رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في إطار كشفنا لمدى الجناية على العالم الإسلامي الذي يتهم اليوم غربيا بالعدوانية والإرهاب، لابد أن نقف أمام حقبة الكشوف الجغرافية التي أعقبت عدوان الحروب الصليبية ثم حقبة الاستعمار الحديث.
فقد جاءت "الكشوف الجغرافية" لتكون بمثابة العدوان الغربي الثاني على العالم الإسلامي، والتي كانت امتدادًا حقيقيا للحروب الصليبية فقد ظل هاجس هذه الحروب جاثما على أذهان أوروبا طوال القرون، فكان كل بابا للكنيسة أو ملك جديد يؤكد شرعيته بإعلان الدعوة للإعداد لحرب صليبية جديدة.. وعندما أخرج "فرديناند" و "إيزابيلا" المسلمين من إسبانيا، كانت أسطورة الحروب الصليبية لا تزال مسيطرة على الأذهان، ولهذا كانت محاكم التفتيش والتطهير العرقي والديني لإسبانيا الكاثوليكية.
وفي السياق الصليبي ذاته، جاء البحث عن طريق رأس الرجاء الصالح لمحاصرة الدولة العثمانية، وانتزاع السيطرة على التجارة الدولية من أيدي المسلمين، وإحكام سيطرة أوروبا عليها كما فرض هذا السياق الصليبي نفسه على العالم الجديد، فلم تتمكن أوروبا من غزو القارة الأمريكية إلا تحت راية الصليب، وهكذا انطلقت الكشوف الجغرافية، وكان من أهم أهدافها محاصرة الدولة الإسلامية – العثمانية آنذاك – اقتصاديا واستراتيجيا، كما كان ذلك – أيضا - محاولة لتدارك فشل الحروب الصليبية، والعمل على تحقيق أهدافها من خلال إدارة جديدة للصراع مع الإسلام، كما كانت تهدف إلى تحقيق الثراء الذي كانت أوروبا في أمسِّ الحاجة إليه.
وما إن استكملت أوروبا نهضتها، وأنجزت ثورتها الصناعية، حتى عادت من جديد تتوجه "بحملاتها الاستعمارية" – والصليبية أيضا – للشرق الإسلامي، فالانتقام من هذه المنطقة التي هددت نفوذ الغرب في العالم وارد.. والسيطرة عليها لمنع كل أسباب قوتها ونهضتها – ابتداءً من الدين وانتهاءً بالتقدم العلمي – وارد.. والاستحواذ على ثرواتها وفرض التخلف عليها وارد..وكذلك فرض تقسيم العمل الدولي الذي توجبه الثورة الصناعية، بجعلها فقط مصدرا للمواد الأولية وارد!!
وخلال كل ذلك كان الثأر من الإسلام واضحا، كما كان العمل على طمس هوية الأمة الثقافية والحضارية وتجريدها من كل عوامل نهضتها..بل والعمل على إعداد نخب جديدة تمثل المستعمر في قيادتها للمنطقة، والعمل على تفكيك المنطقة التي لم تكن لها حدود سياسية سوى حدود الدولة الإسلامية الكبرى وزرع إشكالات على حدودها واستنبات الأزمات بين أبنائها.
وليس أدل على أن الدين الإسلامي والحضور الإسلامي الشعبي كانا مستهدفين من تلك الحملات، من حرصها على إلغاء العمل بالشريعة في كل مكان حلت به، ففي مصر كان العمل على إلغاء الشريعة حاضرا في أول جلسة للمجمع العلمي الفرنسي بعد الاحتلال، وظلت محاولات نابليون مركزة تجاه تعديل النظام التشريعي والقضائي.. ولما جاءت بريطانيا المنافسة لفرنسا لم تختلف على ذات الهدف، لهذا فقد اشترطت في معاهدة "مونترو" مع الحكومة المصرية، ضرورة ألا تخالف القوانين الجديدة في مصر القوانين الأوروبية!! وعلى النسق ذاته كان يعمل الاستعمار الأوروبي في كل بلاد العالم الإسلامي التي احتلها.
ولم يقف الاستعمار عند حد إسقاط حكم الشريعة وإلغاء العمل به، بل بذل جهدا حثيثا - أيضا - في سبيل نسف وتدمير أسس الحياة الاجتماعية الإسلامية، وهو ما يتضح بجلاء من رسالة نابليون إلى خليفته في مصر كليبر، حيث أمره أن يقبض على أعداد كبيرة من المماليك والعرب ومشايخ البلدان، وإرسالهم إلى فرنسا، يحتجزون فيها!! عاما أو عامين، يعتادون اللغة الفرنسية والحياة الغربية، ثم يعودون إلى مصر ليكونوا حزبا، ولم يفت نابليون أن يذكر كليبر أنه لم ينس طلبه بإرسال فرقة تمثيلية!! مؤكدًا على أهميتها في البدء في تغيير تقاليد البلاد!!
