رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في سباق الزمن نحو مستقبل أكثر صحة ورفاهية، تخطو دولة قَطر خطوات ثابتة في تطوير قطاعها الصحي، مستندةً إلى رؤية وطنية وإستراتيجية طموحة تسعى إلى بناء نظام صحي راقٍ وعالمي المستوى. فقد تحولت البلاد خلال السنوات الأخيرة إلى نموذج يُحتذى به في تقديم الرعاية الصحية، بفضل استثمارات ضخمة، وتخطيط إستراتيجي دقيق. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات تفرض نفسها على الطريق، مما يستدعي مزيدًا من الجهود لضمان مستقبل صحي مستدام.
قفزات نوعية في القطاع الصحي
لم تكن الإنجازات الصحية التي حققتها دولة قَطر وليدة الصدفة، بل جاءت نتيجة رؤية واضحة، وإصرار على التميز. فمع توسع شبكة المستشفيات والمراكز الطبية، بات الوصول إلى الرعاية الصحية أسهل وأسرع، ما انعكس بشكل مباشر على جودة الخدمات المقدمة. ومن بين الصروح الطبية الرائدة التي شهدت النور في السنوات الأخيرة، يأتي "مركز سدرة للطب"، الذي تحول إلى وجهة طبية محورية في رعاية المرأة والطفل، إلى جانب توسعة "مستشفى حمد العام"، الذي عزز قدرته الاستيعابية ليواكب الطلب المتزايد على مستوى الدولة.
ولكن التطوير لم يقتصر على البنية التحتية، بل شمل أيضًا تحديث الأنظمة الصحية، وتبني أحدث التقنيات الطبية. فالذكاء الاصطناعي بات اليوم جزءًا لا يتجزأ من عملية التشخيص، والتحليل، والمقاربة الطبية، والعلاج، مما رفع كفاءة الأداء الطبي إلى مستوى عالٍ، وقلل من معدلات الأخطاء، وأتاح للمرضى خدمات أسرع، وأكثر دقة.
نجاحات في مكافحة الأمراض وتعزيز الوقاية
الوقاية خير من العلاج، وهذا ما أدركته قطر مبكرًا، حيث أطلقت حملات توعوية واسعة لتعزيز أنماط الحياة الصحية بين المواطنين؛ فحملة "قطر نشطة"، على سبيل المثال، نجحت في نشر ثقافة ممارسة الرياضة، والتغذية المتوازنة، فيما ساهمت السياسات الصارمة ضد التدخين في تقليل أعداد المدخنين، مما انعكس إيجابًا على الصحة العامة، وهذه المبادرات آخذة في التوسع على المستوى الوطني.
وفي مواجهة الأوبئة، أثبتت قطر جاهزيتها وقدرتها العالية خلال جائحة كوفيد - 19، حيث اعتمدت إستراتيجيات فعالة مكّنتها من اِحتواء الأزمة بسرعة، بدءًا من فرض الإجراءات الوقائية الصارمة، ومرورًا بتوفير اللقاحات على نطاق واسع، وحتى وصولًا إلى تقديم رعاية طبية متقدمة لمرضى الفيروس. ونتيجة لهذه الجهود، حققت البلاد واحدًا من أدنى معدلات الوفيات عالميًا خلال الجائحة.
التحديات لا زالت تفرض نفسها
رغم هذا التقدم الطبي الوطني المبهر وفق رؤية التنمية لعام 2030م، إلا أن التحديات لا تزال قائمة. فالنمو السكاني المتسارع يشكل ضغطًا متزايدًا على الخدمات الصحية، مما يستدعي توسيع القدرات الطبية بوتيرة أسرع. كما أن اِنتشار الأمراض المزمنة، مثل السكري والسُّمنة، لا يزال مصدر قلق، حيث تتطلب مكافحتها جهودًا مضاعفة من خلال برامج التوعية، وتحفيز الأفراد على تبني أسلوب حياة صحي.
أما على مستوى الكوادر الطبية، فلا تزال قطر تعتمد إلى حد كبير على الكفاءات الأجنبية، مما يجعل تطوير وتأهيل الكوادر الوطنية ضرورة ملحة. ورغم الجهود المبذولة في هذا المجال، إلا أن سدّ هذه الفجوة يتطلب مزيدًا من الاستثمارات في التعليم والتدريب الطبي.
ونحو مستقبل طبي أكثر إشراقاً، ومع اقتراب عام 2030، تواصل دولة قَطر تعزيز منظومتها الصحية من خلال الاستثمار في التكنولوجيا والبحث العلمي وإرسال البعثات واستقدام الخبرات العالمية، حيث تسعى إلى تحقيق الاستدامة في المجال الصحي، وضمان تقديم خدمات طبية بمستوى عالمي للجميع.
