رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الحمد لله الذي هيأ أسباب الأفراح للدولة، وذلك قبل أن يتم الاحتفال السنوي الذي يصادف الثامن عشر من ديسمبر في كل عام، وذكرى المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني رحمه الله في تأسيس كيان دولة قطر وتلاحم شعبه من قبائل وعوائل وأفراد حوله في سبيل استقلال قطر ونهضتها بسواعد أبنائها.
فحصول المنتخب الوطني على كأس الخليج 22 في العاصمة السعودية الرياض، أدخل السرور والبهجة في نفوس القطريين والمقيمين والمحبين للعنابي في كل مكان، وكان احتفال الإخوة في الخليج هو الأبرز، والأكثر تهنئة عند حصوله على الفوز، ثم كانت الفرحة الكبرى وخلال تلك الفترة باجتماع الرياض بين القادة في الخليج، وعودة الأمور إلى طبيعتها، والتي نتج عنها عودة السفراء إلى الدوحة مباشرة، فكان له الأثر الأكبر في نفوس أهل الخليج، وفي الأسبوع الماضي عُقدت قمة دول مجلس التعاون الخامسة والثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربيّة 9 - 10 ديسمبر 2014 في الدوحة، وكانت القمة التي تمتعت أو لنقل تميزت بكسر الجليد الذي عملت القمة على إذابته بحنكة وحكمة وسياسة القيادة القطرية، التي اتخذت من الحوار أساسا لحل الخلافات، ولم تعتمد على أي أمر آخر من شأنه أن يزيد الانشقاق والفرقة بين الإخوة في الخليج الواحد.
وها نحن نحنفل بإذن الله تعالى يوم الخميس القادم باليوم الوطني الذي يحمل شعار "وعاملت أنا بالصدق والنصح والنقى"، وهو شطر لبيت من الشعر لقصيدة معروفة للمؤسس رحمه الله، والتي تُبيّن حرصه وأساسيات حكمه، والدستور الذي رسمه لنفسه ولوطنه ولشعبه، فتناقلته الأجيال، وها نحن نحتفل باليوم الوطني وبإنجازاته بعد مرور أكثر من مئة عام على رحيله رحمه الله.
وما مظاهر الاحتفال التي يُشارك بها الجميع إلا وسيلة لتذكير الأجيال بما قام به الآباء والأجداد في سبيل حصولهم على حياة كريمة يستقلون بها عن الغير في بناء الوطن، ويشاركون بها إخوة الدين واللغة والعقيدة والإنسانية بكل ما يستطيعون، وليس أدل من ذلك على جميع الشعارات السابقة التي تم اعتمادها عنوانا لليوم الوطني في أنها تخاطب كل من له علاقة بدولة قطر، سواء بالمواطنة أو بالعيش الكريم على أرضها، أو حتى بالإقامة فيها لفترة وجيزة أو حتى عابرة، فنحن نؤمن إيمانا راسخا بأن من حق الجميع أن يُشاركنا ويحتفل معنا في مناسباتنا، ولا نحصر عليه المشاركة في أمر دون غيره، وهذا ما لمسناه من الإخوة الإعلاميين بعد القمة الخليجية، وذلك عندما قاموا بزيارة مقر درب الساعي، كيف لمسوا ووجدوا تفاعل الجمهور من أجناس مختلفة في هذه المناسبة بكل حب وتقدير، بل وحرصهم على اصطحاب أهلهم وذويهم كبارا وصغارا للمشاركة في هذه المناسبة الغالية على قلوب الجميع.
