رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. أحمد عبدالملك

د. أحمد عبدالملك

مساحة إعلانية

مقالات

1772

د. أحمد عبدالملك

الكُتّاب الخليجيون والصحف الخليجية

12 مارس 2014 , 01:20ص

إذا كان قرار سحب سفراء بعض دول مجلس التعاون من دولة قطر سابقة غير معروفة في مسيرة مجلس التعاون - التي تجاوزت الثلاثة والأربعين عاماً، حفلت بالكثير من الطموحات والأماني، وكذلك المنغصات والهزّات والتي كانت تُحلّ ببعد الأفق والتسويات التوفيقية داخل الأسرة الخليجية بعيداً عن إشراك الشعوب في تلك المنغصات والهزات – فإن توقيف أو توقف بعض الكتاب الخليجيين من الكتابة في الصحف الخليجية الأخرى أمر لا يَسُر، ويبدو بعيداً عما ألفتهُ شعوب الخليج من ضرورة تأكيد كل أشكال المواطنة الخليجية، ذلك أن هذه الشعوب كانت متماسكة ومتعاونة قبل إنشاء مجلس التعاون، كما أن الانتماءات العائلية، وحالات التداخل عبر المصاهرة، ورحلات البحث عن الرزق جعلت (الكويتي) يستقر في البحرين، و(الإماراتي) يستقر في قطر و(البحريني) في السعودية، وكانت الحدود مفتوحة وطلب الرزق وزيارة الأهل حق مشروع للجميع دونما حواجز أو فرمانات.

ومع تطور دول التعاون، ونضجها السياسي ورخائها الاقتصادي، والتغيّرات التي حدثت في دول الجوار، استلزم الأمر وجود مظلة سياسية أمنية واقتصادية واجتماعية، هي مجلس التعاون الذي أُنشئ بواسطة الدول الست عام 1981، وبرضا هذه الدول، دون أي مساس بسيادتها واستقلال قرارها كدولة مستقلة.

ولقد سعى المجلس نحو تحقيق أهدافه كما وردت في النظام الأساسي، أصابَ حيناً، ولم يوفق أحياناً، وظهرت بعض "المُنغصات" في المسيرة الخليجية، كانت دوماً تُحل – كما قلنا – في الإطار الأخوي وبصوت هادئ وعاقل.

الأمر الجديد الذي لاحظناهُ هو توقف أو توقيف – كما نُشر في وسائل التواصل الاجتماعي على لسان بعض الكتّاب الخليجيين – عن الكتابة في الصحف القطرية! وهو أمر لم يسبق أن عاصرناه!؟ لأن الكتابة أمر شخصي ولا يجوز لأية جهة منع كاتب أو حرمانه من اختيار الوسيلة التي يُعبّر فيها عن رأيه، الذي تكفله كلُ دساتير دول مجلس التعاون، وكذلك المواثيق الدولية، ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. خصوصاً إن التزم الكاتب بالرأي السديد ولم يتدخل في شؤون الآخرين، وحافظ على نزاهة القلم وقدسية الكلمة.

إن ظاهرة (التراشق) عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول تلك المسألة قد تجاوز الحد في بث الفرقة بين شعوب الخليج، ولقد (دخل على الخط من لا ناقة لهم ولا جمل) في المسألة الخليجية، وصار بعض المذيعات في القنوات العربية " يأمرن" بإدخال هذه الدولة في مجلس التعاون وإخراج الدولة الأخرى، هكذا، دونما إلمام بالقضايا القانونية، أو معرفة بالنظام الأساس لمجلس التعاون! ولكأنَّ مجلس التعاون (الطوفة الهبيطة) في نظر بعض الموتورين من الإعلاميين العرب.

نقول: إن ظاهرة (التراشق) الإعلامي بين الناس قد تكون أمراً طبيعياً نتيجة الحماس وأحياناً الاندفاع الأعمى المُتسرع لدى الشباب، دون فهم أو استيعاب القضايا التي تمرُّ بها المنطقة، أو استحضار تاريخ ومقاربات أنظمة الحُكم فيها. ولكن ما هو غير طبيعي أن يتم توقيف كتّاب خليجيين من الكتابة في الصحف الأخرى! ولكأن حال البعض يقول: خلاص.. انتهى مجلس التعاون.. وأن جدراناً " عازلة" ستُقام بين الدول، وأن كل تاريخ القربى والمصير المشترك وآمال الخليجيين قد انقضت أو انفصمت!؟

