رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

خالد الحروب

خالد الحروب

مساحة إعلانية

مقالات

493

خالد الحروب

الحداثة وعبقرية النقد الذاتي (2)

06 نوفمبر 2013 , 12:00ص

وقعت المجتمعات الحديثة في أسر أنماط الحياة والسلوك والاقتصاد والسياسة والتنظيم الصارم الذي جاءت به الحداثة، وجاءت به أصلا للتمرد على فوضى وخوف ولاعقلانية المجتمعات ما قبل الحديثة. وهكذا فقد حررت المجتمعات من قيود الخرافات حيث كان الأفراد يخضعون لإملاءات غيبية ميتافيزيقية غير مباشرة وسلطوية مباشرة، لكنها أخضعتهم لقيود الحياة الحديثة وبرنامجها المنضبط الذي يحدد حياة الأفراد ويرسم لهم التوقعات والمسارات التي من المفترض أن يسيرون فيها. وعلى هذا الضبط الصارم والتنميط الجماعي للأفراد ثارت مدرسة نقد الحداثة، واشتغلت أولا على خلق هوامش للحرية والانعتاق والتمرد على جوانب الحداثة وتمثلاتها المختلفة في الحياة، ثم لاحقا وهو الأهم على نقل تلك الهوامش لتصبح في «المجال العام» للحداثة ذاتها، وتمييع ما هو تنميطي فيها أو إضعافه. وتجلت انعكاسات تلك الإزاحة بالغة الأهمية في ازدياد التمرد ما بعد الحداثي على التنميط الحداثي نفسه، في مجالات الفن والأدب والإعلام والعمارة، ثم توسعت لتشمل مقاربات عديدة في العلوم الاجتماعية وصولا إلى السياسة والاقتصاد في «سياسة ما بعد الحداثة».

وهكذا خلقت الحداثة ذاتها وعبر آلية النقد التي استبطنتها جوهريا «ما بعدها» الخاص بها... «ما بعد الحداثة». لكن هذه «الما بعدية» لم تنقض العملية الأم، الحداثة، لكنها قامت بدور بالغ الأهمية وشبه فريد في تاريخ الأفكار وهو طرح الأسئلة الصعبة والمتفجرة وإلقاؤها في حضن الحداثة التي تنشغل في إيجاد الرد عليها عن طريق تصويب مساراتها المتعرجة والمتعددة دائما. لكن ما الجديد في هذه السيرورة، أي أن تنتج فكرة ما وليدها الناقد الذي يصحح بعض جوانبها؟ فهذه السيرورة موجودة في كل الأفكار وحتى في الأديان، حيث شهدت كبرياتها حركات قامت على النقد والإصلاح الديني. الفرق الكبير في حالة الحداثة وما بعد الحداثة هو أن النقد لم يكن مقيدا بحدود الفكرة الأم ولم يحترمها ولم يقدسها، ما بعد الحداثة لم تحاول نقد الحداثة وحسب بل ونقضها. من هنا فإن التميز وربما الانفراد التاريخي الذي جاءت به الحداثة ووليدتها يكمن في هذه النقطة بالضبط، وهي انعتاق النقد وآليته من دون حدود، وإلى درجة النقض الكلاني للفكرة المؤسسة. وبسبب لا محدودية هذا النقد وشراسته في كثير من الأحيان فإن الفكرة الأم صارت دائمة الاستنفار للانخراط في عملية تصويب مستديمة لذاتها وتجسيداتها في الواقع. وبكلمة أخرى، أنتجت الحداثة آلية داخلية شبه نادرة وتميزها عن أي فكرة أخرى تتمثل في التصويب الذاتي المستديم والذي يسير يدا بيد مع الفكرة وتطبيقاتها، ولا يقف على الهامش أو يستخدم ظرفيا أو تظاهريا. النقد الذاتي الحداثي وما بعد الحداثي للحداثة صار جوهرها ومحركها الأساسي، ولهذا ظلت تتجدد وظلت محافظة على بريقها. ويأتي بريقها الأهم من عدم ادعائها بأنها تمثل الحل الخلاصي لأي مجتمع من المجتمعات، وبكونها قطعت من زمن طويل مع بداياتها الأيديولوجية، والنظريات الخطية التي سيطرت على عقول كثيرين في الحقبة الكولونيالية، حيث أرادوا جلب العالم المتخلف إلى أنوار الحداثة التي هي وحدها هي الحل وهي وحدها التي سوف تخلصهم من تخلفهم حتى رغما عنهم.

تنجح أي فكرة أو سيرورة أو سياسة وتستديم بالقدر الذي تتبنى فيه النقد الذاتي، لأن هذا النقد هو الآلية الوحيدة التي تضمن التصويب المستمر للأخطاء وتعيد مقاربة الأشياء بالشكل الأكثر قربا لما هو مفترض ومتوقع من فاعلية للوصول إلى ما هو مرغوب من أهداف.

اقرأ المزيد

alsharq في غزة.. الهدوء ليس استراحة

في غزة، ليس ثمة خيارات متاحة بالمعنى المألوف للكلمة، ولا مسارات آمنة يمكن أن يسلكها المرء ليتفادى كلفة... اقرأ المزيد

150

| 06 أكتوبر 2025

alsharq أكتوبر 73 بين الانتصارات وتخطي الإحباطات

يأتي الاحتفال بانتصارات حرب أكتوبر 1973 والعالم العربي يعيش حالة من الإحباطات منذ طوفان الأقصى في السابع من... اقرأ المزيد

159

| 06 أكتوبر 2025

alsharq الطوفان الرقمي.. من يغرق ومن يعوم في بحر البيانات الضخمة؟

لم تعد ثورة البيانات الضخمة Big Data مجرد انعكاس للتحول الرقمي الذي شهده العالم في العقود الأخيرة، بل... اقرأ المزيد

90

| 06 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية