رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الرئيس الراحل هوغو شافيز كان معجبا بعبدالناصر، هذا ما صرَّح به لإحدى الفضائيات العربية مبيناً أنه وطيلة حياته العسكرية في الجيش كان يتمثل بالزعيم العربي.
في الواقع إن مظاهر كثيرة يتشابه فيها الزعيمان: فمن حيث السياسة الخارجية وبخاصة تجاه الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل. أو في السياسات الداخلية وموقف كل منهما تجاه الفقراء والمحرومين في بلاده. أو من حيث التوجه نحو السياسات الاقتصادية اليسارية.حتى في الموت فثمة مظاهر مشتركة بين جنازتيهما.هذا الحشد الجماهيري الواسع ودموع الملايين من الناس تنهمر على الوجوه في حزن نابع من القلب، إضافة إلى الحزن الشعبي التلقائي في الوطن العربي والعالم بالنسبة لعبد الناصر، وفي أمريكا اللاتينية وعلى صعيد دول عديدة لشافيز.
الفلسطينيون كما الأمة العربية افتقدوا شافيز رئيساً صديقاً للقضايا الوطنية العربية وبخاصة تجاه القضية الفلسطينية. ولذلك كان الحزن الفلسطيني والعربي عارماً على الرئيس الراحل، فلا يمكن أن يُنسى طرد شافيز للسفير الإسرائيلي من كراكاس واستدعاؤه للسفير الفنزويلي من تل أبيب أثناء العدوان الصهيوني على قطاع غزة في عامي 2008 ،2009 وهو الذي طالب بمحاكمة قادة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية.
فنزويلا في زمن الرئيس الراحل أصبحت دولة قوية معروفة في كل أنحاء العالم، فالرئيس الذي يعشق الديمقراطية وصناديق الاقتراع، آمن بها مبدأ أساسياً للتغيير في فنزويلا.. جابه الولايات المتحدة ولم يخش حصارها مثلما تصرفت تجاه جزيرة الحرية في كوبا. التي لا تزال محاصرة للعام الستين على التوالي.
شافيز شقّ طريقه التغييري وسط الأنواء والعواصف؛ حارب البطالة والفساد والجهل والمرض والعجز، واهتم بالرعاية الصحية والتعليم ونشر مبادئ العدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان والتقدير للشعب، أحب شعبه وعمل على تحقيق مصالحه، فبادله شعبه وشعوب أمريكا اللاتينية كل هذا الحب والوفاء والاحترام.
تمرد شافيز على الأعراف السائدة في عالم القطب الواحد؛ فعلى صعيد الدول في أمريكا اللاتينية وفي الجمهوريات التي أطلقت عليها واشنطن "جمهوريات الموز". واعتبرتها حديقتها الخلفية. فمارس سياسة يتحدى فيها واشنطنـ، هذا الاشتراكي المسكون بالعدالة والعداء للاستعمار بكل مظاهره وأشكاله كان قائداً مُلهماً للعديد من دول أمريكا اللاتينية. وبصناديق الاقتراع وصل الاشتراكيون والتقدميون إلى السلطة؛ في البرازيل حيث أدى التغيير السياسي والاقتصادي إلى قفزة نوعية بالنسبة لوضع هذا البلد على الصعيد العالمي.
ساعد شافيز على التغيير في كل من الأورغواي وبوليفيا وغيرهما من الدول.امتلك أفضل العلاقات مع كوبا ومع الزعيم فيديل كاسترو، وهو كرر تجربة سلفادور الليندي في تشيلي وإن كانت بطريقة مختلفة.
