رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
انتهاء الحرب الباردة في التسعينيات من القرن المنصرم بشكل غير متوقع على الإطلاق، أي دون قطرة دماء ولا تحرك لآلة عسكرية؛ قد أثار حيرة كبيرة لدى علماء العلاقات الدولية والعلوم السياسية بشأن تفسير ذلك. أعقاب انتهاء الحرب الباردة مباشرة تفجرت صراعات عرقية وقومية داخلية في أغلبها كثيرة، فاقمت بدورها من حيرة هؤلاء العلماء.
ظهرت بعد انتهاء الحرب الباردة منظورات فكرية أشهرها ما يسمى المنظور البنائي حاولت إيجاد تفسير لذلك. خرج المنظور البنائي على وجه الخصوص باستنتاج مؤداه أن ما يحرك التعاون والصراع في النظام الدولي هو البعد الأيديولوجي أو الفكري الذى يتم تأسيسه اجتماعياً. وليس البعد المادي ومضامين القوة والنفوذ والهيمنة كما رسخته ما يسمى المنظورات الوضعية في العلاقات الدولية وأشهرها على الإطلاق المنظور الواقعي. بل ان البعد المادي في حد ذاته ومضامينه الكثيرة يتم تحديده وبناؤه في سياقات البعد الأيديولوجي ومضامينه الكثيرة أيضا كالقومية والثقافة والانتماء والتاريخ والهوية.
استنادا إلى المنظور البنائي استقر لدينا بأن انهيار الاتحاد السوفيتي كان نتاجا مباشرا لضعف الانتماء للمنظومة الاشتراكية وتطلع شعوبه للتحرر منها والحلم بالنموذج الليبرالي الغربي والرفاهية الاقتصادية. إذن فالبعد الأيديولوجي قد أدى إلى انهيار الاتحاد من داخله دون حرب عسكرية كبرى بين واشنطن وموسكو. وعلى نفس المنوال أيضا، تفجر الحروب والصراعات القومية كحرب البلقان وحرب كوسوفو في بعد انهيار الاتحاد كان مردها الأساسي الأبعاد العرقية والهوية والدينية وليست حروبا على أراض ونفوذ وقوة في حد ذاتها. تأسيس حلف الناتو في حد ذاته يحمل بعدا هوياتيا صارخا إذ هو تحالف مجموعة الدول الغربية المسيحية - العلمانية بالأساس. الإرهاب الدولي أيضا لن نستطيع إسقاط البعد الأيديولوجي بشأن تكوينه وتوسعه، إذ محركه الأساسي منظومة الأفكار الراديكالية المشتركة التي تجمع أعضاءها عبر قارات العالم المختلفة.
انفردت الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بزعامة النظام الدولي كقوة واحدة عظمى في النظام الدولي. ورغم الضعف الشديد الذي كانت عليه كل من روسيا والصين حينئذ. ومع ذلك، ظلت الولايات المتحدة متخوفة بشأن نوايا كليهما وتحديدا محاولة إعادة دورهما في النظام الدولي كدول كبرى مناهضة للهيمنة الأمريكية.
سعت الولايات المتحدة بشتى الطرق لاحتواء كلتا الدولتين. فبصدد روسيا عملت واشنطن على المزيد من إضعافها عبر توسيع حلف الناتو على أطرافها وضم أعضاء من محيطها الإقليمي إلى الاتحاد الأوروبي. كما حاولت أيضا إقناع روسيا بالانضمام إلى حلف الناتو أو تحويلها كأي دولة أوروبية تابعة للمنظومة الغربية. تعنت روسيا "المسيحية" على مدار عقد تقريبا في الانزواء والذوبان في المنظومة الغربية "المسيحية/ العلمانية" حتى مجيء بوتين القوى في الألفية الجديدة، لا تفسير له إلا من خلال سطوة البعد القومي على عقول النخب الروسية وقطاع عريض جدا من الروس. إذ لا تزال تلك النخب والشعوب ترى في روسيا دولة عظمى وتستحق مكانة ريادية في أوروبا بل الهيمنة على أوروبا، ومكانة رائدة في النظام الدولي تضاهى به مكانة واشنطن.
أما بصدد الصين، فقد تخيلت واشنطن أنها قادرة على تحويل الصين إلى يابان أو سنغافورة أخرى في آسيا عندما تخلت الصين عن سياسة العزلة والانغلاق لماو تسى تونج وتبنت الانفتاح الاقتصادي الليبرالي، أي دول تابعة للمنظومة الغربية الليبرالية. لذلك، دعمت الصين اقتصاديا وضمتها إلى منظمة التجارة العالمية وحولت معظم صناعاتها واستثماراتها هناك. ما كان من محصلة إلا تقوية الصين اقتصاديا إلى حدودها القصوى وتحولها رويدا رويدا إلى قوى مهيمنة في آسيا تتطلع إلى زعامة النظام الدولي وتنافس بشراسة واشنطن بل وتتحدى قيمها ومؤسساتها الاقتصادية ودورها العسكري في آسيا. وعلى غرار روسيا، ما من تفسير من ذلك إلا البعد القومي ومضامينه الكثيرة كالبعد التاريخي والثقافي المهيمن على النخب الصينية الحاكمة ومعظم الصينيين. على اعتبار أن الصين حضارة تاريخية حكمت آسيا في لحظة تاريخية، ولديها قيمها وثقافها وهويتها التاريخية المتميزة وتستحق الريادة على آسيا بل والعالم كله.
وصول زعماء قوميين أقوياء كبوتين في روسيا وشى جين بينج في الصين قد أعاد تأجيج الأبعاد القومية بشكل كبير لدى شعوبهما. فكلاهما لديهما تطلعات بعودة ودور قوى إقليمي ودولي. وكلاهما أيضا يحظى بشعبية واسعة حقيقية وساحقة، على عكس ما يصور الإعلام الغربي على وجه التحديد.
في هذه اللحظة الراهنة، يقف العالم على أعتاب صراعين ساخنين جدا: الأول - التصعيد بين روسيا وأوكرانيا. والتصعيد بين الصين والولايات المتحدة في الباسيفيك وإن كان يدور بشكل أكثر هدوءًا. وواقع الأمر فكلا التصعيدين هو صراع أمريكي- روسي- صيني بالأساس. فالتصعيد الروسي- الأوكراني كاشف جدا للبعد الأيديولوجي والقومي الحاكم لعقلية روسيا والغرب على السواء، فهو صراع على أدوار ومكانة وهيمنة بين قوة "روسيا" ترى في نفسها قوة كبرى مستقلة عن الغرب ويدعم اغلب الشعب الروسي ذلك. وبين قوة أخرى "الولايات المتحدة" ترى في قيمها ونموذجها الحضاري الأفضل الذى يجب أن يسود أوروبا. وبين شعب منقسم "الشعب الأوكراني" بين هويتين شرقية وغربية.
وعلى نفس المنوال أيضا، الصين التي تتطلع بفضل منظومة قيمها الخاصة إلى ريادة النظام الدولي وتقويض دور الولايات المتحدة في النظام الدولي.