والأجمل من وجهة نظري هو طرق الاحتفال المختلفة في الدولة، فالجهات الحكومية تُشارك بما تراه مناسبا لهذه المناسبة بطريقتها الخاصة، ولم يقتصر ذلك على الجهات الحكومية، بل إن التنافس من الشركات والمؤسسات الخاصة أيضا كانت أكثر فعالية، فالكل يحتفل بشكل شخصي أو عائلي أو حتى على مستوى القبائل القطرية التي أقامت وتقيم فعاليات بهذه المناسبة، فتجد الزيارات المتبادلة بين القبائل وتجد الشيوخ والوزراء والسفراء حريصين على المشاركة بهذه المناسبة، لدرجة أننا نستطيع القول بأن كل احتفالية هو مهرجان مصغر في "حب قطر"، كما أنها وسيلة في التعبير عن تجديد الولاء والعهد الذي ما زال يجري في عروق القطريين، وأنهم يُكملون سيرة الآباء والأجداد، وأنهم باقون ومستمرون على نهج الأولين ومحافظون على العهود التي قطعها من سبقهم على أنفسهم وأوصوا بها من بعدهم الأولاد والأحفاد، فهناك من يعتقد أن مثل هذه الفعاليات لا داعي لإقامتها، ويجب أن تكون جميع الاحتفالات في مكان واحد، ومع تقديري واحترامي لكل ما كتبه، وأنا متأكد من حرصه وحبه للمشاركة الواحدة التي تجمع الجميع في مكان واحد، وأتمنى أن تكون هناك مثل هذه الأماكن يجتمع فيها الجميع ولو بشكل متفاوت ومدروس، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن لا تكون هناك احتفالات خاصة سواء للعوائل أو القبائل أو الأفراد في أماكن خاصة مهيأة تجمع الجميع، لأن من الاستحالة أن تكون طريقة الاحتفال معبرة أكثر مما نشاهده من احتفالات وفعاليات كما نراها وسنراها إن شاء الله في قادم الأيام، كما أنه لا يمكن أن تُجبر من هم في بيوتهم أو أحيائهم من الاجتماع في أحد المجالس أو أماكن التجمعات الاعتيادية من الاحتفال، كما أن الأمكان العامة متوافرة وموجودة، كمقر درب الساعي الذي يضم العديد من الفعاليات والجهات الحكومية ووسائل الإعلام المختلفة التي تعمل على رصد وتغطية هذه المناسبة بشكل أكبر، بل من اللافت خلال الأيام القليلة الماضية أن هناك مباردات فردية قام بها أبناء الوطن في التعبير عن فرحتهم بهذه المناسبة، على سبيل المثال قيام الشاعر الكبير فالح العجلان بتوزيع الجزء الثاني منCD الشاذلية، والذي احتوى على أعمال مهمة وطنية من كلماته، والتي قام بتأديتها فنانون محليون وخليجيون، كما أن مجلة الريان تقوم منذ إصدارها بالمشاركة في اليوم الوطني بعدد خاص توثيقي ويضم الكثير من المعلومات والمقالات والمقابلات التي لها ارتباط وثيق بالمناسبة أيضا؛ فلا نستطيع أن نقول له يجب عليك الاحتفال بشكل جماعي، فمن حق الجميع أن يحتفل بالطريقة التي تناسبه، بشرط أن تكون مقبوله وغير مخالفة للأعراف والعادات والتقاليد وأهمها الجانب الديني الذي يحكمنا، ولا يفوتني أن أرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات إلى مقام حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى وإلى سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني حفظهما الله وإلى سمو الشيخ عبدالله بن حمد آل ثاني نائب الأمير وإلى معالي الشيخ عبدالله بن ناصر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وإلى عموم الشعب القطري الكريم بهذه المناسبة الغالية، التي نسأل الله أن يديمها علينا سنين عديدة وأزمنة مديدة، داعين المولى عز وجل أن يحفظ دولة قطر وأن يُسدد على طريق الخير خطاها، وأخيرا أستشهد بكلمات للوطن لشاعر الوطن فالح العجلان، والتي يقول فيها:
عــانـقـي هــام الـســحــايــب والــرعـــود
بـــالــشــوامــخ لــك مــكــان ومــنـــزله
يــا بــلــدنــا حــن خــلــقــنــا لــك جــنـــود
لا غـــدى لــلــحــــرب نـــار وزلــــزله
يــا شـمـوخ الـعــز يا أرض الـجـدود
آخــــــــــر الأنــــفــــــاس وإنــتـــي الأوله
