رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تواجه إيطاليا، الدولة الأوروبية الواقعة في الجنوب الأوروبي والمطلة على البحر المتوسط، بمفردها تدفق المهاجرين غير الشرعيين القادمين في أغلب الأحيان من بلدن إفريقية وعربية شرق أوسطية ومغاربية، في محاولة منهم للوصول عبر قوارب قديمة وهشة إلى السواحل الإيطالية، ومنها ينطلقون إلى بلدان الاتحاد الأوروبي. وكانت إيطاليا أطلقت في أكتوبر 2013، بعد أيام على مصرع أكثر من 360 مهاجرا غرقا، عملية "ماري نوستروم" في محاولة لإنقاذ المهاجرين الذين يبحرون من سواحل ليبيا على مراكب بدائية.
وخلال ثمانية أشهر ونيف، أنقذت البحرية الإيطالية 73 ألفا و686 شخصاً، أي ما معدله 270 شخصا يومياً. وقد انتشلت البحرية الإيطالية وحدها نحو خمسين ألف مهاجر جاءوا خصوصاً من سوريا وبلدان في جنوب الصحراء الإفريقية. ومعظم هؤلاء المهاجرين من الرجال، لكن عشرة بالمئة منهم نساء وبينهم أكثر من ستة آلاف طفل. وقد أرسلهم ذووهم لعدم امتلاكهم المال أو أنهم فقدوا أفراد الأسرة الآخرين خلال الرحلة. ومنذ بداية العام 2014، تضاعف عدد اللاجئين الذين يصلون إلى السواحل الإيطالية قادمين من الشواطئ الجنوبية للمتوسط، لاسيَّما من الساحل الليبي، إذ بلغ 66 ألف لاجئ حتى الآن مقابل 43 ألفا للعام 2013 بأكمله.
في مركز قيادة عمليات "ماري نوستروم" (الاسم الذي أطلقه الرومان على البحر المتوسط) في شمال روما، قال رئيس أركان هذه العمليات ميشال سابونارو: مواجهة تدفق المهاجرين غير الشرعيين، تكلف البحرية وحدها "بين ستة وثمانية أو تسعة ملايين يورو شهرياً".
ومنذ إطلاق هذه العمليات تمت مصادرة أربعة مراكب واعتقال أكثر من 300 مهرب للاجئين،. وقد تراجع عدد الواصلين من مصر خصوصا، لأن السفن الكبيرة التي تستخدم للاقتراب من السواحل الإيطالية يتم رصدها واعتراضها بسرعة، لكن نشاط المهربين تزايد انطلاقا من ليبيا.
وعبر القادة السياسيون الإيطاليون عن استيائهم من نقص التعاون من جانب بلدان الاتحاد الأوروبي لمواجهة تدفق المهاجرين غير الشرعيين، فقد عبر رئيس الحكومة الإيطالية ماتيو رينزي في بداية مهامه في الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، الجمعة الماضي، عن أمله في أن تتمكن المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة من القدوم إلى إيطاليا بسرعة لمساعدة الحكومة الجديدة على إدارة تدفق اللاجئين. وقال إن "توسط ليس بحر إيطاليا بل حدود في قلب أوروبا. نحتاج إلى سياسة أوروبية". وأكد الأميرال سابونارو أن "ماري نوستروم عملية إنسانية، لكنها لا تقتصر على هذا الجانب فقط، إذ إنها تسمح بتعزيز أمن البحر المتوسط بأكمله". وأضاف: "نتحمل عبء ذلك من أجل خير أوروبا بأكملها". وكان رئيس أركان القوات الإيطالية صرح الخميس الماضي أن تزايد تدفق المهاجرين واللاجئين إلى ساحل إيطاليا ليس ناجماً عن إخفاق عملية "ماري نوستروم"، بل عن تفاقم الأزمات في الشرق الأوسط، ففي سوريا تفاقم الوضع وفي العراق هناك تقدم للقوى الأصولية.
وأكد من جديد نجاح أحزاب اليمين المتطرف والحركات الشعبيوية في الانتخابات الأوروبية التي جرت في يونيو 2014، لاسيَّما في فرنسا، على ضرورة الإسراع بتطبيق وسائل للحدّ من سياسة الهجرة واللجوء على مستوى الاتحاد الأوروبي، حيث كانت أهميتها معترفاً بها منذ سنوات، فالمهاجرون من خارج أوروبا لا يتجاوزون 13 مليون نسمة، أي 3.5% من سكان الاتحاد الأوروبي. وقد ازداد عدد المهاجرين إلى النصف خلال خمس عشرة سنة، لاسيَّما بسبب التدفق الهائل للمهاجرين القادمين من أوروبا الشرقية ودول البلقان بعد سقوط جدار برلين عام 1989، والحرب في يوغوسلافيا، لكن وزن هؤلاء المهاجرين يظل أقل من 6.6% من الأجانب الذين يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية.
