رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. جاسم الجزاع

* باحث وأكاديمي كويتي
[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

258

د. جاسم الجزاع

هل تنبت المعرفة في بيئة الخوف والبيروقراطية؟

11 يونيو 2025 , 05:52ص

لم تعد قوة الأوطان تُقاس بما تفيض به آبارها، ولا بما يخرج من مناجمها، بل أصحت القوة الحقيقية للأوطان هي بما تُنتجه عقول أبنائها من معرفة وإبداع وقيم، فلقد بات «الاقتصاد المعرفي» هو المعيار الجديد لنهضة الأمم، حيث تغدو الفكرة أغلى من الذهب، والمعلومة أدقّ من السيف أحياناً، والعقل القادر على التحليل والابتكار هو أثمن رأسمال تملكه الأوطان، ففي هذا التحول الجذري، لم يعد المجد لمن يملك الأرض فقط، بل لمن يملك القدرة على فهم الأرض وتطويرها، والدول التي تُصدّر الذكاء، وتستثمر في العقول، هي من ترسم حدود التأثير، فيما تتراجع مكانة من يكتفي باستهلاك ما يُنتجه غيره، لذلك نجد في عالمٍ كهذا، لا مكان للجمود، فالبقاء فيه لمن يُتقن أدوات «الاقتصاد المعرفي»، ويجعل من المعرفة نواةً لكل قرار ومشروع وطموح.

ولم يعد أيضاً من الممكن أن نعيش بذهنية المستهلك والمُقلّد في عالمٍ تُدار فيه القرارات الكبرى عبر شبكات رقمية، وتُبنى فيه اقتصادات ضخمة على تطبيقات لا يتعدى حجمها بضع ميغابايتات، فصار لزامًا علينا أن نفهم أن المعرفة اليوم ليست رفاهية فكرية، ولا تخصصًا نخبويًا، بل ضرورة وجودية تمسّ كل فرد فينا، من طريقة تعامله مع يومه، إلى طبيعة عمله، بل حتى إلى مدى قدرته على البقاء في سوقٍ لا يرحم من لا يُطوّر نفسه.

فالاقتصاد المعرفي لا يعني فقط إنتاج العلوم والتقنيات، بل يعني امتلاك القدرة على تحويل المعلومة إلى قيمة، وتحويل الفكرة إلى منتج، وتحويل الإنسان إلى محور فاعل في عملية التنمية، فالمجتمع الذي لا يُجيد إنتاج المعرفة ولا إدارتها والاستفادة منها، هو مجتمع هشّ، معرّض للتبعية للآخرين، مهما امتلك من ثروات طبيعية تقليدية، لكن حين تصبح المعرفة جزءًا من نسيج الحياة العامة، فإن الدولة تتحول إلى قوة حقيقية، لأن أدواتها آنذاك لا تنفد ولا تُسرق ولا تموت.

وفي حياتنا اليومية، نلمس آثار هذا التحول شئنا أم أبينا، فكل خطوة نخطوها أصبحت مرتبطة بالمعرفة الرقمية، من حجز موعد طبي إلى تحويل الأموال للآخرين، إلى متابعة الأخبار وطرق التعليم الجديدة ومتابعة الأسواق والمنتجات وطلبها، إلا أن الخطر الأكبر يكمن حين نظل مستخدمين لا منتجين، مستهلكين فقط لا خلاقين، وهو ما يجعلنا نقف في مؤخرة الركب، مهما بدا لنا أننا «نواكب العصر».

وفي المجال الوظيفي، نجد أنه قد تغيرت قواعد اللعبة الوظيفية بالكامل، فالوظائف التقليدية التي كانت تعتمد على الحفظ أو التكرار، تتراجع لصالح الوظائف الجديدة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي وفلسفة الإبداع، والابتكار، والقدرة على تحليل البيانات، والعمل ضمن فرق متغيرة وسريعة، فالموظف الذي لا يُجيد التعامل مع المعرفة الجديدة يُصبح عبئًا، أما الذي يطوّر أدواته ويواكب المتغيرات الجديدة، فهو القائد المحتمل لمؤسسات المستقبل.

لذلك فإننا بحاجة ملحّة إلى بيئات عمل تقدّر العقول والمعرفة وتشجع على المبادرة، وتتخلى عن ثقافة البيروقراطية الجامدة، وتتجه نحو ثقافة التعلّم المستمر، واحتضان الأفكار الجديدة، وتحفيز روح الابتكار، وهنا يظهر دور الاقتصاد المعرفي كمنظومة متكاملة تبدأ من التعليم ولا تنتهي عند التخطيط، بل تمر عبر السياسات، وسوق العمل، بل وكل تفاصيل المجتمع.

فالتحدي الأكبر الآن ليس أن نؤمن بأهمية المعرفة، بل أن نُهيئ لها البيئة المناسبة لكي تنمو وتُثمر، فالمعرفة لا تنبت في أرض الخوف، ولا تنمو في بيئة بيرقراطية، ولا تزدهر في جوٍّ لا يقدّر السؤال والسعي للتعلم، فنحتاج إلى مجتمعات تحتفي بالفكر، وتربّي أفرادها على البحث، وتجعل من المعلم والباحث رموزًا اجتماعية مؤثرة، وحينها فقط تُصبح المعرفة قيمة مجتمعية، وبداية للتحول الحقيقي نحو النمو الحقيقي.

اقرأ المزيد

alsharq القيادة الإدارية في ضوء السيرة النبوية

تعددت نماذج القيادة عبر الأزمان ولكن لسنا بحاجة للرجوع إلى النماذج الغربية للقيادة، فلدينا أعظم مرجع للقيادة يحتذى... اقرأ المزيد

165

| 03 أكتوبر 2025

alsharq استشهدوا وما زالت والدتهم تنتظر قدومهم

ليس واحدا أو اثنين أو ثلاثة، بل أربعة دفعة واحدة استشهدوا مع أبناء عمومتهم والجيران، قُصف المنزل على... اقرأ المزيد

114

| 03 أكتوبر 2025

alsharq الثراء اللغوي.. عودة تحمل الإبداع والتميز

في مشهد تربوي يؤكد حضور اللغة العربية كهوية وانتماء، دشّنت مدرسة الوكرة الإعدادية للبنات يوم الخميس 25 سبتمبر... اقرأ المزيد

165

| 03 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية