رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
- إعمار غزة بين التصريح الصريح والموقف الصحيح
- دول المنطقة ليست «الممول الرسمي» لمخططات الغرب المنحاز لإسرائيل
- الغرب يطالب روسيا بإعمار أوكرانيا.. ولا يطبق ذلك على إسرائيل التي دمرت غزة!
راق لي جدا، وأعجبني كثيراً، التصريح الصريح، والكلام الفصيح، الذي أطلقه معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، خلال المقابلة التي أجراها مؤخرا، مع المعلق الأمريكي تاكر كارلسون على هامش منتدى الدوحة 2025، بخصوص عدم التزام قطر بدفع فاتورة إعمار ما أحدثته إسرائيل في قطاع غزة، من خراب ودمار.
فهذا التصريح الواضح في مفرداته والظاهر في كلماته يتسم بالواقعية السياسية، بعيداً عن الوقيعة الدبلوماسية، ويعكس موقف القطريين جميعاً شعباً وحكومة.
ويعبر عن الوعي العميق والفهم الدقيق لوقائع الواقع السياسي الحالي المرتبط بالشأن الفلسطيني.
خاصة أن حكومة الاحتلال هي الطرف المعتدي، الذي ينبغي أن يتحمل تكلفة إصلاح الأضرار، وتكاليف الإعمار، وإزالة آثار الدمار، الذي تسبب فيه جيشها الغدار، ولا أقول المغوار، خلال عدوانه على القطاع الفلسطيني المدمر.
ويأتي هذا التصريح، في خضم هشاشة النظام الدولي الفوضوي، الذي يفتقر إلى الانضباط، ويفتقد الضوابط القانونية والأخلاقية، التي تلزم إسرائيل بتنفيذ القرارات الأممية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.
وليس مستغرباً ولا مستهجناً ولا مستعجباً ولا مستنكراً، إطلاق هذا التصريح، الذي يؤكد فيما يؤكد، في فحواه وصداه ومداه، التزام قطر بموقفها الثابت والدائم والداعم للقضية الفلسطينية.
وهذا يعتبر أمراً مسلماً، غير قابل للنقاش أو الانتقاص، وخصوصاً بعد تأكيد معالي رئيس مجلس الوزراء، على استمرارية التمويل القطري للفلسطينيين، الذي سيكون مقتصراً على تقديم المساعدات الإنسانية.
مع التزام الدوحة بمواصلة دعمها الكامل والشامل، للشعب الفلسطيني الشقيق، وبذل قصارى جهدها لتخفيف معاناته.
بالإضافة إلى رفض كافة المحاولات الصهيونية، لتصفية القضية الفلسطينية، سواء عبر مشاريع التهجير القسري، أو التوسع الاستيطاني.
ورفض المساعي الغربية لفرض حلول ناقضة أو ناقصة، تنتقص من الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.
ويأتي التصريح القطري في سياق مواقف دول مانحة أخرى، تصر على أنها لن تقدم أموالاً لإعمار ما دمرته إسرائيل في غزة، في ظل غياب مسار سياسي واضح يؤدي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ومستقرة، قابلة للحياة، تنبض فيها روح فلسطين الحرة، بكل تاريخها وجميع هويتها، وكافة ثقافتها وسيادتها وسياستها، وحقوقها المشروعة، ولسانها العربي، الذي يلهج بلغة الضاد، ورأسها المرفوع عالياً، وعنقها الشامخ، الذي تلتف حوله «الكوفية» الفلسطينية.
ويؤكد هذا التصريح، فيما يؤكد، أن هناك إدراكاً قطرياً كاملاً، أن الوضع الفلسطيني الواهن والحال الراهن، لا يتحمل أي خروقات إسرائيلية، أو تجاوزات صهيونية، تؤدي إلى توسيع رقعة الفراغ الهائل في قطاع غزة.
وهذا يتطلب وعياً سياسياً أكثر ونضجاً معرفيا أكبر لفهم المتغيرات والمستجدات في العلاقات، من خلال تبني الواقعية السياسية، التي تؤدي إلى تبني القرار المناسب، الذي ينسجم مع مصالح الدولة، ويتوافق مع ما يريده نسيجها الوطني.
وأستطيع القول إن الواقعية السياسية التي تنتهجها قطر تعبر عن المناهج الأساسية، في العلاقات الدولية، التي تستند إلى مواقف عقلانية.
بعيداً عن «الدوغمائية»، التي تعني الجمود السياسي المؤدي إلى تمرير مواقف، تتعارض مع المصلحة الوطنية والقومية.
ولأنهم في الغرب الأوروبي المنحاز لإسرائيل، يلجؤون إلى مجالسهم التشريعية لإقرار قوانينهم، المتعلقة بشؤون وقضايا الشرق الأوسط.
ولأن إسرائيل تقوم بتمرير قراراتها المثيرة للجدل عبر «الكنيست»، وهو مجلسها النيابي، لإضفاء الصيغة الإلزامية على مواقفها المتعلقة بانتهاك الحقوق الفلسطينية.
أدعو مجلس الشورى الموقر، لتأكيد وتوثيق تصريح معالي رئيس مجلس الوزراء، بشأن عدم التزام قطر، بدفع فاتورة إعمار ما دمرته إسرائيل في قطاع غزة.
للتأكيد أمام الرأي العام العالمي، بأن ذلك يعكس موقفاً وطنياً جامعاً، يمثل جميع مكونات الشعب القطري.
وأقولها بكل الوضوح والصراحة والشفافية، لا ينبغي النظر إلى دول المنطقة، على أنها «الممول الرسمي» لمخططات الغرب المستنكرة، ومشاريعهم المستهجنة.
ولا ينبغي التعامل معنا، بأننا «الدافع الرئيسي» لفاتورة إعمار الحواجز والمناطق الفلسطينية، التي دمرتها إسرائيل في قطاع غزة، بسبب انحياز الغرب لها ودعمهم لعدوانها.
ولا يمكن القبول بذلك، قطرياً، وخليجياً، وعربياً وقانونياً، وسيادياً، وسياسياً، ومنطقياً.
والغريب، العجيب، المريب، أن دول الغرب الأوروبي تطالب روسيا بدفع فاتورة إعمار أوكرانيا،
لكنها لا تطبق هذا المبدأ على إسرائيل، التي دمرت قطاع غزة تدميراً ساحقاً ماحقاً، بدعم أمريكي وإسناد أوروبي.
ولا يخفى على أحد أن الدول الأوروبية قدمت لإسرائيل أنواعا متعددة، وأشكالاً متنوعة من الدعم المباشر وغير المباشر، تم توزيعه على القطاعات السياسية والعسكرية، والاستخبارية، والاقتصادية، والتكنولوجية، في الكيان الصهيوني.
وهي بهذا الموقف غير الأخلاقي تعتبر شريكا أساسيا في جريمة تدمير قطاع غزة، وينبغي أن تساهم بالنصيب الأكبر لإعادة إعماره.
ولا أنسى وجود مؤسسات غربية حكومية ساهمت بشكل مباشر في تمويل العدوان الصهيوني على قطاع غزة، عبر شراء السندات الحكومية الإسرائيلية، التي تحولت إلى أداة وآلية مباشرة لتمويل الإبادة، ضد أكثر من مليوني فلسطيني.
وتظهر هذه الحقيقة التناقض الفاضح ولا أقول الواضح فحسب، بين الخطاب الأوروبي المناهض للعدوان الروسي على أوكرانيا، ومطالبة روسيا بتسديد فاتورة الإعمار.
وتطبيقات هذا القرار على أرض الواقع عندما يتعلق الأمر بالعدوان الصهيوني على قطاع غزة، مما يؤكد ازدواجية المعايير الأوروبية، بعيداً عن القيم الأخلاقية، والضوابط القانونية، والالتزامات الإنسانية.
وفي سياق مقالي عن قواعد الإعمار، لا أكشف سراً من الأسرار، عندما أوجه أصابع الاستنكار إلى دول أوروبية، تصدرت المشهد الدرامي الدامي، الذي يغطي القطاع الفلسطيني.
وفي مقدمتها ألمانيا التي يقتضي الواجب الأخلاقي، والإنساني، والسياسي، أن يكون لها دور رئيسي، في إعادة إعمار ما دمرته، شريكتها التجارية، وحليفتها الاستراتيجية في قطاع غزة، بحجة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
والمعيب أنها تتباهى بأن دعم إسرائيل يشكل مبدأ راسخاً في سياستها، منذ عقود وعهود.
وتتفاخر بأن الوقوف إلى جانب إسرائيل ودعمها سياسياً وعسكرياً، يشكل النواة الأساسية لسياستها في المنطقة.
رغم حملة الإبادة التي مارستها وتمارسها حكومة التطرف الصهيوني ضد أهالي غزة.
