رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. أحمد المحمدي

مساحة إعلانية

مقالات

249

د. أحمد المحمدي

قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ

07 مارس 2025 , 01:30ص

لله ما ألطف هذا البيان وما أرقَّه! إنّه ليشهد بمكانة الرسول الكريم ﷺ عند ربه، ويكشف عن نفحة من أنوار العناية الإلهية التي تغمره في كل حال. هذه آيةٌ تُسرِّي عنه، وتواسي قلبه، وتقول له بلسان الوحي: نعلمُ ما قالوا فيك، ولكنهم ما قالوا إلا من أجلنا، ولأجل حديثنا فيك.

لقد كنت فيهم ذا جاه عظيم، وكانوا يسمّونك "محمدًا الأمين"، فلما أنزلنا عليك هذا الأمر تغيرت قلوبهم عليك، فما أصابك من مكروه إنما هو في سبيلنا، ولن يضيع عندنا أجرك. وحالك فينا كما قال الشاعر:

أشاعوا لنا في الحيِّ أشنع قصةٍ... وكانوا لنا سِلْما فصاروا لنا حَربا

فاصبر؛ فإن من سار على هذا الدرب، وثبت على ما أصابه، فلن يخسر أبدًا تجارته معنا، ولن تخفى علينا حاله، بل سنجزيه جزاء الأوفياء.

وهذه الحادثة التي جرت في قريش، والتي بلغت أسماع النبي ﷺ، تبرز لنا حقيقة موقف القوم من نبوّته، ذلك الموقف الذي لم يكن عن شك أو ريبة، بل عن عناد واستكبار! وكان بطلا هذه القصة: الأخنس بن شريق، وأبو جهل بن هشام. فهيا بنا نقترب بأرواحنا وننصت إلى حوارهما:

قال الأخنس: يا أبا الحكم، أخبرني عن محمد، أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس هنا من يسمع كلامك غيري.

فأجاب أبو جهل، وقد غلبه الصدق رغم أنفه: والله إن محمدًا لصادق! وما كذب قط! ولكن، إذا ذهب بنو قصيّ باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟

وقيل إن الحارث بن عامر، وهو من سادات قريش، قال: "والله يا محمد، ما كذبتنا قط فنكذبك اليوم، ولكن إنْ نتَّبعك نُتَخَطَّف من أرضنا!".

وكان هذا شأنهم جميعًا: يعلمون صدقه، ولكن تحجزهم المطامع، ويمنعهم الجحود والعناد.

يروي أبوميسرة أن رسول الله ﷺ مرّ بأبي جهل وأصحابه، فقالوا: "يا محمد، إنا والله ما نكذبك، وإنك عندنا لصادق، ولكن نكذب ما جئت به".

فهل بعد هذا البيان من بيان؟ قريش كلها تعلم أنه النبي، ولكنها تتعامى عن الحق، كما قال تعالى: "وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ".

فإذا كان هذا شأن القوم الذين كذبوه، فما حال الذين صدقوه وآمنوا به؟

ألا فلينظر كل مسلم في أمر نفسه! كم منّا من يؤمن بالحكم ولا يطبقه؟ وكم منّا من يدرك الحكمة ولا يهتدي بها؟ الإسلام لا يحتاج إلى أقوال باردة، بل إلى تصديق بالأفعال.

فيا ليت شعري، متى نتحرك بالإسلام؟ متى ننقل محراب المسجد إلى محراب الكون؟ متى تكون حياتنا وأعمالنا ومعاملاتنا كلها بالإسلام وللإسلام؟ إن الإسلام نور لمن حمله، ورحمة لمن صدقه، وسعادة لمن جعل منه منهاج حياته. فهلموا، يا أبناء الإسلام، لنكون له كما أراد، فيكون لنا كما نريد.

مساحة إعلانية