رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد.. "قل هو الله أحد*الله الصمد* لم يلد ولم يولد* ولم يكن له كفوا أحد" .
فبلاد الحرمين الشريفين جزيرة العرب، حصن التوحيد ومهبط الوحي والقرآن المجيد ومثوى سيد الأنبياء والمرسلين -صلى الله عليه وسلم- قيض لها الله من عباده الموحدين من رجال القبائل من أحزنهم ما آلت إليه جزيرتهم من التشرذم والتفرق، وما دخل على عقيدة التوحيد من الضلالات والبدع، بعد صفاء السريرة ونقاء العقيدة على يد نبي الأمة وصحابته الكرام -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين- فهبت أسود الجزيرة من آل سعود هبة الغيورين على دينهم وأرضهم، جامعين حولهم الغيورين من أمثالهم من أهل الدين والخير والصلاح من أهلها فكان لهم ما أرادوا بفضل الله -عز وجل-، وتلاحمت قوة السياسة والعزم مع قوة الدين واليقين فكان التحالف بين الأمير محمد بن سعود آل مقرن والشيخ محمد بن عبدالوهاب والتعاهد على حمل الدعوة على عاتقهما والدفاع عنها والدعوة للدين الصحيح الذي جاء به نبي هذه الأمة محمد بن عبدالله -عليه الصلاة والسلام- وصحابته الكرام من المهاجرين والأنصار -رضي الله عنهم وأرضاهم- ومحاربة ما علق بهذه الدعوة من البدع والضلالات في جميع أرجاء جزيرة العرب.
لقد كان هذا التحالف فاتحة خير على جزيرة العرب كلها وأهلها قاطبة بمشورة السيدة الفاضلة زوجة الأمير محمد بن سعود حين وفد الشيخ محمد بن عبدالوهاب على الدرعية فقالت قولتها السديدة: (هذا الرجل ساقه الله إليك وهو غنيمة، فاغتنم ماخصك الله به) وكذلك هن نساء العرب والمسلمين ذوات رأي سديد وعقل رشيد، فقبل قولها وتعاون مع الشيخ وأخبره أنه يمنعه مما يمنع منه نساءه وأولاده، واستقبله بغاية الإكرام والتبجيل بقوله: (أبشر ببلاد خير من بلادك وأبشر بالعزة والمنعة) وهكذا حال الرجال الأقوياء أهل الصلاح والخلق القويم يناصرون من يشابههم لنصرة الدين، فرد عليه الشيخ بقوله: (أنا أبشرك بالعزة والتمكين، وهذه كلمة لا إله إلا الله، من تمسك بها وعمل بها ونصرها ملك البلاد والعباد، وهي كلمة التوحيد وأول مادعا إليه الرسل -صلوات الله عليهم وسلامه- من أولهم إلى آخرهم، وأنت ترى نجداً وأقطارها أطبق عليها الشرك والجهل والفرقة وقتال بعضهم بعضا، فأرجو أن تكون ممن يجتمع عليه المسلمون وذريتك من بعدك) وهكذا كانت كلمة صدق، صدقا الله فيها فصدقهما، وقيض الله لجزيرة العرب هؤلاء الرجال الأفذاد الذين خلصوا الجزيرة ودين الإسلام من البدع والضلالات والشركيات ودعوا للرجوع إلى أصول الدين، وكان الاهتمام الأكبر بأخلاق المسلمين وتصحيح عقيدتهم وتنقيتها من الشوائب التي علقت بها، وشرعوا في تقويتها وترسيخها حتى سادت الدعوة جزيرة العرب، وقلت المشاكل في مجتمعها، فانعدمت السرقات وحروب الاعتداءات والثارات وشرب الخمور، وساد الأمن والأمان، فأصبحت الطرق أكثر أمنا وأمانا بعد أن كانت مصدر المتاعب للناس في حركتهم وطريقهم للحج، فأمن الناس على أنفسهم وأحوالهم وأعراضهم من قطاع الطرق ونهب القوافل خصوصا قوافل الحجيج .