ما يمكن الخلوص إليه، أن البعد القومي سيظل طاغيا وحاكما للصراع الأمريكي الروسي الصيني. كل يرى في نفسه الأجدر بالزعامة الدولية بفضل تميزه القومي، وما من صراع جزئي أو طرفي بينهما تجارى أو اقتصادي أو عسكري إلا وهناك بعد قومي يشكله ويحركه. ولمزيد من توضيح ذلك، لماذا ترتبط الولايات المتحدة بعلاقات وثيقة جدا مع إنجلترا الإمبراطورية السابقة، ولماذا لا تتحدى الأخيرة دور واشنطن في النظام الدولي، ببساطة شديدة جدا بسبب غياب البعد القومي الأيديولوجي عن المعادلة.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4503
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه، حركاته، وحتى ضحكاته المقتضبة لم تكن مجرد تفاصيل عابرة؛ بل كانت رسائل غير منطوقة تكشف عن قلق داخلي وتناقض صارخ بين ما يقوله وما يحاول إخفاءه. نظراته: قبل أن يبدأ حديثه، كانت عيونه تتجه نحو السلم، وكأنها تبحث عن شيء غير موجود. في لغة الجسد، النظرات المتكررة إلى الأرض أو الممرات تعكس قلقًا داخليًا وشعورًا بعدم الأمان. بدا وكأنه يراقب طريق الخروج أكثر مما يراقب الحضور، وكأن المنصة بالنسبة له فخّ، والسلم هو طوق النجاة. يداه: حين وقف أمام المنصة، شدّ يديه الاثنتين على جانبي البوديوم بشكل لافت إشارة إلى أن المتحدث يحتاج إلى شيء ملموس يستند إليه ليتجنب الارتباك، فالرجل الذي يقدّم نفسه دائمًا بصورة القوي الصلب، بدا كمن يتمسك بحاجز خشبي ليمنع ارتعاشة داخلية من الانكشاف. ضحكاته: استهل خطابه بإشارات إلى أحداث جانبية وبمحاولة لإضحاك الجمهور حيث بدا مفتعلًا ومشحونًا بالتوتر. كان الضحك أقرب إلى قناع يوضع على وجه مرتبك، قناع يحاول إخفاء ما لا يريد أن يظهر: الخوف من فقدان السيطرة، وربما الخوف من الأسئلة التي تطارده خارج القاعة أكثر مما يواجهه داخلها. عيناه ورأسه: خلال أجزاء من خطابه، حاول أن يُغلق عينيه لثوانٍ بينما يتحدث، ويميل رأسه قليلاً إلى الجانب ويعكس ذلك رغبة لا واعية في إبعاد ما يراه أو ما يقوله، وكأن المتحدث يحاول أن يتجنب مواجهة الحقيقة. أما مَيل الرأس، فكان إشارة إلى محاولة الاحتماء، أو البحث عن زاوية أكثر راحة نفسيًا وسط ارتباك داخلي. بدا وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر مما يخاطب العالم. مفرداته: استدعاؤه أمجاد الماضي، وتحدثه عن إخماد الحروب أعطى انطباعًا بأنه لا يتقن سوى لغة الحروب، سواء في إشعالها أو في إخمادها. رجل يحاول أن يتزين بإنجازات الحرب، في زمن يبحث فيه العالم عن من يصنع السلم. قناعه: لم يكن يتحدث بلسانه فقط؛ بل بجسده أيضًا حيث بدا وكأنه محاولة لإعادة ارتداء قناع «الرجل الواثق» لكن لغة جسده فضحته، كلها بدت وكأنها تقول: «الوضع ليس تحت السيطرة». القناع هنا لم يخفِ الحقيقة بل كشف هشاشته أكثر. مخاوفه: لعلها المخاوف من فقدان تأثيره الدولي، أو من محاكم الداخل التي تطارده، أو حتى من نظرات الحلفاء الذين اعتادوا سماع خطاباته النارية لكنهم اليوم يرون أمامهم رجلاً متردداً. لم نره أجبن من هذا الموقف، إذ بدا أنه في مواجهة نفسه أكثر من مواجهة الآخرين. في النهاية، ما قدّمه لم يكن خطابًا سياسيًا بقدر ما كان درسًا في لغة الجسد. الكلمات قد تخدع، لكن الجسد يفضح.