كما أن المراجعة التاريخية السريعة تكشف أن أهم المشكلات الاستراتيجية التي لا تزال تعاني منها الأمة.. حيث الصراع العربي الإسرائيلي، ترجع بالأساس إلى الاستعمار الغربي:
فعندما غزا نابليون (الكاثوليكي) مصر 1798م أصدر بيانا دعا فيه اليهود إلى مساعدته في حملته الاستعمارية على مصر وفلسطين وبلاد الشام مقابل مساعدتهم في العودة إلى فلسطين (أرض الميعاد!!).. كما كان يأمل في تجميع اليهود في فلسطين لعزل بلاد الشام عن مصر، ولكن اليهود آنذاك هم الذين رفضوا هذا العرض، لعدم إثارة حكام بلاد الشام وفلسطين، ثم جاءت بريطانيا (البروتستانتية) تستكمل الدور الأوروبي الهادف إلى توطين اليهود في فلسطين، فكانت الهجرات الاستيطانية إلى فلسطين (1882 - 1914م) وهو ما ساعدت عليه الدول الأوروبية بقوة.
الجدير بالذكر أن توطين اليهود في فلسطين قد حقق هدفين:
الأول: تخلص أوروبا من اليهود الذين كانوا يؤرقون المجتمع الأوروبي آنذاك ويتسببون في أزمات عديدة داخله.
الثاني: زرع بؤرة استيطانية حربية متقدمة في قلب الجسد الإسلامي، لتحقيق الأهداف الاستعمارية بالمنطقة.
ولعل ما سبق، يكشف أننا لم نكن يوما أمة معتدية، بقدر ما كنا أمة تتصدى للمؤامرات، وتقاوم عمليات العدوان المنهجي، هذه المقاومة التي أصبحت اليوم سندا مهما لاعتبارها أمة إرهابية، تتمتع بقدر عال من كراهية الآخر، وتعمل دوما للعدوان عليه!!
في بيئة العمل، نلتقي يومياً بأشخاص يختلفون عنا في أنماطهم وسلوكياتهم وتوقعاتهم. منهم من يمر مرور النسيم؛ هادئاً،... اقرأ المزيد
159
| 17 أكتوبر 2025
الرضا الوظيفي له دور كبير فى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة وقد يعتقد الكثير من الهيكل الوظيفي المسئول... اقرأ المزيد
231
| 17 أكتوبر 2025
منذ عشر سنوات، كنت أدخل النقاشات كما يدخل أحدهم في معركة مصيرية. جلسة عائلية تبدأ بسؤال عابر عن... اقرأ المزيد
126
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
7881
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
6522
| 14 أكتوبر 2025
منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر الموظفون والمتقاعدون في قطر بمرحلة جديدة من العدالة الاجتماعية والتقدير العملي لعطاءاتهم الطويلة. فقد نصت المادة (31) من القانون على أن الموظف الذي أكمل أكثر من ثلاثين سنة في الخدمة يستحق مكافأة عن السنوات الزائدة، وهو ما اعتُبر نقلة نوعية في التشريعات، ورسالة وفاء وعرفان من الدولة لأبنائها الذين أفنوا أعمارهم في خدمة مؤسساتها. غير أن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً، إذ جاءت اللائحة التنفيذية لتضع قيداً لم يرد في النص الأصلي، حيث حصرت استحقاق مكافأة السنوات الزائدة فيمن تجاوزت خدمته الثلاثين سنة ابتداءً من عام 2023 فقط، متجاهلة بذلك آلاف المتقاعدين الذين أنهوا خدماتهم الطويلة قبل هذا التاريخ. هذا التفسير الضيّق أثار جدلاً واسعاً بين القانونيين والمتقاعدين، لأنه خالف صراحة روح المادة (31) وأفرغها من مضمونها العادل. النص التشريعي والغاية المقصودة: لا جدال في أن المشرّع حين أقر المادة (31) كان يبتغي تحقيق مبدأ المساواة والعدل بين كل من خدم الوطن أكثر من ثلاثين عاماً، دون التفريق بين من انتهت خدمته قبل أو بعد 2023. فالقانون قاعدة عامة مجردة، ومقاصده تتجاوز اللحظة الزمنية لتغطي جميع الحالات المماثلة. فإذا جاء النص واضحاً في تقرير الاستحقاق، فإن أي