ورغم القتل والقمع والاعتقال الذي يستهدف الأبرياء ويتعارض مع حقوق الإنسان.
ورغم سلوك الجيش الإسرائيلي المشين وعمله المهين، الذي يخرج عن إطار القانون الدولي اللاإنساني، ويشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان.
ورغم عرقلة إسرائيل لمبدأ حل الدولتين وقيامها بتوسيع مشاريع الاستيطان، الذي يعتبر واحداً من أعمال الشيطان الصهيوني.
ولأن معظم دول الغرب الأوروبي لم تفعل ما يمكن فعله، لتجنب المدنيين الفلسطينيين ويلات العدوان الصهيوني.
ولأنها لم تتحرك ميدانياً لوقف الدمار الهائل الذي أحدثته الآلة العسكرية الإسرائيلية، في القطاع الفلسطيني.
ولأنها لم تقدم ما يمكن فعله، لوقف الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، ولم تستخدم الأدوات القانونية المتاحة دولياً، لوقف الدمار.
ولأنها كانت متواطئة، قولاً وفعلاً وتفاعلاً مع إسرائيل، في عدوانها المشين على الفلسطينيين.
ولكل هذا، وذاك، وهذاك، من ذلك النوع الأبشع والأقذر، بين كل أنواع الانحياز الغربي لإسرائيل،
ينبغي على دول الغرب الأوروبي، التي دعمت حكومة الإرهابي نتنياهو، في عدوانه الوحشي على أهالي غزة، وساهمت بشكل مباشر وغير مباشر، في تدمير حواضرهم وبيوتهم ومدارسهم ومستشفياتهم، وأبراجهم، و«بياراتهم»، وقدمت السلاح، والعتاد العسكري، والغطاء السياسي، والدعم اللوجستي والاستخباراتي، الذي ساهم في تدمير القطاع الفلسطيني.
أقول بملء فمي وبأعلى صوتي: ينبغي على هذه الدول مجتمعة أن تتحمل تكلفة الإعمار، وإزالة آثار الدمار، وإصلاح كافة الأضرار، في قطاع غزة المنهار.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
795
| 16 ديسمبر 2025
تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى الدول أو الأفراد، بظهور بعض الشخصيات والحركات، المدنية والمسلحة، التي تحاول القيام بأدوار إيجابية أو سلبية، وخصوصا في مراحل بناء الدول وتأسيسها. ومنطقيا ينبغي على مَن يُصَدّر نفسه للقيام بأدوار عامة أن يمتاز ببعض الصفات الشخصية والإنسانية والعملية والعلمية الفريدة لإقناع غالبية الناس بدوره المرتقب. ومن أخطر الشخصيات والكيانات تلك التي تتعاون مع الغرباء ضد أبناء جلدتهم، وهذا ما حدث في غزة خلال «طوفان الأقصى» على يَد «ياسر أبو شباب» وأتباعه!. و»أبو شباب» فلسطيني، مواليد 1990، من مدينة رفح بغزة، وَمَسيرته، وفقا لمصادر فلسطينية، لا تُؤهّله للقيام بدور قيادي ما!. ومَن يقرأ بعض صفحات تاريخ «أبو شباب»، الذي ينتمي لعائلة «الترابية» المستقرة في النقب وسيناء وجنوبي غزة، يجد أنه اعتُقِل في عام 2015، في غزة، حينما كان بعمر 25 سنة، بتهمة الاتّجار بالمخدّرات وترويجها، وحكم عليه بالسجن 25 سنة. وخلال مواجهات «الطوفان» القاسية والهجمات الصهيونية العشوائية على غزة هَرَب «أبو شباب» من سجنه بغزة، بعدما أمضى فيه أكثر من ثماني سنوات، وشكّل، لاحقا، «القوات الشعبية» بتنسيق مع الشاباك «الإسرائيلي»، ولم