وقد مكن الله -عز وجل- لهذه الأسرة الكريمة منذ آبائها الأولين حين رفعوا راية التوحيد في الآفاق وحتى مؤسس المملكة العربية السعودية في العصر الحديث الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود -عليه رحمة الله تعالى- الذي وحد البلاد كلها من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها بما آتاه الله من الملك والقدرة والعزم والحكمة وفصل الخطاب، فسقاها أبناؤه مع القرآن الكريم وسنة النبي الكريم ومعرفة تاريخ أمتهم العظيم التي سادت الدنيا بعظمتها وستعود إليه ما دامت تلتزم بوصية نبيها الكريم "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي" وهذا ما قامت عليه بلاد الحرمين الشريفين. فكان قادتها بعد والدهم وحتى الآن بحق رجالا حملوا أمانة الحكم والدعوة بكل جد وعزم وصدق وعمل، فكانت المملكة العربية السعودية التي نص النظام السياسي للحكم في المادة الأولى منه على: أن المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة، دينها الإسلام ودستورها كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم – ولغتها هي اللغة العربية وعاصمتها مدينة الرياض. ونصت المادة الثانية على أن (عيدا الدولة هما عيد الفطر والأضحى وتقويمها هو التقويم الهجري). أما المادة الثالثة فنصت على أن: (يكون علم الدولة كما يلي: لونه أخضر، وعرضه يساوي ثلثي طوله تتوسطه كلمة – لا إله إلا الله محمد رسول الله – تحتها سيف مسلول ولا ينكس العلم أبدا).
فببركة شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله لم ينكس علمها أبدا، وببركته أصبحت المملكة العربية السعودية تاجا على رؤوس الأوطان، وبفضل الله -تعالى- عليها وحكمة وحنكة قادتها وجهود المخلصين من أبنائها أصبحت في مصاف الدول المتقدمة التي يحسب لها ألف حساب عند التعامل معها على المستوى الإقليمي والعربي والإسلامي والعالمي. ولاعجب فهي قلب الأمتين وصمام أمان العالمين وسيدة العالم بلا منازع .
إن المملكة العربية السعودية مصدر عز وافتخار للمسلمين جميعا باعتمادها الشريعة الإسلامية دستورا لها في حكمها، إنها الدولة الوحيدة في العالم التي بقيت محتفظة باعتماد التاريخ الهجري في مجريات أمورها، إنها تحظى بمكانة عالية بين دول العالم قاطبة، نظرا لموقعها الاستراتيجي ومكانتها التاريخية والدينية والحضارية فهي تضم على أرضها الحرمين الشريفين (المكي والمدني) قبلة ومهوى فؤاد المسلمين من كافة بقاع الأرض وتحظى بعلاقات ودية طيبة مع كافة الدول عربيا وعالميا. وهي صمام الأمان للعالم، فبإشارة منها بدعوتها للجهاد سوف تهب الأقطار الإسلامية برمتها معها فهناك أكثر من مليار ونصف المليار من المسلمين ينتظرون منها هذه الإشارة فقط لتلبية "حي على الجهاد"، وحينها سوف يعلم العالم الصليبي الحاقد ومن سانده أي منقلب ينقلبون .
إن مداد القلم لا يكفي لتسجيل مآثر المملكة العربية السعودية الكثيرة ومواقفها الكبيرة والعديدة والعظيمة في العالم أجمع، ولكننا سنقف عند الأمر باهتمامها الكبير والعظيم بالحرمين الشريفين وضيوف الرحمن على مدى الأعوام والسنوات العديدة والتوسعات العديدة وتسخير كافة الموارد البشرية والاقتصادية والصحية والسياسية والخيرية للوافدين على أراضيها من ضيوف الرحمن، وخاصة عند التوسعة الكبيرة للمسجد الحرام في مكة في المنطقة الشمالية للحرم، والتوسعة في المسجد النبوي من الجهة الشرقية، حيث يعد مشروع التوسعة في عهد الملك عبدالله -عليه رحمة الله- درة الأعمال الجليلة التي اضطلع بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمة الله عليه- في خدمة الإسلام والمسلمين وحظي بعنايته ورعايته وإشرافه الشخصي امتنانا لله -عز وجل- الذي شرف هذه الدولة بحمل أمانتها منذ مؤسسها ومن جاء بعده من أبنائه البررة الذين ساروا على النهج الذي رسمه والدهم، نهج المحافظة على عزة الإسلام وتطبيق مبادئه وشريعته وخدمة الحرمين الشريفين دون كلل أو ملل، وسخرت كافة الإمكانيات التي حباها الله -تعالى- لخدمة حجاج بيت الله الحرام وعماره والزائرين كافة فنعموا بفضل من الله بالأمن والأمان لم يمسسهم سوء، لم ينعموا به في أي عهد من العهود السابقة لقيام المملكة العربية السعودية .