3369
| 29 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون أعمق، لكن الوجدان لا يتحمل كل هذه الأوجاع. في الوقت الذي نقف في قلب الحسرة ونحن نطالع ذلك الجرح النازف في غزة دون أن نستطيع إيقاف نزفه، يتملكنا الشعور أحيانًا بأنها المأساة الوحيدة في أمتنا وذلك من فرط هولها وشدتها، ويسقط منا سهوًا الالتفات إلى مصائبها الأخرى، تأتي أزمة السودان في صدارة هذه المآسي. أوجاع السودان كثيرة ومتعددة، كلها بحاجة لأن تكون حاضرة دائما في الوجدان العربي الإسلامي، لكن أولاها في الوقت الراهن مأساة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، التي تخضع منذ العاشر من يونيو/حزيران 2024 لحصار خانق فرضته قوات الدعم السريع للضغط على الجيش الوطني السوداني. سكان مدينة الفاشر يفتك بهم الجوع والقصف المدفعي اليومي الذي يحول دون دخول المساعدات الإنسانية، في ظل ضعف التعاطي العربي مع القضية وتجاهل دولي تام لهذه المأساة، على الرغم من أنها تقترب من الإدراج في صفحات الإبادة الجماعية. قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) التي تحاصر الفاشر، تسيطر على أربع ولايات من أصل خمس ولايات في إقليم دارفور، لذا تقصف بوحشية مدينة الفاشر عاصمة الولاية الخامسة (شمال دارفور)، التي تمثل أكثر من نصف مساحة الإقليم وتعادل حوالي 12 بالمائة من مساحة السودان، وذلك بهدف إتمام السيطرة على الإقليم بأسره. إضافة إلى الوضع الكارثي للمدنيين في الفاشر بسبب الحصار والقصف الهمجي، ينذر سقوط الفاشر ووقوعها بقبضة ميلشيات الدعم السريع، بكارثة عظمى للسودان بشكل عام. الفاشر ليست مدينة عادية في أهميتها، فهي مفتاح السيطرة على مساحات إستراتيجية واسعة تصل إلى حدود تشاد وليبيا، وهي كذلك تقع على الطرق المؤدية بين شرق وغرب السودان، بما يعني أن سيطرة قوات الدعم عليها سيحول دون قيام دولة مركزية، وفرض واقع عسكري يتحكم في جغرافيا المنطقة، إضافة إلى أن السيطرة عليها ستؤمن لقوات الدعم ممرات تهريب الأسلحة. سيطرة قوات حميدتي على الفاشر يؤمن لها كذلك خطوط الإمداد ويقوي شوكتها ويجعل الولاية مركزا لمهاجمة الولايات الأخرى والسيطرة على المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني. لذا نستطيع الجزم، بأن الفاشر هي آخر الخطوط الفاصلة بين سودان موحد وسودان مجزأ، ولن يكون مجرد سقوط مدينة، بل انهيار وحدة الدولة السودانية، والذي سيتحول إلى شمال مركزي تحت سيطرة الجيش، وغرب تحت سلطة الميلشيات، وشرق تتجاذبه الانقسامات والنزعات القبلية، وجنوب منهك مهمش. إذا سقطت الفاشر، فإن الخطورة ستتجاوز حينئذ القتال بين الجيش وميليشيات الدعم، فمن أخطر تداعيات سقوط الفاشر – لا قدر الله - انفجار الصراع الإثني في السودان الذي يكتظ بالتنوع الإثني والقبائل المسلحة مختلفة الولاءات، لأن هذا البلد يرقد على بركان تسليح الهوية، وفي هذه الحال سيمتد الصراع الإثني بلا شك إلى الدول المجاورة. الدول العربية، والدول المحيطة بالسودان وعلى رأسها مصر، منوطة بالعمل الفوري الجاد على منع سقوط الفاشر والذي يعني تفتيت وحدة السودان وما له من تداعيات على الجوار، وذلك عبر مسارين، الأول هو كسر هذا الحصار على المدينة وإدخال المساعدات، والثاني تقدم الدعم العسكري واللوجستي للجيش السوداني المنهك لفرض سيطرته التامة على ولاية شمال دارفور ومنع سقوطها في أيدي حميدتي، والضغط كذلك على الدول والجهات التي تدعم ميلشيات الدعم السريع المتمردة. وعلى المستوى الشعبي، يتعين على نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وضع مأساة الفاشر والملف السوداني بشكل عام في بؤرة الاهتمام، وتسليط الضوء على الأحوال الكارثية التي يعانيها أهل المدينة، وأهميتها الإستراتيجية وخطورة سقوطها في أيدي قوات الدعم على وحدة السودان، لتكوين رأي عام عربي ضاغط على الأنظمة والحكومات العربية لسرعة التدخل، إضافة إلى لفت أنظار الشعوب الغربية إلى هذه المأساة لإحراج حكوماتها والعمل على التدخل الفوري لإدخال المساعدات الإنسانية.
1344
| 28 سبتمبر 2025