لقد بدت كل من واشنطن وتل أبيب بعد وفاة شافيز، وكأنهما بانتظار هذه اللحظة، فالناطق الرسمي باسم كل منهما أعرب عن أمله في عودة العلاقات مع فنزويلا إلى سابق عهدها في العهد الجديد. لكن من المشكوك فيه عودة علاقات كاراكاس مع هاتين الدولتين إلى سابق عهدها، فخليفة شافيز نائبه نيكولاس مادورو هو من تلاميذ مدرسة النهج الشافيزي وسيظل وفياً إليها، وهو بعد شهر سيخوض الانتخابات وغالباً ما سيكون في مواجهة المعارض هنريكي كابريليس الذي صرح للصحفيين بعد وفاة الرئيس "بأن شافيز كان خصماً وليس عدواً "هذا رغم أن شافيز كان يوجه إليه أوصافاً قاسية.
غالباً سيظل النهج الشافيزي قائماً ليس في فنزويلا فحسب، وإنما في أمريكا اللاتينية. فبرغم أن الفترة التي قضاها شافيز في الحكم لا تتجاوز (14) عاماً. لكنها تجربة انزرعت في عمق الشعب الفنزويلي. فهي تمثلت في السياسة الخارجية، وفي التطبيقات الاقتصادية فقد قامت على امتلاك الدولة لمؤسسات القطاع العام الأساسية؛ ومن أهمها البترول، الذي تضاعف أسعاره في السنوات الأخيرة، الأمر الذي أسهم في مساعدة شافيز على المضي قدماً في إصلاحاته الاقتصادية، وهي إصلاحات أصبحت في موقع متقدم ومن الصعوبة بمكان عودتها إلى الوراء.
على الصعيد الداخلي فالشافيزية قامت على احترام حقوق الإنسان في فنزويلا، وعلى تطبيق الديمقراطية. فالرئيس شافيز استفاد كثيراً من فترة سجنه بعد قيادته لانقلاب عسكري فاشل، واجه الاستعمار من صناديق الاقتراع معتمداً على الجماهير الشعبية وعلى ما يؤمن به من قيم عناوينها: الحرية والعدالة والكرامة. والثروات من أجل خدمة الشعب، أولاً وأخيراً.. ومن أجل الارتقاء بالوطن.لذا رغم الكره الشديد من قبل واشنطن لشافيز لم تستطع التسجيل عليه أي مآخذ. ولا تمكنت من اتهامه بالدكتاتورية.
لكل ذلك فإن الشافيزية لها ما يدعهما ويساعد على استمرارها. وبأنها لن تكون مرتبطة بشخص الرئيس شافيز. بالقدر الذي هي فيه نهج أثبت صحته وصوابيته على صعيد التطبيق الفعلي.كل ذلك لا يكفي كي تستمر الشافيزية: فهي وإن امتلكت حزباً يعتنق أيديولوجية تعبر عن نفسها بالمثل التي طبقها الرئيس وهو: الحزب الاشتراكي الموحد لفنزويلا، لكنها بحاجة إلى التغلغل كمعتقد أيديولوجي بين غالبية الشعب الفنزويلي وشعوب أمريكا اللاتينية ويتوجب أن تخرج من دائرة الارتهان بشخص الرئيس أو نائبه. وإن استمرت لمرحلة فما هي الضمانات لاستمراريتها مستقبلاً؟.. من قبل تصورنا أن الناصرية لن تكون مرتبطة فقط بوجود شخص الرئيس عبدالناصر وذلك لوجود الحزب الذي هو "الاتحاد الاشتراكي العربي" والذي تبين بعد تسلم السادات لمنصب رئاسة الجمهورية: أن الاتحاد الاشتراكي العربي كان بناء هشاً، لا يفرض معتقداته على الرئيس. بل الأخير هو الذي يقولبه كيفما يشاء. بالسياسات التي انتهجها السادات على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية على المستويين الداخلي والخارجي مثّل ردّة حقيقية عن كل السياسات التقدمية الناصرية.لذلك نتمنى على الشعب الفنزويلي وقيادة الحزب النضال من أجل تحويل تطبيقات الرئيس الراحل شافيز وسياساته إلى نهج أيديولوجي معتنق يتبناه الحزب الاشتراكي الموحد لفنزويلا. حزب يعتمد على الجماهير الفنزويلية الواسعة التي تؤمن تماماً بهذا النهج وهذه المدرسة، فلا يمكن الاتكاء على تراث وتجربة الرئيس شافيز والقول بأن المستقبل وحده سيكون كفيلاً بالمحافظة عليها والدفاع عنها.