يــشــهــد الهـ مــا نـــخــونــك بــالـعـهـود
لــجــلــك الــمـوت الــمـصفّى نــنــهــله
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
711
| 16 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش على الأرض (غياب النضج المهني) لدى القيادات. وهذا الغياب لا يبقى وحيدًا؛ بل ينمو ويتحوّل تدريجيًا إلى ما يمكن وصفه بالتحوّذ المؤسسي، حالة تبتلع القرار، وتحدّ من المشاركة، وتقصي العقول التي يُفترض أن تقود التطوير. تبدأ القصة من نقطة صغيرة: مدير يطلب المقترحات، يجمع الآراء، يفتح الباب للنقاش… ثم يُغلقه فجأة. يُسلَّم له كل شيء، لكنه لا يعيد شيئًا، مقترحات لا يُرد عليها، أفكار لا تُناقش، وملاحظات تُسجَّل فقط لتكملة المشهد، لا لتطبيقها. هذا السلوك ليس مجرد إهمال، بل علامة واضحة على غياب النضج المهني في إدارة الحوار والمسؤولية. ومع الوقت، يصبح هذا النمط قاعدة: يُطلب من المختصين أن يقدموا رؤاهم، لكن دون أن يكونوا جزءًا من القرار. يُستدعون في مرحلة السماع، ويُستبعدون في مرحلة الفعل. ثم تتساءل القيادات لاحقًا: لماذا لا يتغير شيء؟ الجواب بسيط: التطوير لا يتحقق بقرارات تُصاغ في غرف مغلقة، بل بمنظومة تشاركية حقيقية. أحد أكثر المظاهر خطورة هو إصدار أنظمة تطوير بلا آلية تنفيذ، تظهر اللوائح كأحلام مشرقة، لكنها تُترك دون أدوات تطبيق، ودون تدريب، ودون خط سير واضح. تُلزم بها الجهات، لكن لا أحد يعرف “كيف”، ولا “من”، ولا “متى”. وهنا، يتحول النظام إلى حِمل إضافي بدل أن يكون حلاً تنظيميًا. في كثير من الحالات، تُنشر أنظمة جديدة، ثم يُترك فريق العمل ليخمن طريقة تطبيقها، وعندما يتعثر التطبيق، يُحمَّل المنفذون المسؤولية وتصاغ خطابات الإنذار. هذا المشهد لا يدل فقط على غياب النضج المهني، بل على عدم فهم عميق لطبيعة التطوير المؤسسي الحقيقي. ثم يأتي الوجه الأوضح للخلل: المركزية المفرطة، مركزية لا تُعلن، لكنها تُمارس بصمت. كل خطوة تحتاج موافقة عليا، كل فكرة يجب أن تُصفّى، وكل مقترح يمر عبر «فلترة» شخصية، لا منهجية. في هذا المناخ، يفقد الناس الرغبة في المبادرة، لأن المبادرة تصبح مخاطرة، لا قيمة. وهنا تتحول المركزية تدريجيًا إلى تحوّذ مؤسسي كامل. القرار محتكر. المبادرات محجوزة. المعرفة مقيّدة. والنظام الإداري يُدار بعقلية الاستحواذ، لا بعقلية التمكين. التحوّذ المؤسسي هو الفخ الذي تقع فيه الإدارات حين يغيب عنها النضج. يبدأ من عقلية مدير، ثم ينتقل إلى أسلوب إدارة، ثم يتحول إلى ثقافة صامتة في المؤسسة. والنتيجة؟ - تجميد للأفكار. - هروب للعقول. - فقدان للروح المهنية. - تطوير شكلي لا يترك أثرًا. أخطر ما في التحوّذ أنه يرتدي ثياب التنظيم والجودة واللوائح، بينما هو في جوهره خوف مؤسسي من المشاركة، ومن نجاح الآخرين، ومن توزيع الصلاحيات. القيادة غير الناضجة ترى الأفكار تهديدًا، وترى الكفاءات منافسة، وترى التغيير خطرًا، لذلك تفضّل أن تُبقي كل شيء في يدها حتى لو تعطلت المؤسسة بأكملها. القيادة الناضجة لا تعمل بهذه الطريقة. القيادة الناضجة تستنير بالعقول، لا تستبعدها. تسأل لتبني، لا لتجمّل المشهد. تُصدر القرار بعد فهم كامل لآلية تطبيقه. وتعرف أن التطوير المؤسسي الحقيقي لا يقوم على السيطرة، بل على الثقة، والتفويض، والوضوح، وبناء أنظمة تعيش بعد القائد لا معه فقط. ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بصراحة لا تخلو من الجرأة: هل ما نراه هو تطوير مؤسسي حقيقي… أم تحوّذ إداري مغطّى بشعارات التطوير؟ المؤسسات التي تريد أن ترتقي عليها أن تراجع النضج المهني لقياداتها قبل أن تراجع خططها، لأن الخطط يمكن تعديلها… لكن العقليات هي التي تُبقي المؤسسات في مكانها أو تنهض بها.