يلتفت إليها أحد بشكل ملحوظ بسبب ظروف الحرب والقتل والدمار والفوضى المنتشرة بالقطاع!. وبمرور الأيام بَرَزَ الدور التخريبي لهذه الجماعة، الذي لم يتوقف عند اعترافها بالتعاون مع أجهزة الأمن «الإسرائيلية» بل بنشر التخريب الأمني، والفتن المجتمعية، وقطع الطرق واعتراض قوافل المساعدات الإنسانية ونهبها!. وأبو شباب أكد مرارًا أن جماعته تَتَلقّى الدعم «دعماً من الجيش الإسرائيلي»، وأنهم عازمون على «مواصلة قتال حماس حتى في فترات التهدئة»!. وهذا يعني أنهم مجموعة من الأدوات الصهيونية والجواسيس الذين صورتهم بعض وسائل الإعلام العبرية كأدوات بديلة لتخفيف «خسائر الجيش الإسرائيلي باستخدامهم في مهام حسّاسة بدل الاعتماد المباشر على القوات النظامية»!. ويوم 4 كانون الأول/ ديسمبر 2025 أُعلن عن مقتل «أبو شباب» على يد عائلة «أبو سنيمة»، التي أعلنت مسؤوليتها عن الحادث: وأنهم «واجهوا فئة خارجة عن قيم المجتمع الفلسطيني». وبحيادية، يمكن النظر لهذا الكيان السرطاني، الذي أسندت قيادته بعد مقتل «أبو شباب» إلى رفيقه «غسان الدهيني» من عِدّة زوايا، ومنها: - الخيانة نهايتها مأساوية لأصحابها، وماذا يَتوقّع أن تكون نهايته مَن يَتفاخر بعلاقته مع الاحتلال «الإسرائيلي»؟ - دور جماعة «أبو شباب» التخريبي على المستويين الأمني والإغاثي دفنهم وهم أحياء، مِمّا جعل مقتل «أبو شباب» مناسبة قُوْبِلت بالترحيب من أكثرية الفلسطينيين وغيرهم. - مقتل «أبو شباب» يؤكد فشل الخطة «الإسرائيلية» بجعل مجموعته المُتَحكِّم بمدينة «رفح» وجعلها منطقة «حكم ذاتي» خارج سيطرة المقاومة، وبهذا فهي ضربة أمنية كبيرة «لإسرائيل» التي كانت تُعوّل عليهم بعمليات التجسّس والتخريب. - قد تكون «إسرائيل» تَخلّصت منه، قبل إرغامها، بضغوط أمريكية، على المضي بالمرحلة الثانية من اتّفاق وقف إطلاق النار وذلك بتركه ليواجه مصيره كونه قُتِل بمنطقة سيطرة جيشها!. - الحادثة كانت مناسبة لدعم دور المقاومة على أرض غزة، ونقلت هيئة البثّ «الإسرائيلية»، الأحد الماضي، عن مصادر فلسطينية أن «مسلحين ينتمون لمليشيات عشائرية معارضة لحماس سَلّموا أنفسهم طواعية لأجهزة (حماس) الأمنية في غزة». منطقيًا، لو كانت جماعة «أبو شباب» جماعة فلسطينية خالصة ومنافسة بعملها، السياسي والعسكري، للآخرين بشفافية وصدق لأمكن قبول تشكيلها، والتعاطي معه على أنه جزء من المشاريع الهادفة لخدمة القطاع، ولكن حينما تَبرز خيوط مؤكدة، وباعترافات واضحة، بارتباط هذا الكيان وشخوصه بالاحتلال «الإسرائيلي» فهنا تكون المعضلة والقشّة التي تَقصم ظهر الكيان لأن التعاون مع المحتل جريمة لا يُمكن تبريرها بأيّ عذر من الأعذار. مقتل «أبو شباب» كان متوقعا، وهي النهاية الحتمية والسوداء للخونة والعملاء الذين لا يَجدون مَن يُرحب بهم من مواطنيهم، ولا مَن يَحْتَرِمهم من الأعداء، ولهذا هُم أموات بداية، وإن كانوا يمشون على الأرض، لأنهم فقدوا ارتباطهم بأهلهم وقضيتهم وإنسانيتهم.
