رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

سعدية مفرح

كاتبة كويتية

مساحة إعلانية

مقالات

513

سعدية مفرح

كالغضب الذي لا يهدأ

10 فبراير 2025 , 12:05م

ليس هناك ظلمٌ أبشع من أن تُمحى الفروق بين الجريمة والبراءة، بين القسوة والضعف، بين اليد التي تقتل واليد التي تنزف. لكن هناك من يتفنن في هذا العبث، من يُزيّن الحيادَ وكأنه فضيلة، من يُلبس العدالة قناعًا زائفًا يجعلها تقفُ مترددةً بين الجلاد والضحية، وكأنهما طرفان متساويان في الجريمة.

أن تساوي بين الجلاد والضحية، بحجة العدالة، هو أن تنزع عن الجلاد وحشيته، وأن تُحمّل الضحية ذنبًا لم تقترفه، كأنك تُعيد صياغة القصة بحيث يبدو الألم خيارًا، وكأنَّ الجريمة وجهة نظر. هو أن ترى قاتلًا وسكينًا تقطرُ دمًا، وترى جثةً هامدة، ثم تقرر أن تبقى محايدًا، لأن “لكل طرفٍ روايته”، وكأنَّ الحقَّ كذبةٌ لا يُمكن أن تُرى بالعين المجردة.

لكن ماذا يُمكن أن يكون أبشع من هذا الحياد؟ أن تُطالب الضحية بالصمت، أن تُنكر عليها حقها في الألم، أن تُطالبها بأن “تفهم” دوافع الجلاد، كأنَّ ذلك يُبرر شيئًا. أن تُقالَ لها عباراتٌ جوفاء من نوع: “لا أحد بريء بالكامل”، أو “الأمر ليس بتلك البساطة”، أو “الجميع أخطأوا”، وكأنَّ محاولة الدفاع عن النفس تُساوي الضربة الأولى، وكأنَّ القهر يُصبح مبررًا حين يُصاغ بلغةٍ دبلوماسيةٍ أنيقة.

في عالمنا الذي يزداد قسوةً يومًا بعد يوم، أصبح الحيادُ ملاذًا لمن لا يُريد أن يتحملَ مسؤولية موقف، لمن يُفضّل أن يُلقي على الجميع لونًا رماديًا باهتًا، حتى لا يتورط في الاعتراف بأنَّ هناك ظالمًا ومظلومًا، قاتلًا وقتيلًا، جلادًا وضحية.

لكن الحقيقة لا تحتاج إلى تجميل، والدماء لا تحتاج إلى من يُفسرها، والوجع ليسَ وجهة نظرٍ قابلة للنقاش.

أبشعُ ما يُمكن أن يحدث هو أن يُطلب من الضحية أن تُسامح، أن تتجاوز، أن تتنازل عن صرختها لأنَّ العالمَ يُحبُّ النهايات السعيدة، لأنَّ الحقيقةَ مزعجة، ولأنَّ الجلاد يُريد أن يبدأ من جديد وكأنَّ شيئًا لم يكن. لكن الضحية لا تُشفى بالنسيان، ولا يُمكنها أن تُنكر ما تعرّضت له لمجرد أنَّ الآخرين لا يُريدون أن يشعروا بالذنب أو الانزعاج.

حين يُساوى بين الجلاد والضحية، لا يُصبح الجلادُ أكثر رحمة، بل تُصبح الجريمة أكثر قبولًا. يُصبح العنف أمرًا معتادًا، يُصبح الخذلانُ واجبًا، يُصبح الصمتُ قانونًا، ويُصبح على كل من يرفض هذا الظلم أن يتحمل تهمة التشدد أو المبالغة. يُطلب منه أن يكون منطقيًا، أن يُراعي مشاعر الجميع، أن لا يُسبب إزعاجًا، حتى لو كان الثمنُ أن يُنكر ما يعرفه تمام المعرفة.

لكن الحقيقة لا تموتُ لمجرد أنَّ أحدهم قررَ أن يُلغيها، والعدالةُ ليست قطعة قماشٍ يُمكن أن تُقصُّ بحيث تُناسب الجميع. هناك حقائق لا تحتاج إلى تفسير، هناك وجوهٌ مُلطخةٌ بالدماء لا تحتاج إلى من يُنظّف صورتها، هناك صرخاتٌ لا يُمكن إسكاتها بحجة الموضوعية.

والزمنُ قد يُغير كثيرًا من الأشياء، قد يطمسُ بعض الجروح، وقد يُغطي بعضها الآخر بطبقاتٍ من النسيان، لكن شيئًا واحدًا سيظلُّ ثابتًا: الجريمةُ لا تُصبحُ أقلَّ جرمًا لأنَّ أحدهم قررَ أن يتجاهلها، والضحية لا تفقدُ حقها لأنَّ العالم ملَّ من سماع قصتها. الحقيقةُ لا تحتاجُ إلى وسيطٍ يُعيدُ ترتيبها بحيث تُناسب الجميع، هي كما هي، واضحةٌ كالشمس، دامغةٌ كالجراح، خالدةٌ كالغضب الذي لا يهدأ.

اقرأ المزيد

alsharq 1878.. الفَيصَل

في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، تستعيد دولة قطر لحظة مفصلية في تاريخها الحديث؛ ففي 18... اقرأ المزيد

6

| 17 ديسمبر 2025

alsharq قطر تحتفل بيومها الوطني بمشاركة عربية واسعة

تعيش قطر هذه الأيام أجواءً استثنائية من الفرح والاعتزاز، حيث تتزامن احتفالات اليوم الوطني مع وجود جماهير البطولة... اقرأ المزيد

9

| 17 ديسمبر 2025

alsharq اليوم الوطني.. تأكيد روح التلاحم وتعميق قيم الولاء

تستعد البلاد تحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه... اقرأ المزيد

9

| 17 ديسمبر 2025

مساحة إعلانية