لقد بادرت قيادتها بالإنفاق بسخاء والاهتمام بعمارته والوافدين إليه من كل حدب وصوب فاق كل تصور ووصف ابتغاء رضوان الله -عزوجل- وطمعا في مثوبته سبحانه متمثلين قول الله: (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا)، واقتداء بسنة السلف الصالح في الاهتمام بعمارة الحرمين الشريفين الذي بدأ في عصر الخلفاء الراشدين -رضوان الله عليهم- حتى عهد الملك عبدالعزيز وأبنائه من بعده -غفر الله لهم وطيب ثراهم- ووفق العاهل الجديد الملك سلمان بن عبدالعزيز – خادم الحرمين الشريفين – رجل المرحلة الحاسمة من تاريخ هذه الأمة العظيمة، الذي حمل الراية من بعدهم نحو الخير في حزم الأمر والعزم على العزة والنصر، وما ذلك على الله بعزيز، خاصة بعد أن كشفت الأمم الضالة عن أنيابها، وأبدت سوء نياتها نحو العرب والمسلمين، وسقطت ورقة التوت التي كانت تستر شيئا من عوراتها، وقلبت ظهر المجن على من ادعت أنهم حلفاؤها، وسنت ألسنتها للنيل من مكانة المملكة، وكيل الاتهامات لها، ولا شك أنهم يقصدون العرب كافة والمسلمين قاطبة، فقد قالوها صراحة : "إنها حرب صليبية"، وصدق كبيرهم الذي شن الحروب علينا، وقتل الحرث والنسل، وقتل العباد ودمر البلاد، وعاث في الأرض ظلما وعدوانا، وصدق الله العزيز العليم في وصفهم: "كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون*اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون*لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون" الآيات 8-10التوبة، وكان موقف الملك سلمان بن عبدالعزيز -رعاه الله وحفظه- ونوابه بحزم وقوة ضد هذا الصلف العدواني معتمدين على الله عز وجل متمثلين قوله سبحانه "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل(173)، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم (174) إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين (175) ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم (176)" آل عمران، وكان رد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على الاتهامات في اللقاء الصحفي بمثابة الصفعة لهم حين فند الاتهامات الموجهة للملكة العربية السعودية بأنها لا تستند إلى دليل بقوله: (نحن نحترم قانونكم وعليكم احترام قوانيننا، وأنتم تنتقدوننا لأننا لا نقوم بدور قيادي وأن الغرب لا يمكن أن يكون شرطي الخليج، ولا يمكن أن يحميه الغرب، وغيرها من الاتهامات في الإعلام البريطاني، حددوا موقفكم بالضبط، تريدوننا أن نتولى القيادة أو أن ندعم فقط، وإذا دعمنا من سيتولى القيادة)، ولكن هيهات هيهات، فقد بدأ عهد الحزم والعزم مع معطيات قضايا الأمة المصيرية، وإن غدا لناظره قريب، وقد كشف الله -سبحانه- لنا نياتهم فقال فيهم "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى* ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير" (120) البقرة، ولا يكتفون بذلك بل ينتقدون المملكة العربية السعودية في لقاءاتهم ومنتدياتهم العالمية للتقليل من شأنها حسدا وحقدا، سبحان الله "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله" الآية (54) النساء .
وعندما يأتي أحد الحاقدين والمتشدقين فينتقد المملكة العربية السعودية وينفث بذور الفتنة بينها وبين جيرانها ويقلل من مكانتها العالمية وسط دول العالم أجمع. فإنما يلعب بنار الفتنة التي سوف تحرقه قبل غيره، وقد فعل خيرا وزير الخارجية القطري د. خالد بن محمد العطية، حين لقنهم درسا وألقمهم حجرا في معنى الأخوة بين دول الخليج وشقيقتهم الكبرى المملكة العربية السعودية، وأوضح أن العالم أجمع بحاجة إليها برده الحازم الجازم، حين قال ( أنا لا أوافق تماما، فالمملكة العربية السعودية دعامة العالم الإسلامي وتتمتع بقوة أخلاقية داخل مجلس التعاون الخليجي مع شقيقاتها، والمملكة العربية السعودية ترعى الحرمين الشريفين، ولولا الخطاب المعتدل الذي يصدر عن السعودية اليوم، فهناك مليار ونصف المليار مسلم حول العالم، علينا أن نثني على السعودية في مسألة إبقاء القطار على مساره الصحيح فيما يتعلق بالحفاظ على الاعتدال في الإسلام، مهما سمعنا هنا وهناك عن مشاعر مضادة، إذا أردتم أن تروا الأمور بوضوح حاولوا أن تنظروا إليها عن كثب، وأن تروا المنافع التي تنتج عن رعاية هذين الحرمين لكل المسلمين في العالم والحفاظ على الاعتدال .
هناك مسلمون في إندونيسيا مرورا بأوروبا وصولا إلى المغرب، إن السعودية تلعب دورا كبيرا جدا في استمرار هذا الاعتدال) انتهى. نعم لقد انتهى عهد الحلم وبدأ عهد الحزم والعزم .