تفسير لاحق يجب أن يكون شارحاً ومكملاً، لا مقيّداً أو مفرغاً من المضمون. إن حصر المكافأة بفئة زمنية محددة يتنافى مع المبادئ العامة للتشريع، ويجعل القانون غير منصف في تطبيقه. فالذين تقاعدوا قبل 2023 قدّموا جهدهم وعرقهم طوال عقود، ومن غير المنطقي أن يُحرموا من حق أثبته النص لمجرد أن توقيت تقاعدهم سبق صدور القانون الجديد. أثر التمييز الزمني على المتقاعدين: إن استبعاد فئة كبيرة من المتقاعدين من حق المكافأة يخلق شعوراً بالغبن واللامساواة، ويؤدي إلى اهتزاز الثقة في العدالة التشريعية. هؤلاء المتقاعدون خدموا في الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة، وأسهموا في بناء نهضة الدولة منذ بداياتها، وتحملوا ظروف العمل في فترات صعبة لم تكن فيها الامتيازات والرواتب كما هي اليوم. إن تجاهل هذه الفئة يرسل رسالة سلبية مفادها أن جهد العقود الطويلة يمكن أن يُطوى بجرة قلم، وأن التقدير مرهون بتاريخ تقاعد لا بعطاء حقيقي. وهذا يتناقض مع قيم الوفاء والعرفان التي اعتادت الدولة على إظهارها لأبنائها. الحديث عن مكافأة السنوات الزائدة ليس مجرد نقاش مالي أو قانوني، بل هو في جوهره قضية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية. فالمكافأة تمثل تقديراً رمزياً لمشوار طويل من الخدمة، وتساهم في تحسين أوضاع المتقاعدين الذين يواجهون أعباء الحياة المتزايدة بعد انتهاء عملهم. ومن هنا فإن إعادة النظر في تفسير المادة (31) ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو استجابة طبيعية لقيم العدالة التي تميز نظامنا القانوني والإداري. الحق لا يسقط بالتقادم: ومن المهم التأكيد على أن الحق لا يسقط بالتقادم، خاصة إذا كان مرتبطاً بسنوات خدمة طويلة بذل فيها المواطن جهده وطاقته في سبيل وطنه. إن مكافأة السنوات الزائدة تظل حقاً أصيلاً لصاحبها، يحق له المطالبة به ولو بعد حين، ما دام القانون قد أقرّه صراحة في نصوصه. إن محاولة إسقاط هذا الحق بمرور الزمن أو تقييده بتاريخ صدور اللائحة التنفيذية أمر يتعارض مع المبادئ القانونية الراسخة ومع قواعد العدالة والإنصاف. المقارنة بتجارب خليجية سابقة: من المفيد أن نشير إلى أن دولاً خليجية أخرى اعتمدت أنظمة تقاعدية أكثر مرونة في هذا الجانب، حيث شملت مكافآت أو بدلات السنوات الزائدة جميع المتقاعدين دون تمييز زمني، إيماناً منها بأن العطاء لا يُقاس بتاريخ انتهاء الخدمة بل بعدد السنوات التي قضاها الموظف في خدمة وطنه. هذا يعكس أن المبدأ ليس غريباً أو صعب التطبيق، بل هو إجراء ممكن وواقعي أثبت نجاحه في بيئات مشابهة. المطلوب هو أن تشمل مكافأة السنوات الزائدة جميع من تجاوز ثلاثين عاماً خدمة، سواء تقاعد قبل 2023 أو بعده. فذلك هو التطبيق الأمثل لروح القانون، والتجسيد الحقيقي للعدل، والضمانة لردّ الاعتبار لمن حُرموا من حقهم رغم استحقاقهم. إن مكافأة السنوات الزائدة ليست ترفاً ولا منحة عابرة، بل هي استحقاق مشروع وواجب وطني في حق كل من خدم الدولة أكثر من ثلاثة عقود. تجاهل هذا الاستحقاق يفتح باب التمييز ويضعف الثقة في التشريع، بينما إنصاف المتقاعدين يرسخ مبادئ العدالة ويؤكد أن الدولة لا تنسى أبناءها الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية البناء والتطوير. وليطمئن كل متقاعد أن عطاءه محفوظ في سجل الوفاء الوطني، وأن سنوات الخدمة الزائدة لن تضيع هدراً، بل ستُكافأ بالعدل والإنصاف.
3438
| 12 أكتوبر 2025