إن توقف أو توقيف بعض الكتّاب الخليجيين يؤدي إلى تشطير الكتّاب الخليجيين إلى أكثر من " فسطاط" – على الطريقة البن لادنية – ولكأن الكتّاب موظفون لدى وزارات الإعلام، ودون أي التفات لمؤهلاتهم وخبراتهم، وبعضهم من الأكاديميين المستقلين، وأصحاب بحث علمي، يتجاوز الجوار الجغرافي، ولا يجوز أن " يُحشر" في أية خلافات سياسية، قد يتم حلُّها بين الأشقاء!؟ ذلك أن الكاتب قد التزم مع الجريدة ومع القارئ على لقاء يومي أو أسبوعي، كما أن الكتّاب الخليجيين (يُعدّون على الأصابع) في مقارنة مع الكتّاب العرب الذين يكتبون في الصحف الخليجية، وإذا ما تم إيقافهم فتلك سابقة، تجعل من القارئ يفقد ثقته في استقلالية الكاتب والجريدة وحقها في أن يكون لها ما تختاره من كتاب الرأي، وإذا آمنّا بأن ذلك هو القرار الصائب، فإن الأكاديميين الخليجيين الذي يُدّرسون في الجامعات الخليجية، والطيارين، وعمال النفط، وموظفي البنوك، وأصحاب الاستثمارات، ورجال الدين الخليجيين ممن يعملون في الدول الأخرى سوف ينالهم نفس ما نال الكتاب!؟

وهل من المعقول، بعد مسيرة مجلس التعاون الطويلة، أن يفكّر البعض بهذه الصورة الانعزالية والعدائية، لمجرد حدث سياسي حَلّ بين الأشقاء، في الوقت الذي مرّت قبل ذلك أحداثٌ أكبر وأعتى وسالت في بعضها دماءٌ بريئة على الحدود فيما بين الدول، ولم يحدث أن تم سحب السفراء من أي بلد خليجي أو تم إيقاف كاتب من الكتابة في صحف خليجية.

كما أن الكاتب الخليجي يكتب لأبناء عمومته وأبناء خؤولته، ولربما لأسرته التي تقيم في البلد الخليجي الآخر، وليس من المعقول أن يُصار إلى وقف هذا الكاتب، خصوصاً إن لم يخرج على أصول وتقاليد الكتابة، ولم يكن طرفاً في إشعال النيران بين الأشقاء الخليجيين، قدر ما يكون عاقلاً في تعامله مع الكلمة، مؤمناً بفضيلة الحق والخير، كارهاً للكراهية والعدوان والانحياز الأعمى.

نحن نشعر بالألم عندما نسمع عن توقيف كاتب في أي مكان من العالم! لأننا نؤمن بحرية الاختيار وحرية الكلمة وحق الكاتب في إبداء رأيه حسبما تؤيده في ذلك المواثيق الدولية، ولعل أهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. فكيف يتم وقف كتّاب خليجيين من الكتابة في الصحف الخليجية، بعد أن " علَّمونا" على مدى أكثر من ثلاثين عاماً (خليجنا واحد.. وشعبنا واحد..) كما أن الاتفاقيات التي عُقدت في إطار مجلس التعاون تنص على معاملة الخليجي معاملة المواطن في البلد الآخر، وأن هدف مجلس التعاون الأهم هو تحقيق (المواطنة الخليجية)! فهل (راحت السكرة وجاءت الفكرة)!؟ وما بنيناه في ثلاثين عاماً وما علمّناه لأولادنا، وما كتبناه في مناهجنا التعليمية وأغانينا، وما واجهنا به الاتحاد الأوروبي، كان مجرد وهم، وآلية لحرق المراحل!؟

نحن نتمنى عدم الاستعجال في اتخاذ قرارات متسرعة لا تخدم مواطني دول المجلس، ولا تحقق فائدة لأي بلد، ذلك أن حرمان الكاتب الخليجي من الكتابة في البلد الخليجي الآخر يعني - ضمن ما يعني أيضاً - عدم تداول الكتب الإبداعية الخليجية في البلد الآخر، وعدم بث الأغاني الخاصة بفناني الدول الأخرى، بل وقد يعني عدم جواز دخول هذا الصحافي إلى ذاك البلد الآخر!؟

نحن نؤمن بحكمة قادة دول المجلس ورؤيتهم للصواب، ولما يفيد شعوبهم وأوطانهم، وبرأينا أن القضايا السياسية يحلّها أصحابُها، وهم على قدْر من المسؤولية والحكمة، بعيداً عن توتير الأجواء وقرارات المُصادرة للرأي، لأن هذه قيم سادت في مجتمع الخليج، وليس من الحكمة التراجع عنها، كونها مكتسبات حضارية، ثم إن علاقات الدول – في أي مكان من العالم – تتعرض لبعض الاختلافات في الرؤى، وليس من الحكمة بث ثقافة القطيعة بين أبناء المجتمع الخليجي، ولكأن حرب (داحس والغبراء) على الأبواب.. وأنَّ ثقافة (وساعة الصدر) من السجايا الحميدة وقت الشدائد.

مساحة إعلانية