رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

خالد الحروب

خالد الحروب

مساحة إعلانية

مقالات

826

خالد الحروب

سيادة الرئيس عباس.. استقيل مع الامتنان!

07 سبتمبر 2015 , 02:25ص

من حق الرئيس محمود عباس أن يستقيل من رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومن رئاسة السلطة الفلسطينية، وشكره على ذلك، وقبول الاستقالة على ظاهرها، ونتخادع ولا نعتبرها مناورة سياسية، وأن نشجعه على المضي فيها وعدم سحبها. يعرف الرئيس عباس ومؤيدوه ومعارضوه أيضاً أن الوضع الفلسطيني دخل حالة من التكلس القاتل، وأن أحد أهم أسباب هذا التكلس هو تعفن الطبقة القيادية التي ظلت على رأس الهرم السياسي والنضالي الفلسطيني منذ أن انطلقت الثورة الفلسطينية بشكلها الحديث في أواسط الستينيات من القرن الماضي.

يعرف الجميع أيضاً أن متوسط أعمار هذه الطبقة يتجاوز الثمانين عاماً، وأن جلهم ممن كانوا في العشرينيات من العمر ورافقوا بدايات النضال الفلسطيني، آن لهم أن يترجلوا ويتركوا لغيرهم قيادة المشهد. لا يخترع أحد العجلة من جديد عندما يقول إن استمرار القيادات لعشرات السنين في مواقعها لا يعني سوى التعفن، فهذه ملاحظة انتقلت من مربع التنبؤ الاجتماعي والسياسي وصارت قاعدة تنتمي إلى قوانين الفيزياء والرياضيات. حتى القادة التاريخيين العظام الذين غيروا مسارات ومستقبلات بلدانهم تنحوا جانباً، وتركوا للدماء الجديدة أن تجري في عروق بلدانهم ومجتمعاتهم وناسهم.

في الطبقة القيادية السياسية الفلسطينية الثمانينية العمر والتي تعاني من كل أنواع الأمراض السياسية والجسدية أيضا، ليس هناك وينستون تشرتشل هزم النازية وأنقذ بلاده من كارثة الوقوع تحت احتلالها، وليس هناك شارل ديغول أيضا، ولا نيلسون مانديلا بعظمته التاريخية والنضالية والإنسانية. هؤلاء جميعا قاموا بنصيبهم في القيادة ثم ودعوا كراسيها الأثيرة برفعة ورجولة. على الرئيس عباس أن يقتدي بهؤلاء ويسلم الأمانة مشكوراً.

من ناحية سياسية بحتة وبتحليل بارد تحولت السلطة الفلسطينية ومشروع أوسلو برئاستها الحالية إلى منحة سماوية لإسرائيل، لأنها تحقق ديمومة الوضع القائم بشكل مذهل، وهو وضع تعتاش عليه إسرائيل الآن بحبور وارتياح، ويمكن أن تعتاش عليه إلى ما لا نهاية. الوضع القائم يعني أن إسرائيل لا علاقة لها بأكلاف الاحتلال الكولونيالي الذي تفرضه على فلسطين والفلسطينيين وبكونها القوة الاحتلالية من وجهة نظر القانون الدولي، بل تحيل تلك الأكلاف إلى الشعب الواقع تحت الاحتلال ليقوم بالوظائف الحياتية، ولتتصارع فئاته على من يقوم بتلك الوظائف. في الوقت نفسه تبقى القضايا الكبرى مثل السيادة، والقدس، والحدود، واللاجئين، معلقة في سقف المستقبل والأوهام المزروعة في الهواء. هذه القضايا كان من المُفترض أن تكون قد حسمت سنة 1999 مع انتهاء المرحلة الانتقالية من اتفاق أوسلو، وأن تكون قد قامت بعدها الدولة الفلسطينية. عوضا عن ذلك لنتأمل ما حدث ومن منظور تحليلي واسع، يقارن الحالة الفلسطينية بحالات التحرر والاستقلال الوطني التي أعقبت مرحلة التخلص من الاستعمار في آسيا وإفريقيا وغيرها.

أولاً، في كل عملية تفاوض بين حركة تحرر وقوة استعمارية كان الهدف واضحا وكان الإطار الزمني واضح، بحيث لا تبقى عملية التفاوض قائمة إلى الأبد، ولا يتغير الهدف. فلسطينيا، وأوسلوياً، لم يكن هناك هدف واحد واضح هو التحرر الوطني وعودة أمور ما قبل الاحتلال إلى نصابها، بل تم تفكيك ذلك إلى مجموعة من الأهداف، القضايا الأساسية التي تم ذكرها، والتي تليها الدولة المفترضة. أتاح هذا للعدو أن يفاوض على كل هدف من الأهداف، ويتلاعب بها، ويعد بتقديم تنازل هنا، مقابل تخل عن هدف هناك. وهذا ورط الحالة الفلسطينية في مسألة التفاوض اللانهائي التي شهدناها.

ثانياً، لم يكن هناك أي سقف زمني للتفاوض، بل ثبت أن لا سقف هناك أساساً، واكتشف الفلسطينيون أن القيادة الفلسطينية تفاوض تحت شعار "الحياة مفاوضات". وفي حالة كهذه يسعد الخصم طبعا ولا يكون هناك أي ضغط حقيقي. مقابل ذلك أجهضت كل مشروعات مقاومة الاحتلال أو تحولت طاقتها إلى قتال داخلي.

