رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. فاطمة سعد النعيمي

* أستاذ التفسير وعلوم القرآن- كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة قطر

مساحة إعلانية

مقالات

546

د. فاطمة سعد النعيمي

حين تزين الرذيلة باسم الحرية

12 أبريل 2025 , 02:26ص

في هذا العصر المتسارع، حيث تختلط المفاهيم وتتداخل الشعارات، نعيش أزمة أخلاقية وفكرية حقيقية، تتجلى في محاولات ممنهجة لتزييف الحقائق وقلب الموازين. ومن أبرز مظاهر هذا التزييف أن تُقدَّم الرذيلة في ثوب الحرية، ويُروَّج للفواحش والانحرافات باعتبارها «حقوقًا شخصية» و«تعبيرًا عن الذات».

لقد كرّم الله الإنسان ووهبه الإرادة والحرية، لكنه وضع لها ضوابط تحفظ كرامته وتصون فطرته. قال تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: 29]. وهذه الحرية التي منحها الله تعالى للإنسان ليست مطلقة دون قيد، بل هي حرية مسؤولة، تُضبط بالشرع والعقل، وتُوجَّه نحو الخير والحق.

لكن المؤسف أن بعض الأصوات اليوم تدعو إلى هدم القيم الدينية والاجتماعية باسم الحرية، حتى بات المجاهرون بالمعصية يُحتفى بهم، وتُفتح لهم المنابر والمنصات، في الوقت الذي يُتهم فيه المتمسكون بالقيم بالتشدد والانغلاق. وقد قال الله تعالى في التحذير من هذا المسلك: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 19].

إن الحرية الحقيقية لا تعني المجاهرة بالفاحشة، ولا انتهاك ثوابت الأمة، ولا الطعن في المقدسات، بل هي ممارسة للحق دون ظلم، وبناء للإنسان لا تدمير له. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين…» [رواه البخاري]. فكيف يُعذر من لا يكتفي بالمعصية، بل ينشرها ويدعو إليها ويزخرفها بألفاظ خادعة؟

وإن المتأمل في خطاب بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل يدرك مدى التأثير الخطير لهذا الخطاب المسموم، حيث تُروَّج أنماط منحرفة من السلوك، ويُقدَّم الانفلات الأخلاقي على أنه «تحضُّر» و«تمدُّن»، حتى باتت القيم تُصور وكأنها عائق في وجه التقدم، والحياء عيبًا يُنتقد. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت» [رواه البخاري].

من هنا، فإن مسؤولية الكلمة تتعاظم في هذا الزمان، ويجب على الكتّاب والمثقفين والدعاة أن يتصدّوا لهذا التزييف، وأن يوضحوا الفرق بين حرية مسؤولة تبني، وحرية مزعومة تهدم وتُفسد. إن إعادة الاعتبار للقيم، والتمسك بالأخلاق، ليس رجعية كما يُروَّج، بل هو حماية للإنسان، وصون لكرامته، وامتثال لأمر الله الذي قال: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70].

فلنكن صرحاء: الرذيلة لا تتحول إلى فضيلة لمجرد أن تُزين بألفاظ براقة، ولا يصح أن نقبل التعدي على قيمنا وهويتنا تحت أي مسمى. فالحرية التي تُفصل عن الدين، لا تلد إلا فوضى، والرأي الذي يتجاوز حدود الأخلاق، لا يُعد رأيًا ناضجًا، بل سقوطًا حضاريًا ينبغي التنبه لخطورته قبل فوات الأوان.

 

اقرأ المزيد

alsharq Bien hecho España

مع احترامنا لجميع الدول التي ساندت أهل غزة والحكومات التي كانت تدين وتندد دائماً بسياسات إسرائيل الوحشية والإبادة... اقرأ المزيد

252

| 27 أكتوبر 2025

alsharq التوظيف السياسي للتصوف

لا بد عند الحديث عن التصوف أن نوضح فارقا مهما بين شيئين: الأول هو «التصوف» الذي تختلف الناس... اقرأ المزيد

117

| 27 أكتوبر 2025

alsharq عن خيبة اللغة!

يحدث أحيانًا أن يجلس الكاتب أمام بياض الورق أو فراغ الشاشة كمن يقف في مفترق لا يعرف أي... اقرأ المزيد

258

| 27 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية