رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يروى أن رجلًا كان لديه خروف وأراد أن يبيعه فأخذه إلى السوق، رأه أربعة لصوص واتفقوا على سرقة الخروف بخطة ذكية فقسموا أنفسهم على الطريق المؤدية للسوق، جلس الأول في أول الطريق والثاني بعده بقليل والثالث في المنتصف والرابع قرب نهاية الطريق.
مر الرجل على الأول فسأله لماذا تقود هذا الكلب خلفك فقال له هذا ليس كلبا إنه خروف وأكمل طريقه، ثم سأله الثاني نفس السؤال فتردد وقال إنه خروف، عند الثالث تكررت نفس الكلمات فتزايد شكه، أما الرابع فختمها بنفس العبارة لماذا تقود كلبا خلفك.
هنا أيقن الرجل أنه أخطأ وأنه بالفعل يقود كلباً وليس خروفا فقطع الحبل وأطلق الخروف ظنا منه أنه كلب وعاد إلى بيته يبحث عن خروفه، بينما اللصوص التقطوا الخروف وانصرفوا فرحين.
الحكمة من هذه القصة توضح لنا كيف يتم تضليل العقول وتزييف الوعي بطريقة ممنهجة حين يكرر الكذب أكثر من طرف نبدأ في الشك في الحقائق، فلا تجعل قناعتك تُسرق مع تكرار الأصوات فليس كل ما يقال صحيحا وليس كل من يتكلم صادقا.
تضليل العقول في تكرار الأكاذيب
في عصر المعلومات، أصبح من السهل على الأفراد أن يقعوا فريسة لتضليل العقول وتزييف الوعي. عندما يكرر الكذب أكثر من طرف، نبدأ في الشك في الحقائق، وتصبح قناعاتنا مهددة بالسرقة في هذا المقال، وسنناقش كيف يتم تضليل العقول بطريقة ممنهجة، وهناك الكثير والنماذج من هذا التضليل.
أولًا، تكرار الأكاذيب يمكن أن يؤدي إلى تزييف الوعي، عندما نسمع نفس الرسالة تتكرر مراراً وتكراراً، نبدأ في تصديقها، حتى لو كانت كاذبة، هذا ما يسمى بـ»تأثير التكرار»، حيث يصبح الكذب أكثر قبولًا مع تكراره.
ثانيًا، يتم استخدام تقنيات الدعاية والتأثير النفسي لتضليل العقول، على سبيل المثال، يتم استخدام «التكرار الانتقائي» لتعزيز رسالة معينة، بينما يتم تجاهل الحقائق التي تتعارض معها، كما يتم استخدام «التأثير الاجتماعي» لجعل الأفراد يعتقدون أن الجميع يعتقدون شيئًا معينًا، حتى لو لم يكن ذلك صحيحًا، أحد الأمثلة على ذلك هو حملة التضليل التي قامت بها شركات التبغ لإنكار العلاقة بين التدخين والسرطان، لقد كررت هذه الشركات الأكاذيب حول سلامة التدخين، وروجت لدراسات مزيفة تدعم موقفها، ونتيجة لذلك، تأخرت الحكومات في اتخاذ إجراءات للحد من التدخين، وازداد عدد المدخنين.
لذا يجب أن نكون حذرين من تضليل العقول وتزييف الوعي، ويجب أن نبحث عن الحقائق، ونقيّم المعلومات بشكل نقدي، ولا نسمح لقناعاتنا أن تُسرق مع تكرار الأصوات، كما يجب أن ندرك أن ليس كل ما يقال صحيحًا، وليس كل من يتكلم صادقًا.
الملابس الجديدة للإمبراطور
قصة «الملابس الجديدة للإمبراطور» هي قصة قصيرة شهيرة كتبها هانس كريستيان أندرسن، تحكي القصة عن إمبراطور يحب الملابس الجديدة والفاخرة، ويُخدع من قبل اثنين من المحتالين يزعمان أنهما يمكنهما صنع ملابس فاخرة للغاية، ولكنها غير مرئية لأي شخص لا يصلح لوظيفته أو «غبي»، الإمبراطور يقرر شراء هذه الملابس، ويُعطي المحتالين مالًا مقابلها، عندما يأتي المحتالون لقياس الملابس، يزعمان أن الملابس موجودة، ولكنها غير مرئية، الإمبراطور ووزراؤه يرون «الملابس» ويُصفقون لها، خوفًا من أن يُعتبرون غير أهل لوظيفتهم إذا لم يروها، وعندما يخرج الإمبراطور لاستعراض ملابسه الجديدة، يرى الجميع أنه عارٍ تمامًا، ولكن لا أحد يجرؤ على قول ذلك، أخيرًا، يصرخ طفل صغير «ولكنه لا يلبس شيئًا!» وتنتشر الكلمة بين الناس، ويُدرك الجميع أنهم تعرضوا للخداع.
هذه القصة تُظهر كيف يمكن للضغط الاجتماعي والخوف من النقد أن يجعل الأفراد يتصرفون بشكل غير عقلاني، ويُؤيدون أفكارًا أو معتقدات خاطئة، كما تُظهر أهمية الصدق والجرأة في التعبير عن الآراء، حتى لو كانت غير مقبولة من قبل الآخرين.
كسرة أخيرة
تضليل العقول وتزييف الوعي يمكن أن يكونا خطيرين إذا لم نكن حذرين، ويجب أن نكون مستعدين دائما لمواجهة الأكاذيب والتحقق من الحقائق، حتى لا نسمح لقناعاتنا أن تُسرق.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
5154
| 26 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4392
| 29 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
4236
| 25 سبتمبر 2025