رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تعتبر العلاقات الإنسانية من أعظم جوانب الحياة الاجتماعية، إذ تمثل حجر الزاوية لبناء المجتمع السليم والمتوازن، ويمكننا نرى كيف أن العلاقات بين الأفراد في المجتمعات المختلفة تسهم بشكل مباشر في تعزيز التفاهم والتعاون والتطور. ولكن، هل العلاقة الإنسانية هي فقط تلك التي تبنى على الفضائل، أم أنها حصيلة تفاعل بين الفرد والمجتمع، وكيف يمكن أن تؤثر تلك العلاقات على جودة الحياة وسعادة الأفراد
وفي اجابة سريعة عن هذه التساؤلات نجد أن العلاقات الإنسانية هي التفاعلات بين الأفراد داخل المجتمع، والتي تشمل مختلف أنواع الاتصال سواء كانت اجتماعية، مهنية أو عائلية، وتهدف هذه العلاقات إلى بناء تواصل وتفاهم مشترك بين الأشخاص على أسس من الاحترام المتبادل، التعاون، والرحمة، يمكن أن تتخذ العلاقات الإنسانية أشكالًا متعددة، ومنها العلاقات العائلية، علاقات الصداقة، علاقات العمل، وعلاقات الزوجين، وكل منها له قواعده وآثاره الخاصة على الأفراد والمجتمع.
إن الإسلام يولي أهمية كبرى للعلاقات الإنسانية، ويوجه المسلمين إلى أن تكون تلك العلاقات مبنية على الفضائل والأخلاق الحميدة. فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم، «وَإِنَّكَ لَعَلىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ» (القلم: 4)، وهذا يشير إلى أهمية الأخلاق في جميع أنواع العلاقات بين الناس، مثل الصدق، والعدل، والرحمة، والتسامح. كما دعا الإسلام إلى التعاون والتراحم بين أفراد المجتمع، فقال تعالى «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ» (المائدة: 2).
العلاقات الإنسانية الطيبة هي تلك التي تقوم على أسس سليمة وقيم أخلاقية مثل الصدق، الوفاء، العدل، التسامح، والمحبة، هذه الأسس لا تقتصر فقط على التعامل بين الأفراد، بل تشمل التفاعل مع الآخرين في المجتمع بشكل عام. فعندما يبني الأفراد علاقاتهم على هذه الفضائل، تنشأ علاقات ناجحة ومستمرة، وتنتج بيئة اجتماعية وصحية تسهم في بناء مجتمع متماسك.
على سبيل المثال، الصدق هو أساس الثقة بين الأفراد. والوفاء يعزز الروابط العاطفية، بينما العدل يساهم في تحقيق الاستقرار والمساواة. كما أن التسامح يمكن أن يحل النزاعات ويعيد التوازن بين الأشخاص. وفي الحديث الشريف، قال النبي صلى الله عليه وسلم»من لا يُؤثِر الناس لا يُؤثِره الله» (رواه البخاري)، هذا الحديث يؤكد على أن حسن التعامل مع الآخرين يعكس صورة طيبة للإنسان ويعود عليه بثمار عظيمة في الدنيا والآخرة.
على الجانب الآخر، يمكن أن تكون بعض العلاقات الإنسانية سلبية إذا بنيت على أسس غير صحيحة مثل الكذب، النفاق، الحقد، أو الطمع، هذه العلاقات تضر بصحة الأفراد النفسية والعاطفية، وتؤدي إلى زيادة التوترات والصراعات بين الناس.
على سبيل المثال، الكذب يدمر الثقة بين الأفراد ويؤدي إلى تدهور العلاقات، النفاق يُضعف الروابط الاجتماعية ويجعل التواصل بين الأفراد غير صادق، الحقد يسبب العداء والكراهية بين الناس، بينما الطمع يعزز الأنانية ويؤدي إلى استغلال الآخرين، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الصفات السلبية في الحديث الشريف: «لا يُؤمن أحدكم حتى يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه» (رواه مسلم)، هذا الحديث يعكس قيمة التعاون والمودة بين الناس، ويحث على نبذ الأنانية والكراهية.
هناك عدة أنواع من العلاقات الإنسانية التي تعد أساسية في حياة الإنسان، وكل نوع له أهمية خاصة في تطوير الشخصية الفردية وتعزيز التماسك الاجتماعي لعل أبرزها العلاقات الأخوية التي تعتبر من أسمى العلاقات الإنسانية التي تقوم على الحب والتعاون، حيث إن الأخوة توفر الدعم العاطفي والمادي في أوقات الحاجة.
وهناك علاقة الزوجين.. هذه العلاقة يجب أن تكون مبنية على أساس من المودة والرحمة، وهي من أهم العلاقات الإنسانية في بناء الأسرة والمجتمع، وعلاقة الأصدقاء الذين يشاركوننا الأفراح والأحزان، ويقدمون لنا الدعم في أوقات الشدة. العلاقة الجيدة مع الأصدقاء تعتمد على الثقة المتبادلة والمساندة.
وأيضا علاقة المعلم بالطلاب، هذه العلاقة أساسية في نقل المعرفة وتنمية القيم. يجب أن تكون مبنية على الاحترام والتقدير من الطرفين لتحقيق بيئة تعليمية صحية، و علاقة الزملاء في العمل لأن نجاح أي بيئة عمل يعتمد على علاقات الزملاء،فالتعاون والاحترام في هذه العلاقات يسهم في تعزيز الإنتاجية والابتكار، وأخيرا علاقة المدير بالموظفين التي يجب أن تكون قائمة على الشفافية والعدالة والاحترام. مثل هذه العلاقة تساهم في زيادة الحافز لدى الموظفين وتحقيق الأهداف المشتركة.
وبالرجوع الى أهمية العلاقات الإنسانية في بناء المجتمع نجد أن وجود علاقات إنسانية قائمة على التعاون والاحترام بين الأفراد يسهم في بناء مجتمع قوي ومتراص. فالترابط بين الأفراد يؤدي إلى تحقيق التنمية والازدهار في جميع المجالات والقطاعات. كما أن التواصل المستمر بين الأفراد يساعد على تحقيق التفاهم المتبادل ويقلل من احتمالات حدوث النزاعات والاضطرابات.
علاوة على ذلك، فإن العلاقات الإنسانية الإيجابية تسهم في تحقيق الاستقرار النفسي للأفراد، وتحميهم من التوتر والقلق، مما يساعدهم على الحفاظ على توازنهم النفسي والشعور بالراحة الداخلية.
ختاما.. العلاقات الإنسانية هي أساس بناء مجتمع متماسك وقوي. إذا كانت هذه العلاقات قائمة على الفضائل مثل الصدق، الوفاء، العدل، والتسامح، فإنها ستؤدي إلى تطور المجتمع وتحقيق التعاون بين أفراده. على العكس، فإن العلاقات السلبية التي تقوم على الكذب والنفاق ستؤدي إلى التفكك الاجتماعي وتدمير الثقة بين الناس. لذلك، يجب أن نسعى جميعًا لبناء علاقات إنسانية إيجابية أساسها الفضائل الإسلامية والإنسانية لتحقيق السلام والازدهار في حياتنا وحياة مجتمعنا
احصل على Outlook لـ iOS
يشهد قطاع الرعاية الصحية في قطر ثورة رقمية مع تصاعد دور الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأمراض وعلاجها. ومع... اقرأ المزيد
45
| 23 أكتوبر 2025
من الأوقات الصعبة على أيِّ مبدع أن ينتهي من كتابة رواية أو ديوان، وتتوقف الروح لبعض الوقت عن... اقرأ المزيد
57
| 23 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى، وسلامةٌ تُصان، وحياةٌ تُدار بانسيابية ومسؤولية. لا أحد ينكر مدى... اقرأ المزيد
75
| 23 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
• ناشطة اجتماعية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
4803
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل في ترتيبِ الأولويات؛ لأن المفارقةَ تجرحُ الكرامةَ وتؤلمُ الروحَ أكثرَ من الموت. ففي الوقتِ الذي كانتْ فيهِ الأمهاتُ يبحثنَ بينَ الركامِ عن فلذاتِ أكبادِهِنَّ أو ما تبقّى منهُم، كانتْ إسرائيلُ تُحصي جثثَها وتُفاوِضُ العالمَ لتُعيدَها قبلَ أن تسمحَ بعبورِ شاحنةِ دواءٍ أو كيسِ طحينٍ. وكأنَّ جُثثَ جنودِها تَستحقُّ الضوء، بينما أَجسادُ الفلسطينيينَ تُدفنُ في العتمةِ بلا اسمٍ ولا وداعٍ ولا حتى قُبلةٍ أَخيرةٍ. فكانتِ المفاوضاتُ تُدارُ على طاولةٍ باردةٍ، فيها جُثثٌ وجوعٌ وصُراخٌ ودُموعٌ، موتٌ هنا وانتظارٌ هناك. لم يكنِ الحديثُ عن هدنةٍ أو دواءٍ، بل عن أشلاءٍ يُريدونَها أولًا، قبلَ أن تَعبُرَ شُحنةُ حياةٍ. أيُّ منطقٍ هذا الذي يجعلُ الجُثّةَ أَكثرَ استحقاقًا من الجائعِ، والنّعشَ أسبقَ من الرّغيف؟ أيُّ منطقٍ ذاك الذي يُقلِبُ موازينَ الرحمةِ حتى يُصبحَ الموتُ امتيازًا والحياةُ جريمةً؟ لقد غدتِ المساعداتُ تُوزَّعُ وفق جدولٍ زمنيٍّ للموتى، لا لاحتياجاتِ الأحياء، صارَ من يُدفنُ أَسرعَ ممن يُنقذُ، وصارتِ الشواهدُ تُرفَعُ قبلَ الأرغفةِ. في غزّةَ لم يَعُدِ الناسُ يَسألونَ متى تَصلُ المساعداتُ، بل متى تُرفَعُ القيودُ عن الهواء. فحتى التنفّسُ صارَ ترفًا يَحتاجُ تصريحًا. في كلِّ زُقاقٍ هناكَ انتظارٌ، وفي كلِّ انتظارٍ صبرُ جبلٍ، وفي كلِّ صبرٍ جُرحٌ لا يندملُ. لكنَّ رغمَ كلّ ذلك ما زالتِ المدينةُ تَلِدُ الحياةَ من قلبِ موتِها. هُم يَدفنونَ موتاهم في صناديقِ الخشبِ، ونحنُ نَدفنُ أحزانَنا في صدورِنا فتُزهِرُ أملًا يُولَدُ. هُم يَبكونَ جُنديًّا واحدًا، ونحنُ نَحمِلُ آلافَ الوُجوهِ في دَمعَةٍ تُسقي الأرضَ لتَلِدَ لنا أَحفادَ من استُشهِدوا. في غزّةَ لم يكنِ الوقتُ يَتَّسِعُ للبُكاءِ، كانوا يَلتقطونَ ما تَبقّى من الهواءِ لِيَصنَعوا منه بروحِ العزِّ والإباء. كانوا يَرونَ العالمَ يُفاوِضُ على موتاهُ، ولا أَحدَ يَذكُرُهم بكلمةٍ أو مُواساةٍ، بينما هُم يُحيونَ موتاهُم بذاكرةٍ لا تَموتُ، ومع ذلك لم يَصرُخوا، لم يَتوسَّلوا، لم يَرفَعوا رايةَ ضعفٍ، ولم يَنتظروا تلكَ الطاولةَ أن تَتكلَّمَ لهم وعَنهُم، بل رَفَعوا وُجوهَهم إلى السماء يقولون: إن لم يكن بك علينا غضبٌ فلا نُبالي. كانتِ إسرائيلُ تَحصُي خَسائِرَها في عَدَدِ الجُثَث، وغزّة تَحصُي مَكاسِبَها في عَدَدِ مَن بَقوا يَتَنفَّسون. كانت تُفاخر بأنها لا تَترُكُ قَتلاها، بينما تَترُكُ حياةَ أُمّةٍ بأَكملها تَختَنِقُ خلفَ المَعابِر. أيُّ حضارةٍ تلكَ التي تُقيمُ الطقوسَ لِموتاها، وتَمنَعُ الماءَ عن طفلٍ عطشان؟ أيُّ دولةٍ تلكَ التي تُبجِّلُ جُثَثَها وتَتركُ الإنسانيّةَ تحتَ الرُّكام؟ لقد كانتِ المفاوضاتُ صورةً مُكثَّفةً للعالمِ كُلِّه؛ عالمٍ يَقِفُ عندَ الحدودِ يَنتظر “اتِّفاقًا على الجُثَث”، بينما يَموتُ الناسُ بلا إِذنِ عُبورٍ. لقد كشفوا عن وجوهِهم حينَ آمَنوا أن عودةَ جُثّةٍ مَيتةٍ أَهمُّ من إِنقاذِ أرواحٍ تَسرِقُ الأَنفاس. لكن غزّة كالعادة كانتِ الاستثناءَ في كلِّ شيءٍ وصَدمةً للأعداءِ قبل غيرِهم، وهذا حديثهم ورأيهم. غزّة لم تَنتظر أَحدًا ليُواسيَها، ولم تَسأَل أَحدًا ليَمنَحَها حَقَّها. حينَ اِنشَغَلَ الآخرونَ بعدَّ الجُثَث، كانت تُحصي خُطواتها نحو الحياة، أَعادت تَرتيبَ أَنقاضِها كأنها تَبني وطنًا جديدًا فوقَ عِظامِ مَن ماتوا وُقوفًا بشموخ، وأَعلَنَت أنَّ النَّبضَ لا يُقاس بعددِ القلوبِ التي توقَّفَت، بل بعددِ الذين ما زالوا يَزرَعونَ المستقبل، لأنَّ المستقبل لنا. وهكذا، حين يَكتُب التاريخُ سطره الأخير، لن يَقول من الذي سلّم الجُثَث، بل من الذي أَبقى على رُوحه حيّة. لن يَذكُر عددَ التوابيت، بل عددَ القلوب التي لم تَنكسِر. دولةُ الكيان الغاصب جَمَعَت موتاها، وغزّة جمَعَت نَفسها. هم دَفَنوا أَجسادَهم، وغزّة دَفَنَت بُذورَ زيتونِها الذي سَيُضيء سَنا بَرقه كل أُفق. هم احتَفلوا بالنِّهاية، وغزّة تَفتَح فَصلًا من جديد. في غزّة، لم يَكُنِ الناس يَطلُبون المعجزات، كانوا يُريدون فقط جُرعةَ دواءٍ لِطفلٍ يحتضر، أو كِسرةَ خُبزٍ لامرأةٍ عَجوز. لكن المعابِر بَقِيَت مُغلَقة لأن الأَموات من الجانب الآخر لم يُعادوا بعد. وكأنَّ الحياة هُنا مُعلَّقة على جُثّة هناك. لم يَكُن العالم يسمع صُراخَ الأَحياء، بل كان يُصغي إلى صَمتِ القُبور التي تُرضي إسرائيل أكثر مما تُرضي الإنسانية.
