يرسل رسالة سلبية مفادها أن جهد العقود الطويلة يمكن أن يُطوى بجرة قلم، وأن التقدير مرهون بتاريخ تقاعد لا بعطاء حقيقي. وهذا يتناقض مع قيم الوفاء والعرفان التي اعتادت الدولة على إظهارها لأبنائها. الحديث عن مكافأة السنوات الزائدة ليس مجرد نقاش مالي أو قانوني، بل هو في جوهره قضية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية. فالمكافأة تمثل تقديراً رمزياً لمشوار طويل من الخدمة، وتساهم في تحسين أوضاع المتقاعدين الذين يواجهون أعباء الحياة المتزايدة بعد انتهاء عملهم. ومن هنا فإن إعادة النظر في تفسير المادة (31) ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو استجابة طبيعية لقيم العدالة التي تميز نظامنا القانوني والإداري. الحق لا يسقط بالتقادم: ومن المهم التأكيد على أن الحق لا يسقط بالتقادم، خاصة إذا كان مرتبطاً بسنوات خدمة طويلة بذل فيها المواطن جهده وطاقته في سبيل وطنه. إن مكافأة السنوات الزائدة تظل حقاً أصيلاً لصاحبها، يحق له المطالبة به ولو بعد حين، ما دام القانون قد أقرّه صراحة في نصوصه. إن محاولة إسقاط هذا الحق بمرور الزمن أو تقييده بتاريخ صدور اللائحة التنفيذية أمر يتعارض مع المبادئ القانونية الراسخة ومع قواعد العدالة والإنصاف. المقارنة بتجارب خليجية سابقة: من المفيد أن نشير إلى أن دولاً خليجية أخرى اعتمدت أنظمة تقاعدية أكثر مرونة في هذا الجانب، حيث شملت مكافآت أو بدلات السنوات الزائدة جميع المتقاعدين دون تمييز زمني، إيماناً منها بأن العطاء لا يُقاس بتاريخ انتهاء الخدمة بل بعدد السنوات التي قضاها الموظف في خدمة وطنه. هذا يعكس أن المبدأ ليس غريباً أو صعب التطبيق، بل هو إجراء ممكن وواقعي أثبت نجاحه في بيئات مشابهة. المطلوب هو أن تشمل مكافأة السنوات الزائدة جميع من تجاوز ثلاثين عاماً خدمة، سواء تقاعد قبل 2023 أو بعده. فذلك هو التطبيق الأمثل لروح القانون، والتجسيد الحقيقي للعدل، والضمانة لردّ الاعتبار لمن حُرموا من حقهم رغم استحقاقهم. إن مكافأة السنوات الزائدة ليست ترفاً ولا منحة عابرة، بل هي استحقاق مشروع وواجب وطني في حق كل من خدم الدولة أكثر من ثلاثة عقود. تجاهل هذا الاستحقاق يفتح باب التمييز ويضعف الثقة في التشريع، بينما إنصاف المتقاعدين يرسخ مبادئ العدالة ويؤكد أن الدولة لا تنسى أبناءها الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية البناء والتطوير. وليطمئن كل متقاعد أن عطاءه محفوظ في سجل الوفاء الوطني، وأن سنوات الخدمة الزائدة لن تضيع هدراً، بل ستُكافأ بالعدل والإنصاف.
3462
| 12 أكتوبر 2025