رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. جاسم الجزاع

* باحث وأكاديمي كويتي
[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

774

د. جاسم الجزاع

حقيقة اللامبالاة.. راحة نفسية أم استقالة من الحياة؟

15 يناير 2025 , 02:00ص

في عالم يموج بالتحديات النفسية والمشاعر المتناقضة، يصبح السؤال الملح في أذهاننا هو عن اللامبالاة، ذلك الأمر المثير والداعي للتفكير العميق. هل هي فلسفة للراحة النفسية أم مجرد هروب من مسؤوليات الحياة؟ نجد أن اللامبالاة تجذبنا كفكرة إلى مفترق طرق بين التفسيرين، إذ يرى البعض أنها أسلوب حياة يهدف إلى إيجاد التوازن الداخلي بعيداً عن التوترات والمشاعر السلبية، بينما يراها آخرون هروباً من المواجهة الحقيقية مع الواقع، وهي حالة من التجرد من الالتزامات والمشاعر التي تستهلك طاقتنا، فهل هي فعلاً إستراتيجية للتخفيف من الضغوط، أم هي مجرد وسيلة للابتعاد عن التحديات الحقيقية؟

اللامبالاة، في جوهرها، قد تكون رد فعل طبيعي على مشاعر الإحباط أو الاستنزاف النفسي، ففي ظل عالم مليء بالمشكلات الاقتصادية، الاجتماعية، والعاطفية والسياسية، يسعى البعض إلى الانسحاب والتوجه إلى حالة من اللامبالاة كآلية وأداة دفاعية تحميهم من الاضطرابات المستمرة والضيق والتوتر. وهذا الانسحاب، رغم أنه يبدو سلبياً، قد يُفسر في بعض الأحيان على أنه محاولة لإيجاد مسافة صحية من ضغوط الحياة اليومية. حين يتخذ الإنسان من اللامبالاة فلسفة حياة، فإنه يسعى إلى التوازن الذهني، معترفاً أن التفاعل الزائد مع العالم يمكن أن يؤدي إلى الإرهاق العاطفي. ففي بعض الحالات، تكون اللامبالاة بمثابة حاجز نفسي يحمي الفرد من الانغماس في المشاعر السلبية أو المواقف المؤلمة والعيش في دوامة مغلقة من الآلام.

ولكن دعونا نفكر ونتأمل.. فعندما يصبح الشخص غير مكترث بالقضايا الكبرى في الحياة، سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو شخصية، قد ينطوي هذا على نوع من الفراغ الروحي، والهروب هنا لا يتجسد فقط في تجاهل الأمور التي قد تكون مؤلمة، بل في الهروب فقط دون سعي إلى التغيير أو التأثير في الواقع من حوله. فمن هذا المنظور، تكون اللامبالاة بمثابة عباءة نرتديها لحماية أنفسنا من المواجهات التي تتطلب بكل صراحة شجاعة منا أو تتطلب أن نكون أكثر التزاماً في عالم يتسم بالحركة الدائمة غير المستقرة. فقد يشعر الفرد حينها بأن اللامبالاة هي طريقة للبقاء بعيداً عن الفوضى، لكنها قد تؤدي إلى انفصال عن الذات والآخرين.

وبالرغم من الانتقادات التي قد توجه للامبالاة باعتبارها مظهراً من مظاهر الخمول العقلي والروحي، فإنه يمكن أن تكون أداة فعالة لابتكار إستراتيجيات مرنة للتعامل مع القلق والخوف والتفكير الزائد. فعندما نتوقف عن الانخراط في كل التفاصيل الصغيرة التي تزعجنا، قد نجد مساحة للتنفس والتركيز على الأهداف الأكثر أهمية في حياتنا. فاللامبالاة ليست دائماً سلبية، فهي قد تفتح مجالاً للتفكير العميق في ما هو جوهري حقاً، وتساعد على اتخاذ خطوات أعمق وأكثر هدوءاً في حياتنا.

إذن، عندما نبحث عن إجابة هذا التساؤل: هل اللامبالاة هي فعل انتقامي تجاه الحياة أم إستراتيجية للبقاء على قيد الحياة؟ فنستطيع أن نقول هي مزيج بين الراحة النفسية وبناء الاستقرار وبين الجبن والهروب من مواجهة مخاطر الحياة إلا أن الجواب الصحيح يظل في يد الفرد، الذي يقرر في النهاية إن كانت اللامبالاة تعني له راحة أم سجنًا من الخيارات المغلقة.

مساحة إعلانية