ثالثاً، تمكنت إسرائيل خلال سنوات أوسلو العقيمة من ربط الاقتصاد الفلسطيني والطبقة المنتجة فلسطينيا فضلا عن الجزء الأكبر من القيادة السياسية نفسها بمنظومة السيطرة والامتيازات الإسرائيلية، وبالتالي تم شل هذه الأجزاء الفاعلة من المجتمع الفلسطيني وصارت مرتبطة حكماً وعضوياً بالمحتل نفسه.

رابعاً، بسبب تعدد الأهداف ثم غموضها ثم وقوعها في لعبة التنازلات والتخلي والمبادلات، انشق الصف الوطني الفلسطيني رأسياً، وقدم الغباء الفصائلي التنافسي على فتات السلطة الوظيفية، وتحديداً الحمساوي ـ الفتحاوي، هدية سماوية أخرى لإسرائيل تمثلت في فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وخلق انقسام ظلت شقته تتسع مع السنوات، وتخدم إسرائيل يومياً.

خامساً، انخرطت السلطة الفلسطينية التي كان من المفترض أن تكون مؤقتة ولمدة خمس سنوات فقط في الشرك الإسرائيلي الذي كان يغريها بسراب الأهداف الجزئية التي يمكن أن تحققها، أن أثبتت حسن سلوكها. وبهذا انفصل مسارها عن مسار كل حركات التحرر السابقة التي لم تقبل أن تُمنح شهادة حسن سلوك من مستعمرها تؤهلها لأن تكون قيادة لبلدها وشعبها. الشرك الإسرائيلي في نظام أوسلو تمثل في وضع تفاحة معلقة بالهواء ودرجات سُلم على السلطة أن تصعده كي تصل إليها. كلما صعدت السلطة درجة، أحرقت إسرائيل تلك الدرجة فما عاد بإمكان السلطة العودة إلى الوراء والهبوط على الأرض. بقيت السلطة تصعد في الهواء الفارغ بحثا عن السراب، ودرجات السلم تُحرق من تحتها. كانت إسرائيل تريد أن تصل بالسلطة إلى ما وصلت إليه الآن، جزء لا يمكن خلعه من حقيقة الوضع القائم، حتى لو قرر القائمون عليها التخلي عنها. لهذا، أصبحت الدعوة إلى حل السلطة الفلسطينية والتخلي عنها تُقابل إما بالاستهجان، أو بالتحليل "الموضوعي" الذي يقول باستحالة ذلك بسبب اعتماد ثلث الفلسطينيين عليها أو ما إلى ذلك من تبريرات.

خامساً، وكصورة تقريبية فعالة أكثر لها علاقة بتشتت الأهداف، فإن نظام أوسلو قاد السلطة في نهاية المطاف إلى وضع يشبه وضع فريقي كرة قدم يلعبان من ناحية افتراضية ضد بعضهما البعض، السلطة وإسرائيل. إسرائيل تسجل أهدافا يومياً في مرمى السلطة، والسلطة العتيدة تجري وراء الكرة في طول وعرض الملعب من دون تسجيل أهداف، والسبب ببساطة أن إسرائيل لم تسمح أساساً ببناء مرمى في ملعبها! هكذا هو وضع السلطة ورئاستها وعلى رأسها الرئيس عباس في المعركة مع إسرائيل، ركض باتجاه ملعب العدو الذي ليس فيه مرمى للتسجيل أصلا!.

سادساً، خلال تلك المسيرة المريرة، عبر أكثر من ثلاثة وعشرين عاماً، وعلى خلاف مع كل نواتج حركات التحرر والاستقلال في العالم الحديث، أنتج الوضع الفلسطيني حالة فريدة تتمثل في "الفساد قبل الدولة". في معظم حالات التحرر قامت الدولة ثم جاء الفساد، وبعده انخرطت القوى المحلية في إعادة بناء الدولة المستقلة على أسس ديمقراطية ومشاركة سياسية تقضي على الفساد الذي دب بعد الاستقلال. في الحالة الفلسطينية جاءنا الفساد قبل أن تقوم الدولة، وهذا جانب آخر من جوانب عبقرية أوسلو، التي شلت الشعب واستنزفت طاقاته في كل الاتجاهات التي ليس فيها أهداف حقيقية.

بسبب النقاط تلك، وهي جزء من قائمة أطول، يكثف جون كيري وزير الخارجية الأمريكية ضغوطه على الرئيس عباس كي لا يستقيل، ويصرح نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه مستعد للقاء عباس. كل ذلك كي يرجوه في البقاء صاعدا على السلم في الفراغ، والركض في ملعب كرة القدم الذي لا مرمى فيه. سيادة الرئيس "خيب آمالهم واستقيل!".

اقرأ المزيد

alsharq فلسطين.. السيـرة التي لن تموت

أكاد أجزم بأن ما بات حديث المجالس الخليجية والعربية اليوم بعد تفجر أحداث غزة المؤلمة والهجوم الإسرائيلي الآثم... اقرأ المزيد

30

| 29 سبتمبر 2025

alsharq المراهقون والهويّة الرقميّة

في العصر الرقميّ الحاليّ، لم تعد هوية الأطفال والمراهقين تتشكل فقط من خلال الأسرة والمدرسة والبيئة المحيط بهم،... اقرأ المزيد

30

| 29 سبتمبر 2025

alsharq في وداع لطيفة

هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من... اقرأ المزيد

48

| 29 سبتمبر 2025

مساحة إعلانية