رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

خالد الحروب

خالد الحروب

مساحة إعلانية

مقالات

1025

خالد الحروب

تأملات في "محور الممانعة"

14 سبتمبر 2015 , 03:33ص

تتأمل هذه السطور وبهدوء السياسات والمواقف التي تبناها "محور الممانعة" بقيادة إيران في العقد الأخير، وما أنتجته على الأرض من وقائع صلبة منافية ومضادة للشعارات التي تُرفع، أو حتى ضد الرغبات والتمنيات التي ربما كان بعضها صادقا وجادا. والافتراض النظري الذي تنطلق منه يأخذ الشعارات التي رفعها محور الممانعة في العشرية الأخيرة محمل الجد ويفترض صدقها.

بوصلة محور الممانعة كما نعرف جميعا وكما هو معلن ومتردد بشكل يومي في خطابات أطراف هذا المحور هو مواجهة "إسرائيل".. وبرنامج هذا المحور تبعاً لذلك يُفترض أن يكون خوض حرب كبرى مع إسرائيل وتحرير فلسطين، لكن هذا عملياً لم يحصل.

وإذا أردنا أن نحاسب هذا المحور تبعا لإعلاناته ونواياه وخطاباته، فإننا أولا نأخذ إعلاناته وخطابته وتهديداته لإسرائيل مأخذ الجد الكامل.. إذا قيل إن مطالبة محور الممانعة بخوض حرب كبرى وتحرير فلسطين هو أمر فيه تساذج كبير، فهناك ظروف وعوامل واعتبارات كثيرة تحول دون ذلك في الوقت الحاضر، فمعنى ذلك أنه من حق من ينتقد هذا المحور وسياساته أن يعتمد على قاعدة الشك والتمحيص في كل الشعارات والادعاءات، وأن ينتهي ذلك كله بمحور الممانعة كما انتهت الأمور بكل الأنظمة والمحاور التي استخدمت نفس الشعارات ثم لم تنفذها.. على كل حال، طالما وأن التحرير صعب فقد تركز خطاب الممانعة على دعم المقاومة، وهو تعبير فضفاض وغامض يفتح الباب لتفسيرات وتأويلات لا تنتهي، لكنه وهذا هو المهم يسمح بتمرير سياسات وممارسات عديدة، وإقامة تحالفات عابرة للحدود والوطنيات..

الخلاصة أنه إذا كان بالإمكان افتراض جدية خطاب المقاومة والممانعة في فلسطين، ويترجم إلى دعم عملي للمقاومة، فإن توظيف نفس خطاب الممانعة في أي مكان آخر في المنطقة العربية يكون هدفه توفير غطاء لسياسات نفوذ وتعزيز مكاسب إستراتيجية وغيرها، من لبنان إلى اليمن.

أطراف محور الممانعة تتفاوت درجة "ممانعتها"، وطبيعتها وتتباين أهداف كل منها، سواء أكانت دولا أم منظمات أم ميليشيات.. إيران هي النواة الصلبة والموجه لهذا المحور، يأتي بعدها نظام الأسد في سورية، وبينهما النظام في العراق المنخرط في هذا المحور ليس لدوافع ممانعة ومقاومة إسرائيل بقدر ما هو تحصيل حاصل تفرضه حقيقة الخضوع للنفوذ الإيراني في العراق وتبعية الطبقة السياسية الحاكمة فيه.

يلي ذلك حزب الله في لبنان ثم في السنوات الأخيرة برز نجم جماعة الحوثي في اليمن. في فلسطين نفسها حيث الراية التي يرفعها محور المقاومة هناك حماس والجهاد الإسلامي، الأولى تضع قدما في هذا المحور وأخرى خارجة منذ تحولات الربيع العربي، والثانية يتيح لها صغر الحجم مقدارا أكبر من المناورة حيث لا تُرصد تماما من قبل رادارات مراقبة تحولات الموقف السياسي..

ثم هناك بعض الفصائل الفلسطينية الهامشية من بقايا اليسار الثوري المتقلب والمُنهك من نقل البندقية من كتف حليف إلى آخر.. لكن الغريب، فلسطينيا، هو غياب أي رصيد شعبي أو تأييد حقيقي على مستوى الشارع الفلسطيني لمحور الممانعة، بيد أن هذا موضوع آخر، يستحق وقفة خاصة به، حتى لا يجرنا بعيدا عن التأمل في أجندة وأهداف كل طرف من هذه الأطراف وعلاقتها الحقيقية بجوهر "الممانعة"، أي فلسطين.. الأطراف الثلاثة الأهم في محور الممانعة هي إيران، وسورية وحزب الله.

إيران طبعا هي التي تستأثر بالقيادة والنقاش، لأن باقي الأطراف مجرد توابع تدور في الفلك الإيراني.. لنتأمل، ومن زاوية فلسطينية تحررية، الإنجاز الإيراني خلال السنوات المديدة من عمرها الممانع. منذ قيام ثورة الخميني في أواخر سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم مر أكثر من ثلاثة عقود ونصف، وخلالها لم يهدأ الخطاب الإيراني في تهديداته لإسرائيل يوماً ما، بما في ذلك التهديد بتدميرها والدعوة إلى محوها عن الخارطة. عمليا وعلى أرض الواقع لم يطلق أي فرد من الحرس الثوري الإيراني رصاصة على إسرائيل، وكثير منهم وصل إلى الأرجنتين، وقلب أوروبا، وبلدان أفريقية وأرجاء عديدة من العالم، لتنفيذ مهمات. لماذا لم تقم إيران بتحرير فلسطين وتنفيذ تهديداتها طيلة العقود الثلاثة والنصف وبرغم وجود "ولي أمر المسلمين" فيها؟ تلك الفترة الزمنية الطويلة هي أطول من الفترة التي اندلعت فيها حربان عالميتان في أوروبا، احتلت فيها دول، ودمرت أخرى، وحررت ثالثة وهكذا.. وهي نفس العمر الزمني للاتحاد السوفييتي الذي صار إمبراطورية عظمى ثم انهار في سبعين عاماً. لكن لماذا يوجه هذا السؤال لإيران وليس للعرب؟ الجواب لأن إيران هي التي حملت لواء الممانعة وهددت بتدمير إسرائيل.

أرادت إيران من خلال "دعم المقاومة" ورفع شعار الممانعة أن تحمل راية فلسطين الجذابة، ونجحت لسنوات ليست بالقليلة في الوصول إلى الرأي العام العربي عبر تلك الراية.. لكن مرة أخرى فإن الخلاصات على الأرض اليوم تقول لنا إن ما تحقق على جبهة "تحرير فلسطين" هو العكس تماماً: تعزز وجود إسرائيل، وتكرس احتلالها، وساهم التدخل الإيراني في القضية الفلسطينية في أحداث الانقسام الكبير والشرخ الرأسي في قلب الحركة الوطنية الفلسطينية، كما ساهم في فصم جغرافيتها أيضا.

مساحة إعلانية