إننا شعوب الخليج والجزيرة العربية رجالا ونساء شيبانا وشبانا كبارا وصغارا ندين لربنا بشهادة لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله عليها نحيا وعليها نموت وعليها نبعث إن شاء الله، و نحب سلاطيننا وملوكنا وأمراءنا وشيوخنا، فهم منا ونحن منهم، وهم كالشامة البيضاء بين زعماء وقادة العالم أجمع، وهم تيجان على رؤوس الآخرين، ولهم منا الولاء والطاعة والنصرة ما داموا سائرين على منهج الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وتطبيق شريعته، ولن نرضى بغيرهم بديلا. وفقهم الله وسدد خطاهم إلى ما يحبه من رفعة الإسلام وعزة العرب والمسلمين ونصر من الله وفتح قريب "قل يأيها الكافرون* لا أعبد ما تعبدون* ولا أنتم عابدون ما أعبد*ولا أنا عابد ما عبدتم*ولا أنتم عابدون ما أعبد*لكم دينكم ولي دين" وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
موازنة الدولة 2026 نهج متوازن يعزز جودة التنمية
تعكس موازنة الدولة للعام المالي 2026 جملة من المؤشرات الإيجابية التي تؤكد حرص الدولة على ترسيخ الاستقرار المالي،... اقرأ المزيد
69
| 13 ديسمبر 2025
من الرياض.. أطيب التهاني للدوحة بيومها الوطني
من فضل الله تعيش دول مجلس التعاون الخليجي اليوم مرحلة غير مسبوقة من التقارب والتنسيق، تعمّقها رؤى قادتها... اقرأ المزيد
126
| 13 ديسمبر 2025
العدالة المعلقة بين النية المبطنة والإبادة المعلنة 1-2
على شريط ساحلي قبالة بحر أبيض، وبتوقيت يكاد يتفق واللحظة، تُعاد كتابة التاريخ بدمٍ لا يزال يجري طوفانه!... اقرأ المزيد
105
| 13 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2373
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2262
| 10 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل كراية مرفوعة تتقدم بثبات لا يعرف الانحناء. خطا اللاعبون إلى العشب بخطوات واثقة، كأنهم يحملون على صدورهم تاريخًا يرفض أن يُمحى، وكأن كل نظرة منهم تعلن أن حضورهم موقف لا مجرد مشاركة. لعبوا بروح عالية، روح تدرك أنها تمثل وطنًا يقف رغم العواصف، وطنًا يُعلن في كل لمسة كرة أنه باق، صامد، وشامخ مهما ضاقت به الأيام. المنتخب الفلسطيني قدم أداءً أذهل النقاد وأوقف الجماهير احترامًا. لم يكن الفوز ولا التعادل وليدي صدفة، بل ثمرة بناء ذهني وشراكة وجدانية بين لاعب يعرف لماذا يلعب، ومدرب يحول الحلم إلى خطة، والخطة إلى واقع. منذ اللحظة الأولى ظهر الفريق كجسد واحد، تتشابك أرواح لاعبيه بخيط خفي. لم تلعب فلسطين بأقدام كثيرة، بل بقلب واحد. كانت احتفالاتهم بالأهداف تُشبه عودة غائب طال اشتياقه، وتحركاتهم الجماعية تؤكد أن القوة الحقيقية تولد من روح موحدة قبل أن تولد من مهارة فردية. ولم يعرف اللاعبون طريقًا إلى التراجع؛ ضغط مستمر، والتزام دفاعي صلب، واندفاع هجومي يُشبه الاندفاع نحو الحياة. في مباراتهم الأولى أمام قطر لعب "الفدائي" بثقة المنتصر، فانتزع فوزًا مستحقًا يليق بروح تقاتل من أجل الشعار قبل النقاط. وفي مواجهة تونس، ورغم صعوبة الخصم، حافظ اللاعبون على حضورهم الذهني؛ لم يهتزوا أمام ضغط الجمهور ولا لحظات الحماس، بل لعبوا بميزان دقيق يعرف متى يتقدم ومتى يتراجع. فجاء التعادل إعلانًا أن فلسطين جاءت لتنافس، لا لتكمّل المشاركة. وراء هذا الأداء كان يقف مدرب يعرف لاعبيه كما يعرف صفحات كتابه المفضل. وظف قدراتهم بذكاء، وزع الأدوار بانسجام، وأخرج من كل لاعب أفضل ما لديه. وبدا الفريق كآلة متقنة، يعرف كل جزء فيها دوره، وتتحرك جميعها بتناغم ينبض بالحياة والتكيف. كلمة أخيرة: لقد كتب الفدائي اسمه في كأس العرب بمداد الفخر، ورفع رايته عاليًا ليذكرنا أن الرياضة ليست مجرد لعبة بل حكاية وطن.
1458
| 06 ديسمبر 2025