رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

بدور المطيري

• كاتبة وصحفية كويتية

مساحة إعلانية

مقالات

468

بدور المطيري

قراءة في العقل الأمريكي.. كيف هندس ترامب صفقة غزة؟

08 أكتوبر 2025 , 02:29ص

بعد عامين تنفست غزة فيها الصعداء مع الاعلان الأمريكي عن اتفاق بين حماس واسرائيل، ليكسر دوامة الحرب التي عانتها غزة، انتهت المعارك فجأة، وبدأت مرحلة جديدة تنطلق فيها الأسئلة ماذا حدث؟ وكيف التقى الخصوم على طاولة واحدة؟ الإجابة لا تكمن في نصوص الاتفاق بقدر ما تكمن في الطريقة التي أديرت بها اللعبة.

فالرئيس الأمريكي ترامب لم يتعامل مع غزة كملف سياسي فقط، بل كمعادلة اقليمية أعاد ترتيب أطرافها بمهارة تفاوضية غير تقليدية أعادت الى ذهني ما تعلمته في هارفارد حول منهج (التفاوض ثلاثي الأبعاد) حيث أعاد رسم الخريطة قبل أن يبدأ الحوار مؤكدا أن النجاح يبدأ حين تغير شروط اللعبة لا حين ترفع الصوت داخلها.

فمنذ البداية أدرك ترامب أن الحل لن يولد من داخل الطاولة بل من حولها، فتح قنواته مع قطر وتركيا ونجح في تحييد روسيا، ومنح السعودية موقع الشريك السياسي، فيما أسند الى مصر مسؤولية الضمان الأمني، بينما أبقى للكويت موقعها المتوازن في الدعم الانساني والدبلوماسي.

أعاد ترامب الثقة مع قطر حين انتزع من اسرائيل لأول مرة اعتذارا دبلوماسيا الى الدوحة، في خطوة نادرة الحدوث ولكنها أعادت تعريف لغة التواصل في المنطقة، وأقر بأن أمن قطر هو مسؤولية أمريكية لأنها برعت في دور الوساطة السلمية التي قامت بها وفتحت باب الحوار من خلالها.

أما في السعودية فكان عليه أن يلعب بورقة لم يمنحها لأحد من قبلها، وهو إدراج مشروع «حل الدولتين» ضمن بنود الصفقة كأفق سياسي نهائي لتصبح شريكا في صناعة القرار.

ولأن ترامب يعرف أن اي اتفاق لا يمكن أن يمر دون مصر وهي الدولة التي تملك حدودا مع غزة ولها خبرة واسعة في الإشراف الأمني وتنسيق الترتيبات الأمنية لتكون العمود الأمني لهذه الصفقة.

فيما واصلت الكويت أداء دورها الدبلوماسي الإنساني المتزن وسط اشتباكات المصالح.

بهذه المنظومة من الأدوار نجح ترامب في خلق واقع جديد، كل طرف بات يدرك أن كلفة الرفض أعلى من ثمن القبول، فحماس أنهكتها الحرب واسرائيل وصلت الى حدود طاقتها، والدول العربية رأت أن الاستقرار اليوم أهم من الخطابات القديمة، حينها أصبحت «نعم» ممكنة، لا لأن أحدا غير قناعاته، بل لأن الجميع تغير واقعه، والنتيجة هي اتفاق يعيد توزيع الأدوار لا الحدود.

تحولت «حماس» من فصيل مقاتل الى لاعب سياسي، فيما أخذت السعودية زمام المبادرة والثقل، ورسخت قطر موقعها كوسيط شرعي، فيما كسبت مصر هدوء حدودها، بينما بقيت الكويت صوتا انسانيا متزنا.

في النهاية لم تكن خطة ترامب معجزة بل قراءة صحيحة للحظة نضجت فيها كل الأطراف على طاولة واحدة، لقد فاوض من خارج الطاولة وصاغ اتفاقا يعكس مبدأ بسيطا،»لا أحد ينتصر في الحرب، لكن الجميع يستطيع أن يوقف نزف الخسارة».

ولذلك ستبقى صفقة غزة، بما لها وما عليها، نقطة تحول في فن إدارة الصراع والمفاوضات أكثر منها حدثا عابرا في تاريخ الشرق الأوسط.

مساحة إعلانية