657
| 12 ديسمبر 2025
السعادة، تلك اللمسة الغامضة التي يراها الكثيرون بعيدة المنال، ويظنون أن تحصيلها لا يكمن سوى في تحقيق طموحاتهم ومضامين خططهم، لكن السعادة ربما تأتيك على هيئة لا تنتظرها، قد تأتي فجأة وأنت في لحظة من الغفلة، فتكون قريبة منك أشد القرب، كما لو كانت تلتف حولك وتحيط بك من كل جانب. كثيرًا ما تختبئ السعادة في تلك التفاصيل التي لا تكترث بها، في تلك اللحظات التي تمر سريعة وكأنها حلم. ربما مر عليك تلك الليلة التي تلوت فيها القرآن، فتوقف قلبك عند آية بعينها، فانبعثت من أعماقك مشاعر جديدة، فسالت دموعك على وجنتيك، أو ربما كانت تلك الدمعة الثمينة قد سكبتها في إناء ركعة بجوف الليل، فسرت فيك طمأنينة وسكينة ورقة لم تعهدها، لا تعدل بها شيئًا من لذات الدنيا، ألم يكن ذلك موعدًا لك مع السعادة؟ وربما مر عليك يوم، كنت تقلب منزلك رأسًا على عقب بحثًا عن شيء مفقود، وبينما أنت في حال من اليأس، تتذكر موضعه، أو يظهر لك في موضع لم تتوقعه كأنه يهدئ من روعك قائلًا: «هأنذا»، فتبتسم وتبتسم وتتسع ابتسامتك، ألم تكن هذه اللحظة الرائعة موعدًا لك مع السعادة؟ وذلك الفقير الذي يعاني من ضيق اليد، ربما قضى ليلته مهمومًا يفكر كيف يدبر قوتًا أو شيئًا من أمور المعاش لأهله، وبينما يخرج مجترًا همومه، يكتشف في جيب سترته القديمة ورقات نقدية قد نسيها منذ العام الماضي، فيتحول ذلك الفقر إلى لحظة من الفرح، ألم يكن هذا الرجل على موعد مع السعادة؟ حدثني أحدهم وكان حديث عهدٍ بالزواج أن صديقًا طرق بابه يطلب منه بعض المال، وهو لا يملك في جيبه غير مبلغ زهيد بالكاد يكفيه، لكنه يأبى أن يرد سائله، ويؤثره على نفسه رغم الخصاصة، ثم في نفس اليوم تزوره خالة له جاءت من سفر على غير موعد، لتبارك له وتهنئه، فأعطته مبلغًا من المال، فإذا به يراه نفس المبلغ الذي بذله إلى صديقه بالتمام والكمال لم ينقص منه قرش، فتجلى أمامه ذلك الوعد الإلهي بالعوض، ألم يكن ذلك الرجل على موعد مع السعادة؟ وذاك الذي كان على وشك أن يسقط في يد أعدائه وقد أشهروا أسلحتهم في وجهه، وبينما كان الخنجر يوشك أن يغرس في صدره، إذا به يستفيق فجأة من حلم مزعج، ويكتشف أنه كان مجرد كابوس، فيحمد الله على نجاته باليقظة من ذلك الهلع، ألم يكن وقت نجاته من ذلك الكابوس على موعد مع السعادة؟ وماذا عن تلك اللحظة التي أخذت فيها بيد عجوز هرم، تمشي بصعوبة وتبدو ملامحها تحمل سنوات من التجاعيد، لتسير بها إلى الجهة الأخرى من الطريق؟ ثم ترى تلك الدعوات التي تتدفق منها، والتي تظل تشعرك بالدفء والسعادة، وكأن دعاءها درعٌ لك، ألم يكن ذلك موعدًا لك مع السعادة؟ وكم هي السعادة حقيقية عندما يتمكن من الإصلاح بين زوجين كانا على شفير الفراق، فيكون سببًا في حماية ذلك البيت من الخراب؟ أو عندما يغمره الضحك على فكاهة بريئة تكاد تطيح به على ظهره من شدة السعادة؟ ألا يجد السعادة في تلك اللحظة الصغيرة عندما يقابل طفلة مبتسمة في الشارع، تملأ قلبه بالفرح بلا سبب آخر سوى ابتسامتها الطفولية؟ أليست كل هذه المشاهد مواعيد للمرء مع السعادة؟ السعادة تكمن في كل زاوية، في لمحة صغيرة، في حديث عابر، في ابتسامة، في دعوة، في لحظة طمأنينة، في إنجاز بسيط. نحن الذين نغفل عنها لأننا نبحث عنها في مكان بعيد، ولو أننا فهمنا أن السعادة ليست في ما نمتلكه من أشياء، بل في قدرتنا على الرضا، لتغيرت حياتنا. ليتنا ندرك أن السعادة ليست حلمًا بعيدًا أو حلمًا محجوزًا لمن يسعى للوصول إلى شيء معين، بل هي لحظات متجددة متغيرة متناوبة في كل يوم. السعادة موجودة في القلوب الراضية، وفي الأرواح الطاهرة، وفي الأبصار التي تلتقط جمال الحياة حتى في أصغر تفاصيلها، وما علينا سوى أن نرصد واقعنا بعين القناعة والتفاؤل، نتخلى قليلًا عن النظارة السوداء، فندرك أن مواعيد السعادة لا تنتهي.
642
| 14 ديسمبر 2025