وإن ما تحقق حتى اليوم هو قصة نجاح تستحق الإشادة، ولكن الطريق نحو مستقبل أكثر صحةً لا يزال مليئًا بالتحديات. وبينما تستعد دولة قطر لمواجهة هذه العقبات، يبقى الهدف الأسمى هو تمكين مجتمع يتمتع بالصحة والراحة والرفاهية، في ظل نظامٍ صحيٍ متطورٍ يواكب متطلبات واحتياجات العصر.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
2403
| 26 سبتمبر 2025
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست مجرد مهارة إضافية، بل ضرورة تمس حياة كل فرد وإذا كان العالم بأسره يتجه نحو تنويع اقتصادي يخفف من الاعتماد على مصدر واحد للدخل، فإن قطر – بما تمتلكه من رؤية استراتيجية – تدرك أن الاستدامة الاقتصادية تبدأ من المدارس القطرية ومن وعي الطلاب القطريين. هنا، يتحول التعليم من أداة محلية إلى بوابة عالمية، ويصبح الوعي المالي وسيلة لإلغاء الحدود الفكرية وبناء أجيال قادرة على محاكاة العالم لا الاكتفاء بالمحلية. التعليم المالي كاستثمار في الاستدامة الاقتصادية القطرية: عندما يتعلم الطالب القطري إدارة أمواله، فهو لا يضمن استقراره الشخصي فقط، بل يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. فالوعي المالي يساهم في تقليل الديون وزيادة الادخار والاستثمار. لذا فإن إدماج هذا التعليم يجعل من الطالب القطري مواطنا عالمي التفكير، مشاركا في الاقتصاد العالمي وقادرا على دعم قطر لتنويع الاقتصاد. كيف يمكن دمج الثقافة المالية في المناهج القطرية؟ لكي لا يبقى الوعي المالي مجرد شعار، يجب أن يكون إدماجه في التعليم واقعًا ملموسًا ومحاكيًا للعالمية ومن المقترحات: للمدارس القطرية: • حصص مبسطة تدرّب الطلاب على إدارة المصروف الشخصي والميزانية الصغيرة. • محاكاة «المتجر الافتراضي القطري» أو «المحفظة الاستثمارية المدرسية». للجامعات القطرية: • مقررات إلزامية في «الإدارة المالية الشخصية» و»مبادئ الاستثمار». • منصات محاكاة للتداول بالأسهم والعملات الافتراضية، تجعل الطالب يعيش تجربة عالمية من داخل قاعة قطرية. • مسابقات ريادة الأعمال التي تدمج بين الفكر الاقتصادي والابتكار، وتبني «وعيًا قطريًا عالميًا» في آن واحد. من التجارب الدولية الملهمة: - تجربة الولايات المتحدة الأمريكية: تطبيق إلزامي للتعليم المالي في بعض الولايات أدى إلى انخفاض الديون الطلابية بنسبة 15%. تجربة سنغافورة: دمجت الوعي المالي منذ الابتدائية عبر مناهج عملية تحاكي الأسواق المصغرة - تجربة المملكة المتحدة: إدراج التربية المالية إلزاميًا في الثانوية منذ 2014، ورفع مستوى إدارة الميزانيات الشخصية للطلاب بنسبة 60%. تجربة استراليا من خلال مبادرة (MONEY SMART) حسنت وعي الطلاب المالي بنسبة 35%. هذه النماذج تبيّن أن قطر قادرة على أن تكون رائدة عربيًا إذا نقلت التجارب العالمية إلى المدارس القطرية وصياغتها بما يناسب الوعي القطري المرتبط بهوية عالمية. ختاما.. المعرفة المالية في المناهج القطرية ليست مجرد خطوة تعليمية، بل خيار استراتيجي يفتح أبواب الاستدامة الاقتصادية ويصنع وعيًا مجتمعيًا يتجاوز حدود الجغرافيا، قطر اليوم تملك فرصة لتقود المنطقة في هذا المجال عبر تعليم مالي حديث، يحاكي التجارب العالمية، ويجعل من الطالب القطري أنموذجًا لمواطن عالمي التفكير، محلي الجذور، عالمي الأفق فالعالمية تبدأ من إلغاء الحدود الفكرية، ومن إدراك أن التعليم ليس فقط للحاضر، بل لصناعة مستقبل اقتصادي مستدام.
2304
| 22 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
2301
| 25 سبتمبر 2025