غير أن المشكل الذي يواجه الاتحاد الأوروبي الآن هو تزايد الهجرة السرية أو غير الشرعية، التي أصبحت تحتل حيزاً كبيراً في مناقشات رؤساء الدول والحكومات الأوروبية، الذين ركزوا في تصريحاتهم المختلفة على ضرورة مكافحة الشبكات السرية، وتعزيز مراقبة الحدود، فقد شكلت أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، وصعود اليمين المتطرف والعنصري في أوروبا، وإرادة القيادات الأوروبية لتقديم أجوبة عن هذا "الانزعاج" الذي أظهرته صناديق الاقتراع، مجموعة من العوامل التي تفسر لنا هذا النقاش الأوروبي المحتدم حول الهجرة، ففي بريطانيا يدخل كل يوم بطريقة غير شرعية 137 مهاجراً جديداً، ويختفي في الطبيعة، ومنذ ثلاث سنوات يوجد في بريطانيا 150000 مهاجر سري يعملون في السوق السوداء، بمساعدة أهاليهم، وتستقبل بريطانيا على أراضيها ما يقارب مليون مهاجر غير شرعي، واستقبلت السلطات البريطانية خلال عام 2001، 71700 طالب للجوء، وتعتبر بريطانيا البلد الأوروبي المفضل للمهاجرين، ذلك أن طالبي اللجوء يسمح لهم بالعمل خلال الستة أشهر، في انتظار البت في ملفاتهم، ويأتي هؤلاء في معظمهم من أفغانستان، والعراق، والصومال، وسيرلانكا.
وكانت إيطاليا قد كلفت عقب قمة لايتكين في ديسمبر 2001، بدراسة حول إنشاء بوليس أوروبي لمراقبة حدود الاتحاد، وهي فكرة قديمة أطلقتها كل من روما وبرلين، ولكنها تبنتها اليوم معظم عواصم الاتحاد الأوروبي وهكذا اتفقت بلدان الاتحاد الأوروبي على الوسائل البوليسية والقمعية لوضع حد لوصول المهاجرين غير الشرعيين. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، كيف يمكن لأوروبا التي يكمن آفاقها في التوسع شرقا، وحيث سكانها تعاني من الشيخوخة، أن تبلور سياستها المشتركة للاستقبال والاندماج لأولئك المهاجرين الذين تجلبهم، والذين تحتاجهما أسواقها للعمل؟
لأن الضرورة هي التي تسنُ القوانين، فقد كان أرباب العمل الإيطاليون المبادرين الأوائل صيف 2004 في طرح النقاش الذي قاد إيطاليا إلى مراجعة قوانينها بشأن الهجرة. وفي الوقت الذي تتوافد فيه المراكب التي تحمل أعدادا غفيرة يوميا من الرجال والنساء والشباب إلى سواحل جزيرة لامبيدوزا في جنوب جزيرة صقلية، الهاربين من النزاعات المسلحة، والفقر والمجاعات في إفريقيا، تدخل رئيس أرباب العمل الإيطاليين لوكا دي مونتيزيمولو، ليذكر، "أن الهجرة هي أيضا ضرورة لإيطاليا". وتذكر رئيسة المؤتمر الدولي والأوروبي للبحث في الهجرة، فانا زينكوني بقولها: "من دون عمال أجانب، سيشل الاقتصاد الإيطالي". وقد مر على لامبيدوزا 6000 مهاجر سري في عام 2002، و6000 في 2003، وأكثر من 8000 خلال سنة 2004 وحتى منتصف سبتمبر 2004.
ويوجد في إيطاليا 2.6 مليون من المهاجرين الشرعيين، ويمثلون 6% تقريبا من السكان العاملين، ويسهمون ما بين 3.8% و6% في الناتج المحلي الإجمالي، حسب المصادر الإيطالية.
ولا يتعدى معدل البطالة في صفوفهم 4%، بينما المعدل الوطني يتجاوز 8%، وهناك تقاعد من أصل 80 مدفوعا من قبل عامل مهاجر، حسب تقرير أهم نقابة في إيطاليا (CGIL). وفضلا عن تسوية الوضع القانوني لـ690000 مهاجر سري في عام 2003، يقومون بالأعمال التي لا تتطلب كفاءة والصعبة التي يرفض العمال الإيطاليون القيام بها، فإن هذه اليد العاملة لا تغطي الحاجات الضرورية.
إيطاليا، بلد هجرة بامتياز تاريخيا، وهي تريد الاستفادة من تجارب البلدان الأوروبية الأخرى، كي لا تقع في الأخطاء عينها التي وقع فيها الأوروبيون. وبسبب معدل الولادات الذي يعتبر الأضعف في أوروبا، وشيخوخة سكانها العاملين، ازدادت حاجة إيطاليا إلى اليد العاملة الأجنبية بصورة كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية. وحسب دراسة أعدتها غرفة التجارة الإيطالية، فقد بلغت حاجتها إلى عمال إضافيين 224000 للعام 2003 وحده. وحسب هذه الوتيرة بلغت حاجة إيطاليا إلى اليد العاملة المهاجرة 5 ملايين مهاجرا في حدود سنة 2010، حسب تقديرات أهم نقابة مركزية إيطالية (CGIL). وحسب معطيات المعهد الوطني للإحصاء، فإن عدد سكان إيطاليا لم يزدد في عام 2003، إلا بفضل ولادات أبناء المهاجرين. ولا شك أن تحويلات العمال المهاجرين تسهم في إثراء بلدانهم الأصلية، إذ بلغت قيمة الأموال المحولة إلى عائلاتهم 12.2 مليار يورو في عام 2003، حسب تقرير المنظمة الدولية للهجرة.
وهدأت غزة، وهذا ما كان مهما لدى الملايين من شعوب وربما حكومات العالم الذين عاشوا عامين من الدمار... اقرأ المزيد
66
| 15 أكتوبر 2025
من نواحي المسؤولية القانونية عمن يتحمل إعمار غزة هو من تسبب بدمارها مباشرة ومن عاونه في ذلك وقدم... اقرأ المزيد
51
| 15 أكتوبر 2025
مشاهد العائدين إلى الشمال وإلى أحياء غزة القديمة تحمل مزيجًا مُربكًا من الفرح الحذر، والحِداد، والخوف، والذهول أمام... اقرأ المزيد
66
| 15 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8850
| 09 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
5217
| 14 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
4989
| 13 أكتوبر 2025