رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منى الجهني

[email protected] 

مساحة إعلانية

مقالات

303

منى الجهني

العيد في غزة غصة وقصة

11 يونيو 2025 , 05:52ص

ما أثقل الفرح حين يُجرح، وما أبهى العيد حين يولد من رحم الرماد. في غزة، لا يأتي العيد كما يأتي على بقية البشر، بل يطلّ خجولًا من بين الركام، محمولًا على أكتاف الأمل، مكابرًا على الحصار، مجبولًا بالصبر والمقاومة.

وهذا العيد هو الرابع الذي يحلّ على غزة خلال الحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023.

في أحد التقارير الإعلامية، ورد: “رغم الحصار والظروف الصعبة، يبقى العيد في غزة رمزًا للصمود. الناس يتجمّعون في الأسواق، ويستعدّون للاحتفال، مما يدلّ على أن الحياة تستمر رغم كل شيء”.

كما جاء في الأخبار خبر عن استهداف صاروخي لمنازل في مدينة غزة خلال أيام العيد، حيث تحوّل منزلٌ مكوّن من ثلاثة طوابق إلى ركام، في مجزرة إسرائيلية تضاف إلى سلسلة المجازر السابقة بحق العائلات الفلسطينية الآمنة، دون سابق إنذار، في جريمة أخرى تمزّق نسيج المدنية في بيوتها.

ما الغاية من هذا التصعيد في توقيت الأعياد؟

العمليات العسكرية ضد المدنيين، لم تكن يومًا دفاعًا، بل كانت دومًا إصرارًا على القتل.

يسعى الغزّيون جاهدين إلى جعل العيد مناسبة جماعية للفرح، لا تقتصر على الأهل والمقرّبين، بل تمتدّ لتشمل الجميع، خصوصًا الأطفال.

الهدايا، الألعاب، الضحكات، تشبه محاولة غرس وردة في صحراء من نار، لكنها تظلّ ممكنة، وتمنح للحياة فرصةً للبقاء.

والعيد في غزة يكاد يكون غصّةً وقصّة؛ يحمل خليطًا من مشاعر الحزن والأسى في ظل هذه الظروف القاسية، وفي الوقت نفسه يصرّ على إشعال شمعة فرح، ولو على أطراف الظلام.

في العيد، لا يمكن تجاهل الغصة العالقة في الأرواح.

وفي كل عيد، يتقدّم ذكر الشهداء، أولئك الذين قدّموا أرواحهم فداءً لهذا الوطن، كأنّ ذكراهم صارت طقسًا من طقوس الأعياد.

وملامح العيد في غزة تلاشت تحت القصف المدفعي والصاروخي العنيف، حتى صار الناس على موعد شبه يومي مع الموت.

ارتفعت أعداد الشهداء ممن كانوا يبحثون عن فتات طعام، قُتل عشرات الفلسطينيين وهم يتوجّهون للحصول على طرود غذائية، في مشهد يُنذر بانهيار إنساني شامل.

ويطل العيد وسط أزمة ميدانية وإنسانية خانقة،

الأسواق مدمّرة، والبضائع غائبة، والمشترون أكثر غيابًا. المنظومة الغذائية تنهار، والقدرة الشرائية تحتضر.

لكن، رغم كل شيء، يبقى يوم العيد يومًا يتجلّى فيه التكافل والتعاضد بين الفلسطينيين، يتقاسمون ما تبقى، يربّتون على أكتاف بعضهم، ويُعيدون بناء روابطهم المجتمعية من فتات الخبز والماء والنجاة.

على امتداد هذه الحرب الهمجية، سعت قوات الاحتلال الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية، ارتُكبت جرائم بشعة على الهواء مباشرة، ارتقى مئات الشهداء بأسلحة الموت المتنوّعة، والغارات والطائرات المسيّرة لا تُفرّق بين مدني ومقاتل، بين رضيع وعجوز.

هذا العيد هو الأقسى والأكثر وحشية في ذاكرة الفلسطينيين،

لقد تحوّلت مراكز المساعدات إلى مصائد موت، يُستهدف فيها الجائعون بدلًا من إطعامهم.

لم تعد المساعدات آمنة، ولم يعد الوصول إليها ممكنًا إلا على جثث الضحايا.

ومع ذلك، يبقى العيد شاهدًا على أنّ الحياة لا تنكسر، وأنّ التجويع لا يُطفئ الأمل، وأنّ قلة الخدمات، وسوء التغذية، وشح الإغاثة، لن تمنع الناس من الحلم، ولو كان الحلم مجرد وقفة عزّ في فناء مهدّم.

كتب أحد الكتّاب الفلسطينيين معلقًا:

“في كل عيد، نُعيد اكتشاف معنى الفرح في قلوبنا، رغم كل ما يحيط بنا من ألم. العيد في غزة ليس مجرّد احتفال، بل هو مقاومة للواقع، وإصرار على الحياة”.

ولا تزال الأعياد تحمل الذكريات؛ ذكريات الفقد، والفزع، والدم، والنزوح، والدموع.

ومع كل هذا، تظلّ غزة تنبض، تنادي بفتح الممرات الإنسانية، بكسر الحصار، بتوزيع المساعدات على الجياع والنازحين.

في النهاية، يبقى العيد في غزة مزيجًا مريرًا من الفرح المقموع، والأمل المتحدي، ويبقى رمزًا لا يُقهر للصمود، وإصرارًا هائلًا على أن نبقى على قيد الحياة…

كل هذا وبيني وبينكم.

مساحة إعلانية