الشافيزية مثل الناصرية تجاوزت الإطار المحلي. لتنتقل إلى العديد من دول الجوار.ليس أدل على ذلك من وصول حكّام يساريين تقدميين إلى العديد من دول أمريكا اللاتينية. وبذلك اغتنت هذه التجربة بتجارب شعوب أخرى مجاورة، وهذا يصب في مجرى تسهيل ترسيخها كتجربة وكنهج.المطلوب أيضاً من القيادة الفنزويلية الجديدة: عدم ترك ثغرات تتسلل منها واشنطن ودول محلية عديدة أخرى مهيأة للانقضاض على التجربة الشافيزية. لأن أعداء هذا النهج حريصون وسيظلون يعملون من أجل القضاء على التجربة في مهدها، تماماً مثلما قضوا على المكتسبات التي كان الرئيس عبدالناصر قد حققها للشعب المصري.
هوغو شافيز سار على هدى خطى فيديل كاسترو. وجيفارا. وباتريس لومومبا. ونيسلون مانديلا، وعلى طريق عبدالناصر. وأحمد بن بله. وكل الثائرين ليس على صعيد دولهم فحسب، وإنما على صعيد آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.
يكفي شافيز فخراً أنه دخل التاريخ من أوسع أبوابه كابن بار للشعب الفنزويلي ولشعوب أمريكا اللاتينية. وللشعوب التي ناضلت لسنوات طويلة من أجل حريتها واستقلالها وتقدمها الاجتماعي. وسيظل رحيل شافيز خسارةً لا تعوض.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
7902
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
6783
| 14 أكتوبر 2025
منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر الموظفون والمتقاعدون في قطر بمرحلة جديدة من العدالة الاجتماعية والتقدير العملي لعطاءاتهم الطويلة. فقد نصت المادة (31) من القانون على أن الموظف الذي أكمل أكثر من ثلاثين سنة في الخدمة يستحق مكافأة عن السنوات الزائدة، وهو ما اعتُبر نقلة نوعية في التشريعات، ورسالة وفاء وعرفان من الدولة لأبنائها الذين أفنوا أعمارهم في خدمة مؤسساتها. غير أن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً، إذ جاءت اللائحة التنفيذية لتضع قيداً لم يرد في النص الأصلي، حيث حصرت استحقاق مكافأة السنوات الزائدة فيمن تجاوزت خدمته الثلاثين سنة ابتداءً من عام 2023 فقط، متجاهلة بذلك آلاف المتقاعدين الذين أنهوا خدماتهم الطويلة قبل هذا التاريخ. هذا التفسير الضيّق أثار جدلاً واسعاً بين القانونيين والمتقاعدين، لأنه خالف صراحة روح المادة (31) وأفرغها من مضمونها العادل. النص التشريعي والغاية المقصودة: لا جدال في أن المشرّع حين أقر المادة (31) كان يبتغي تحقيق مبدأ المساواة والعدل بين كل من خدم الوطن أكثر من ثلاثين عاماً، دون التفريق بين من انتهت خدمته قبل أو بعد 2023. فالقانون قاعدة عامة مجردة، ومقاصده تتجاوز اللحظة الزمنية لتغطي جميع الحالات المماثلة. فإذا جاء النص واضحاً في تقرير الاستحقاق، فإن أي تفسير لاحق يجب أن يكون شارحاً ومكملاً، لا مقيّداً أو مفرغاً من المضمون. إن حصر المكافأة بفئة زمنية محددة يتنافى مع المبادئ العامة للتشريع، ويجعل القانون غير منصف في تطبيقه. فالذين تقاعدوا قبل 2023 قدّموا جهدهم وعرقهم طوال عقود، ومن غير المنطقي أن يُحرموا من حق أثبته النص لمجرد أن توقيت تقاعدهم سبق صدور القانون الجديد. أثر التمييز الزمني على المتقاعدين: إن استبعاد فئة كبيرة من المتقاعدين من حق المكافأة يخلق شعوراً بالغبن واللامساواة، ويؤدي إلى اهتزاز الثقة في العدالة التشريعية. هؤلاء المتقاعدون خدموا في الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة، وأسهموا في بناء نهضة الدولة منذ بداياتها، وتحملوا ظروف العمل في فترات صعبة لم تكن فيها الامتيازات والرواتب كما هي اليوم. إن تجاهل هذه الفئة يرسل رسالة سلبية مفادها أن جهد العقود الطويلة يمكن أن يُطوى بجرة قلم، وأن التقدير مرهون بتاريخ تقاعد لا بعطاء حقيقي. وهذا يتناقض مع قيم الوفاء والعرفان التي اعتادت الدولة على إظهارها لأبنائها. الحديث عن مكافأة السنوات الزائدة ليس مجرد نقاش مالي أو قانوني، بل هو في جوهره قضية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية. فالمكافأة تمثل تقديراً رمزياً لمشوار طويل من الخدمة، وتساهم في تحسين أوضاع المتقاعدين الذين يواجهون أعباء الحياة المتزايدة بعد انتهاء عملهم. ومن هنا فإن إعادة النظر في تفسير المادة (31) ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو استجابة طبيعية لقيم العدالة التي تميز نظامنا القانوني والإداري. الحق لا يسقط بالتقادم: ومن المهم التأكيد على أن الحق لا يسقط بالتقادم، خاصة إذا كان مرتبطاً بسنوات خدمة طويلة بذل فيها المواطن جهده وطاقته في سبيل وطنه. إن مكافأة السنوات الزائدة تظل حقاً أصيلاً لصاحبها، يحق له المطالبة به ولو بعد حين، ما دام القانون قد أقرّه صراحة في نصوصه. إن محاولة إسقاط هذا الحق بمرور الزمن أو تقييده بتاريخ صدور اللائحة التنفيذية أمر يتعارض مع المبادئ القانونية الراسخة ومع قواعد العدالة والإنصاف. المقارنة بتجارب خليجية سابقة: من المفيد أن نشير إلى أن دولاً خليجية أخرى اعتمدت أنظمة تقاعدية أكثر مرونة في هذا الجانب، حيث شملت مكافآت أو بدلات السنوات الزائدة جميع المتقاعدين دون تمييز زمني، إيماناً منها بأن العطاء لا يُقاس بتاريخ انتهاء الخدمة بل بعدد السنوات التي قضاها الموظف في خدمة وطنه. هذا يعكس أن المبدأ ليس غريباً أو صعب التطبيق، بل هو إجراء ممكن وواقعي أثبت نجاحه في بيئات مشابهة. المطلوب هو أن تشمل مكافأة السنوات الزائدة جميع من تجاوز ثلاثين عاماً خدمة، سواء تقاعد قبل 2023 أو بعده. فذلك هو التطبيق الأمثل لروح القانون، والتجسيد الحقيقي للعدل، والضمانة لردّ الاعتبار لمن حُرموا من حقهم رغم استحقاقهم. إن مكافأة السنوات الزائدة ليست ترفاً ولا منحة عابرة، بل هي استحقاق مشروع وواجب وطني في حق كل من خدم الدولة أكثر من ثلاثة عقود. تجاهل هذا الاستحقاق يفتح باب التمييز ويضعف الثقة في التشريع، بينما إنصاف المتقاعدين يرسخ مبادئ العدالة ويؤكد أن الدولة لا تنسى أبناءها الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية البناء والتطوير. وليطمئن كل متقاعد أن عطاءه محفوظ في سجل الوفاء الوطني، وأن سنوات الخدمة الزائدة لن تضيع هدراً، بل ستُكافأ بالعدل والإنصاف.
3501
| 12 أكتوبر 2025