708
| 11 ديسمبر 2025
تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى الدول أو الأفراد، بظهور بعض الشخصيات والحركات، المدنية والمسلحة، التي تحاول القيام بأدوار إيجابية أو سلبية، وخصوصا في مراحل بناء الدول وتأسيسها. ومنطقيا ينبغي على مَن يُصَدّر نفسه للقيام بأدوار عامة أن يمتاز ببعض الصفات الشخصية والإنسانية والعملية والعلمية الفريدة لإقناع غالبية الناس بدوره المرتقب. ومن أخطر الشخصيات والكيانات تلك التي تتعاون مع الغرباء ضد أبناء جلدتهم، وهذا ما حدث في غزة خلال «طوفان الأقصى» على يَد «ياسر أبو شباب» وأتباعه!. و»أبو شباب» فلسطيني، مواليد 1990، من مدينة رفح بغزة، وَمَسيرته، وفقا لمصادر فلسطينية، لا تُؤهّله للقيام بدور قيادي ما!. ومَن يقرأ بعض صفحات تاريخ «أبو شباب»، الذي ينتمي لعائلة «الترابية» المستقرة في النقب وسيناء وجنوبي غزة، يجد أنه اعتُقِل في عام 2015، في غزة، حينما كان بعمر 25 سنة، بتهمة الاتّجار بالمخدّرات وترويجها، وحكم عليه بالسجن 25 سنة. وخلال مواجهات «الطوفان» القاسية والهجمات الصهيونية العشوائية على غزة هَرَب «أبو شباب» من سجنه بغزة، بعدما أمضى فيه أكثر من ثماني سنوات، وشكّل، لاحقا، «القوات الشعبية» بتنسيق مع الشاباك «الإسرائيلي»، ولم يلتفت إليها أحد بشكل ملحوظ بسبب ظروف الحرب والقتل والدمار والفوضى المنتشرة بالقطاع!. وبمرور الأيام بَرَزَ الدور التخريبي لهذه الجماعة، الذي لم يتوقف عند اعترافها بالتعاون مع أجهزة الأمن «الإسرائيلية» بل بنشر التخريب الأمني، والفتن المجتمعية، وقطع الطرق واعتراض قوافل المساعدات الإنسانية ونهبها!. وأبو شباب أكد مرارًا أن جماعته تَتَلقّى الدعم «دعماً من الجيش الإسرائيلي»، وأنهم عازمون على «مواصلة قتال حماس حتى في فترات التهدئة»!. وهذا يعني أنهم مجموعة من الأدوات الصهيونية والجواسيس الذين صورتهم بعض وسائل الإعلام العبرية كأدوات بديلة لتخفيف «خسائر الجيش الإسرائيلي باستخدامهم في مهام حسّاسة بدل الاعتماد المباشر على القوات النظامية»!. ويوم 4 كانون الأول/ ديسمبر 2025 أُعلن عن مقتل «أبو شباب» على يد عائلة «أبو سنيمة»، التي أعلنت مسؤوليتها عن الحادث: وأنهم «واجهوا فئة خارجة عن قيم المجتمع الفلسطيني». وبحيادية، يمكن النظر لهذا الكيان السرطاني، الذي أسندت قيادته بعد مقتل «أبو شباب» إلى رفيقه «غسان الدهيني» من عِدّة زوايا، ومنها: - الخيانة نهايتها مأساوية لأصحابها، وماذا يَتوقّع أن تكون نهايته مَن يَتفاخر بعلاقته مع الاحتلال «الإسرائيلي»؟ - دور جماعة «أبو شباب» التخريبي على المستويين الأمني والإغاثي دفنهم وهم أحياء، مِمّا جعل مقتل «أبو شباب» مناسبة قُوْبِلت بالترحيب من أكثرية الفلسطينيين وغيرهم. - مقتل «أبو شباب» يؤكد فشل الخطة «الإسرائيلية» بجعل مجموعته المُتَحكِّم بمدينة «رفح» وجعلها منطقة «حكم ذاتي» خارج سيطرة المقاومة، وبهذا فهي ضربة أمنية كبيرة «لإسرائيل» التي كانت تُعوّل عليهم بعمليات التجسّس والتخريب. - قد تكون «إسرائيل» تَخلّصت منه، قبل إرغامها، بضغوط أمريكية، على المضي بالمرحلة الثانية من اتّفاق وقف إطلاق النار وذلك بتركه ليواجه مصيره كونه قُتِل بمنطقة سيطرة جيشها!. - الحادثة كانت مناسبة لدعم دور المقاومة على أرض غزة، ونقلت هيئة البثّ «الإسرائيلية»، الأحد الماضي، عن مصادر فلسطينية أن «مسلحين ينتمون لمليشيات عشائرية معارضة لحماس سَلّموا أنفسهم طواعية لأجهزة (حماس) الأمنية في غزة». منطقيًا، لو كانت جماعة «أبو شباب» جماعة فلسطينية خالصة ومنافسة بعملها، السياسي والعسكري، للآخرين بشفافية وصدق لأمكن قبول تشكيلها، والتعاطي معه على أنه جزء من المشاريع الهادفة لخدمة القطاع، ولكن حينما تَبرز خيوط مؤكدة، وباعترافات واضحة، بارتباط هذا الكيان وشخوصه بالاحتلال «الإسرائيلي» فهنا تكون المعضلة والقشّة التي تَقصم ظهر الكيان لأن التعاون مع المحتل جريمة لا يُمكن تبريرها بأيّ عذر من الأعذار. مقتل «أبو شباب» كان متوقعا، وهي النهاية الحتمية والسوداء للخونة والعملاء الذين لا يَجدون مَن يُرحب بهم من مواطنيهم، ولا مَن يَحْتَرِمهم من الأعداء، ولهذا هُم أموات بداية، وإن كانوا يمشون على الأرض، لأنهم فقدوا ارتباطهم بأهلهم وقضيتهم وإنسانيتهم.
639
| 12 ديسمبر 2025