3573
| 21 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء. فالتعليم يمنح الإطار، بينما التدريب يملأ هذا الإطار بالحياة والفاعلية. في الجامعات تحديدًا، ما زال كثير من الطلاب يتخرجون وهم يحملون شهادات مليئة بالمعرفة النظرية، لكنهم يفتقدون إلى الأدوات التي تمكنهم من دخول سوق العمل بثقة. هنا تكمن الفجوة بين التعليم والتدريب. فبدلاً من أن يُترك الخريج يبحث عن برامج تدريبية بعد التخرج، من الأجدى أن يُغذّى التعليم الجامعي بجرعات تدريبية ممنهجة، وأن يُطرح مسار فرعي بعنوان «إعداد المدرب» ليخرّج طلابًا قادرين على التعلم وتدريب الآخرين معًا. تجارب ناجحة: - ألمانيا: اعتمدت نظام التعليم المزدوج، حيث يقضي الطالب جزءًا من وقته في الجامعة وجزءًا آخر في بيئة العمل والنتيجة سوق عمل كفؤ، ونسب بطالة في أدنى مستوياتها. - كوريا الجنوبية: فرضت التدريب الإلزامي المرتبط بالصناعة، فصار الخريج ملمًا بالنظرية والتطبيق معًا، وكانت النتيجة نهضة صناعية وتقنية عالمية. -كندا: طورت نموذج التعليم التعاوني (Co-op) الذي يدمج الطالب في بيئة العمل خلال سنوات دراسته. هذا أسهم في تخريج طلاب أصحاب خبرة عملية، ووفّر على الدولة تكاليف إعادة التأهيل بعد التخرج. انعكاسات التعليم بلا تدريب: 1. اقتصاديًا: غياب التدريب يزيد الإنفاق الحكومي على إعادة التأهيل. أما إدماج التدريب، فيسرّع اندماج الخريج في السوق ويضاعف الإنتاجية. 2. مهنيًا: الطالب المتدرب يتخرج بخبرة عملية وشبكة علاقات مهنية، ما يمنحه ثقة أكبر وفرصًا أوسع. 3. اجتماعيًا: حين يتقن الشباب المهارات العملية، تقل مستويات الإحباط، ويتحولون من باحثين عن وظيفة إلى صانعين للفرص. حلول عملية مقترحة لقطر: 1. دمج التدريب ضمن المناهج الجامعية: أن تُخصص كل جامعة قطرية 30% من الساعات الدراسية لتطبيقات عملية ميدانية بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص واعتماد التدريب كمتطلب تخرج إلزامي لا يقل عن 200 ساعة. 2. إنشاء مجلس وطني للتكامل بين التعليم والتدريب: يضم وزارتي التعليم والعمل وممثلي الجامعات والقطاع الخاص، ليضع سياسات تربط بين الاحتياج الفعلي في السوق ومخرجات التعليم. 3. تفعيل مراكز تدريب جامعية داخلية: تُدار بالشراكة مع مراكز تدريب وطنية، لتوفير بيئات تدريبية تحاكي الواقع العملي. 4. تحفيز القطاع الخاص على التدريب الميداني. منح حوافز ضريبية أو أولوية في المناقصات للشركات التي توفر فرص تدريب جامعي مستدامة. الخلاصة التعليم بلا تدريب يظل معرفة ناقصة، عاجزة عن حمل الأجيال نحو المستقبل. إنّ إدماج التدريب في التعليم الجامعي، وإيجاد تخصصات فرعية في إعداد المدربين، سيضاعف قيمة التعليم ويحوّله إلى أداة لإطلاق الطاقات لا لتخزين المعلومات. فحين يتحول كل متعلم إلى مُمارس، وكل خريج إلى مدرب، سنشهد تحولًا حقيقيًا في جودة رأس المال البشري في قطر، بما يواكب رؤيتها الوطنية ويقودها نحو تنمية مستدامة.
2871
| 16 أكتوبر 2025